إذا كنت مولودًا هذا العام؛ فالتقارير العالمية تقول إن «هذه هى المرة الأولى التى سينشأ فيها جيل عالمى من الأطفال فى عالم أكثر خطورة بكثير وأقل أمانًا، وذلك نتيجة لتغير المناخ والتدهور البيئى».. لم تعد ظواهر التغيّر المناخى خبرًا؛ ففى كل بقعة من الأرض، توجد مؤشرات على هذا التغيّر، بداية من الحرائق إلى معدلات الحرارة القياسية، وصولًا إلى ذوبان الجليد الذى شهدته جزيرة «جرين لاند» بشكل كبير مؤخرًا. ويُعد تغير المناخ القضية الحاسمة فى عصرنا، فنحن الآن أمام لحظة حاسمة، فالآثار العالمية لتغير المناخ أصبحت واسعة النطاق، ولم يسبق لها مثيل فى الحجم، من تغير أنماط الطقس التى تهدد الإنتاج الغذائى، إلى ارتفاع منسوب مياه البحار التى تزيد من خطر الفيضانات الكارثية؛ حيث سيكون التكيف مع هذه التأثيرات، أكثر صعوبة ومكلفًا مستقبلاً إذا لم يتم القيام باتخاذ إجراءات جذرية الآن. فهل استفاق العالم على هذه الكارثة فجأة؟ أمْ أنها مشكلة قديمة/ متجددة منذ عشرات السنوات ولا يلتفت لها أحد؟ منذ بداية القرن الواحد والعشرين، تحذر جميع الدراسات من التغير المناخى وارتفاع درجات الحرارة أو «الاحترار العالمى»، لكن كل تلك التحذيرات والتنبيهات لم تؤخذ على محمل الجد إلا فى السنوات الأخيرة؛ لأن العالم قبل تلك السنوات، كان منشغلا بالبحث عن الغاز والنفط وغيرهما، ما جعل مسألة التغير المناخى مسألة ثانوية أو مهملة. وفى السنوات الأخيرة، ارتفعت درجة الحرارة بشكل كبير، بعد ارتفاع مجموعة من الغازات فى الجو تسمى «الغازات الدفيئة»، أهمها: بخار الماء، غاز ثانى أكسيد الكربون، غاز الميثان، غاز أكسيد النيتروز، وهذه الغازات تسبب ما يسمى ب«الاحتباس الحرارى»، أو ال«global warning»؛ حيث تُسقط أشعة الشمس على سطح الأرض بعضَ الأشعة، تنعكس بعضها والباقى تمتصه الأرض، ثم تعيد تلك الأشعة على صورة حرارة، وتمتص الغازات الدفيئة معظم هذه الحرارة، ثم تعيد إشعاعها مرة أخرى، فتظل الحرارة محتبسة داخل الكوكب، وهذا أمر طبيعى، لكن زيادته أمر غير طبيعى. كانت بداية صدور التحذيرات العالمية فى العام 2004؛ حيث كشفت الدراسات أن ارتفاع درجات الحرارة يتسبب فى موت ربع الكائنات الحية.. من نبات وحيوان وبشر على سطح الأرض، ما سيمثل واحدًا من أكبر حالات الاندثار الجماعى منذ انقراض الديناصورات. الخلل البيئى.. ما السبب؟ بدأت قصة انهيار النظام البيئى للكوكب، منذ أن اكتشف الإنسان الفحم وحوله إلى مصدر مباشر للطاقة؛ لتشغيل كل شىء على وجه البسيطة، ومن بَعده، شهدنا الاكتشاف الأخطر على الإطلاق، وهو الوقود الأحفورى أو الوقود الحفرى، الذى جلب معه الثورة الصناعية؛ حيث شاعت عناصر الطاقة واعتماد الإنسان عليها فى كل زاوية من الكوكب، ما ترتب عليه زيادة حرق الوقود، الذى أدى بشكل مباشر إلى تراكم غاز «ثانى أكسيد الكربون» فى الجو، إضافة إلى عوامل كثيرة أسهمت فى سرعة تراكب الغازات. ويأتى فى صدارة هذه العوامل «التضخم السكانى» الذى شهده الكوكب، ففى عام 1900 كان تعداد السكان مليارًا و700 مليون نسمة، وحاليًا بلغ أكثر من 7 مليارات و753 مليونًا يعيشون على الأرض، ويستخدمون المواصلات يوميًا ويبحثون عن الطاقة فى كل أشكال الحياة؛ حيث تسهم المصانع والكهرباء وحتى الهواتف المحمولة التى نستخدمها يوميًا فى الحالة الكارثية. ولا يقتصر الخطر القادم فقط على «التغيرات» التى تواجهنا؛ لكن ربما تندلع حروب ونزاعات على الموارد الغذائية والمائية التى ستبدأ فى النفاد.. فكلما ارتفعت الحرارة؛ ينتشر الجفاف، وتتسبب الفيضانات فى غرق الأراضى الزراعية، ما يضع «الأمن الغذائى» فى ورطة كبيرة. كما جلبت المصانع والثورة الصناعية معها العديد من الأطنان من النفايات التى يعجز البشر عن التخلص منها بشكل يومى، فوفق الأرقام المعلنة فإن العالم يحرق نحو 40 % من النفايات التى بدورها تطلق عشرات المواد السامة فى الأجواء؛ خصوصًا أن معظم المواد من البلاستيك لا من مواد طبيعية. أيضًا، يزداد مع ارتفاع درجات الحرارة ذوبان الجليد فى القطبين، ما يؤدى إلى هطول الأمطار التى تؤدى إلى الفيضانات، وهو ما يهدد الأراضى الزراعية والمناطق السكنية؛ حيث فقدت جزيرة «جرين لاند» العملاقة منذ عام 1993 إلى 2016 نحو286 مليار طن من الجليد سنويا، بينما فقدت القارة القطبية الجنوبية نحو 127 مليار طن، كما امتصت المحيطات الكثير من الحرارة، ما أدى إلى زيادة حرارتها بنحو30 %. وذكر تقرير ل«المنظمة العالمية للأرصاد الجوية التابعة للأمم المتحدة»، أن هناك احتمال أن يرتفع المتوسط السنوى خلال سنة واحدة على الأقل فى السنوات الخمس المقبلة إلى 1,5 درجة مئوية زيادة على مستوى الحرارة، ففى 2015 كانت نسبة الاحتمال لا تتجاوز ال 10 فى المئة، وخلال الأربعة أعوام المقبلة سيكون بينها «العام الأكثر حرارة» على مدار التاريخ. وقال مركز متخصص فى مراقبة الأرصاد الجوية الأمريكية، مايو 2018، إن الكوكب يعيش أسوأ أحواله منذ 800 ألف سنة؛ حيث وصل غاز ثانى أكسيد الكربون إلى مستويات قياسية وتاريخية، متجاوزًا 400 وعشر أجزاء بالمليون، وهى أعلى نسبة تم تسجيلها على كوكب الأرض منذ 800 ألف عام، ما يعنى أن التلوث بات خطرًا حقيقيًا، وأن التغير المناخى بات أمرًا واقعًا حقيقيًا، وارتفاع الحرارة وزيادة الامطار وارتفاع منسوب المياه، كلها مؤشرات على حدوث تغير كبير فى المناخ. طقس أوروبا؟ يمر الطقس الأوروبى حاليًا بقلق غير مسبوق، فارتفاع درجات الحرارة هناك لم يكن أمرًا تعتاده الشعوب الغربية؛ حيث سجلت هذا العام أعلى درجات حرارة وصلت إلى 40 و41، فى حين كانت الدرجة القصوى 28 درجة فما سبق! وما زال العالم يشهد مزيدًا من ظواهر التغير المناخى؛ حيث أدت موجات الحر غير المسبوقة فى أوروبا، وموجات الجفاف، إلى فرض شركة مياه بريطانية حظرًا على استخدام الخراطيم والرش بسبب شح الأمطار، ما جعل شهر يوليو الأكثر جفافًا منذ ثلاثينيات القرن الماضى. أمّا فى إفريقيا؛ فتتساقط الثلوج، وتحديدًا فى دولة ليسوتو، وهو أمر يُعدّ نادرًا فى جنوب القارة الإفريقية.. فهل بدأت انعكاسات التغير المناخى فى التسارع؟ يواجه العالم أجمع اليوم خطرًا كبيرًا يهدد البشرية؛ حيث وصفت الصحف الغربية موجة الحر على القارة الأوروبية بالقاتلة، موضحة أن «لندن» تحولت من «مدينة الضباب»إلى «مدينة الشمس»، بتسجيلها درجات حرارة تاريخية لم تشهدها القارة بالكامل، وتم رفع مستوى الإنذار فى فرنسا إلى الأحمر، ما يشير إلى إعلان دخول أوروبا مرحلة جديدة تودع فيها الأجواء الباردة، لتدخل الأجواء الحارة، لكن العديد من الدول ليست قادرة على تحمل هذه التغيرات المفاجئة؛ حيث تعد درجات الحرارة المرتفعة أكثر مسبب للوفيات فى القارة؛ حيث توفى فى بريطانيا 2500 شخص فى العام 2020. وتواجه بريطانيا على سبيل المثال احتمالات قد تجبر خطوط السكك الحديدية على التوقف فى أى وقت؛ لأن الخطوط ليست مصممة لتتحمل درجات الحرارة العالية، كما أن شبكات الأنفاق لا تملك التهوية الجيدة التى تحتمل، وبدورها صرحت فرنسا أن زيادة حرارة الكوكب ستؤدى إلى منع زراعة ملايين الهكتارات من الأراضى الزراعية فى القارة، ما يعنى التهديد المباشر بأزمة «جوع». وذكر التقرير الصادر لهيئة الأرصاد الجوية هذا العام- بوضوح، أن دور التأثير البشرى فى النظام المناخى لا جدال فيه، كما أظهر التقرير أن الإجراءات البشرية لم تزل لديها القدرة على تحديد المسار المستقبلى للمناخ، مشيرًا إلى ضرورة الخفض الكبير والمتواصل فى انبعاثات ثانى أكسيد الكربون والغازات الدفيئة الأخرى للحد من تغير المناخ؛ لتحقيق فوائد جودة الهواء بسرعة، فى حين أن درجات الحرارة العالمية ستستغرق من 20 إلى 30 عامًا لتستقر. أمّا التقرير الذى أصدرته «مجموعة العمل الأولى التابعة للهيئة الحكومية الدولية» المعنية بتغير المناخ، ووافقت عليه 195 حكومة / عضو؛ فهو الأول فى سلسلة ستسوق إلى تقرير التقييم السادس للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ فى مصر 2022، الذى يتضمن كذلك نظرة فاحصة على الأبعاد الإقليمية لتغير المناخ، ويبنى على التقدم المُحرَز فى مواجهة ظواهر الطقس والمناخ المؤدية إلى تغير المناخ.