من برلين، خاطب الرئيس عبدالفتاح السيسى،العالم، موضحًا رؤية مصر للقضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية المهمة للعالم والإقليم والمنطقة. وفى العاصمة الألمانية قام رأس الدولة المصرية بأنشطة مختلفة ولقاءات متعددة، أكسبت مصر ثقلًا إضافيًا وهى فى موقع الرئاسة المشتركة لحوار بيترسبرج للمناخ، الممهد لقمة شرم الشيخ «cop27» للمناخ المقررة فى نوفمبر المقبل.
المستشار الألمانى يرحب بالرئيس السيسى
شريك رائد
وبمقر المستشارية الألمانية فى برلين رحب أولاف شولتز بزيارة الرئيس لبرلين، مثمنًا الروابط الوثيقة بين مصر وألمانيا، والزخم الذى تشهده العلاقات بين البلدين الصديقين بشكل ملحوظ خلال السنوات الماضية لاسيما على صعيد العلاقات الاقتصادية والتجارية، ومؤكدًا أن مصر تعد أحد أهم شركاء ألمانيا بالشرق الأوسط فى ظل ما تمثله من ركيزة أساسية للاستقرار والأمن بالمنطقة. وأعرب الرئيس عن تقديره للقاء المستشار الألمانى للمرة الأولى فى برلين، مشيدًا بالطفرة النوعية التى تشهدها العلاقات الثنائية بين مصر وألمانيا فى كافة المجالات، ومؤكدًا تطلع مصر لتعظيم التعاون الثنائى خلال الفترة المقبلة وتعزيز التنسيق السياسى وتبادل الرؤى بشأن مختلف الملفات ذات الاهتمام المشترك. وأشار الرئيس إلى التطلع لمزيد من انخراط ألمانيا عبر آليات مؤسساتها التنموية المختلفة فى أولويات خطط التنمية المصرية بمختلف المجالات، فضلًا عن العمل على مضاعفة حجم الاستثمارات الألمانية فى مصر خاصة فى ضوء الفرص الواعدة المتاحة بالمشروعات القومية الكبرى، حيث أكد المستشار «شولتز» من جانبه حرص ألمانيا على دعم الإجراءات الطموحة التى تقوم بها مصر سعيًا لتحقيق التنمية الشاملة، لاسيما من خلال زيادة الاستثمارات ونقل الخبرات والتكنولوجيا وتوطين الصناعة الألمانية، وتم التوافق بين الجانبين على أهمية العمل على تكرار النموذج الناجح للشراكة بين مصر وكبرى الشركات الألمانية، على غرار شركة «سيمنز» والذى أثبت نجاحًا كبيرًا فى السنوات الأخيرة. وتناول اللقاء سبل تعزيز أطر التعاون الثنائى بين البلدين على مختلف الأصعدة، خاصة التعاون المشترك فى مجال الغاز الطبيعى المسال والطاقة النظيفة والهيدروجين الأخضر، وتطوير منظومة التعليم الأساسى فى مصر. كما تطرقت المباحثات إلى استعراض سبل تنسيق الجهود مع مصر كشريك رائد للاتحاد الأوروبى فى عدد من الموضوعات الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك، وفى مقدمتها الأزمة فى ليبيا، والجهود المصرية الصادقة لدعم المسار السياسى الليبى، والدور الألمانى المهم فى هذا الصدد من خلال مسار برلين، حيث تم التوافق حول تضافر الجهود سعيًا لتسوية الأوضاع فى ليبيا على نحو شامل ومتكامل يتناول جميع جوانب الأزمة، ويسهم فى القضاء على الإرهاب، ويحافظ على موارد الدولة ومؤسساتها الوطنية، ويحد من التدخلات الخارجية. كما ناقش الجانبان آخر تطورات ملف سد النهضة، حيث اتفق الزعيمان على أهمية كسر الجمود الحالى فى مسار المفاوضات للتوصل إلى اتفاق قانونى ملزم ومتوازن حول ملء وتشغيل السد.
وثيقة وطنية
أعلن الرئيس أن مصر أودعت منذ بضعة أيام وثيقة مساهمتها المحددة وطنيًا المحدثة وفقًا لاتفاق باريس والتى تتضمن أهداف كمية طموحة ومحددة فى عدد من القطاعات الرئيسية لتعكس الجهود التى قامت وستقوم بها مصر فى هذه المجالات ولتوضح أيضًا حجم الاحتياجات التى تتطلبها هذه الجهود من تمويل ودعم فنى وتكنولوجى، والتى لا غنى عن توفيرها فى إطار من الشراكة التنموية الفاعلة بين مصر وشركائها من دول وبنوك ومؤسسات تمويل دولية. وأكد الرئيس أن مصر لن تدخر جهدًا فى سبيل إنجاح القمة العالمية للمناخ من خلال توفير البيئة المناسبة الجامعة لكافة الأطراف من الدول والمنظمات الدولية والمجتمع المدنى وغيرها، بهدف تحقيق تقدم حقيقى على مختلف المسارات. وفى مؤتمر صحفى مع الرئيس الألمانى عقب اجتماع بيترسبرج قال السيسي: اعتزازًا من مصر بشراكتها مع ألمانيا والحوار الشفاف حول كافة اهتماماتنا، حرصت خلال لقائى بالمستشار «شولتز» على إطلاعه على التطورات المهمة التى يشهدها محور أساسى من محاور عملنا الوطنى فى الشهور الأخيرة وهو ملف حقوق الإنسان، فى إطار المقاربة الشاملة التى تتبناها الدولة المصرية فى هذا الصدد، انطلاقًا من أن حق الإنسان فى الحياة الكريمة والتنمية والحصول على الخدمات الأساسية بجودة عالية، هى أسس ضرورية لتأمين تمتع المجتمع بالحقوق والحريات السياسية التى كفلها الدستور المصرى، والتى تلتزم الدولة بصونها وحمايتها. ولقد كان على رأس هذه الخطوات إصدار الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان والتى تتضمن خطوات تنفيذية وآليات للتقييم والمتابعة بمشاركة المجتمع المدنى، فضلًا عن إطلاق الحوار الوطنى، وإنهاء حالة الطوارئ فى مصر. وأكد الرئيس على ضرورة التنسيق إزاء قضايا المنطقة وفى مقدمتها القضية الفلسطينية والأوضاع فى ليبيا وسوريا واليمن فضلًا عن سبل مواجهة التطرف والإرهاب وظاهرة الهجرة غير الشرعية.
حجر الزاوية ألقى الرئيس كلمة خلال افتتاح الجلسة رفيعة المستوى لحوار «بيترسبرج» للمناخ قائلًا: «مصر تستضيف الدورة ال 27 لمؤتمر الأطراف هذا العام فى سياق عالمى يتسم بتحديات متعاقبة تأتى فى مقدمتها أزمة الطاقة العالمية الراهنة، وأزمة الغذاء التى تعانى الكثير من الدول النامية من تبعاتها، فضلًا عن تراكم الديون وضعف تدفقات التمويل والتأثيرات السلبية لجائحة كورونا، بالإضافة إلى المشهد السياسى المعقد الناجم عن الحرب فى أوكرانيا، متابعًا: وهو ما يضع على عاتقنا مسئولية جسيمة كمجتمع دولى لضمان ألا تؤثر هذه الصعوبات على وتيرة تنفيذ رؤيتنا المشتركة لمواجهة تغير المناخ التى انعكست فى اتفاق باريس وتأكدت العام الماضى فى جلاسجو». وقال الرئيس إن تغير المناخ بات يمثل تهديدًا وجوديًا للكثير من الدول والمجتمعات على مستوى العالم على نحو لم يعد ممكنًا معه تأجيل تنفيذ التعهدات والالتزامات ذات الصلة بالمناخ، ولذا فإن جانبًا رئيسيًا من جهد الرئاسة المصرية لمؤتمر الأطراف ينصب فى الوقت الراهن على جعل قمة المناخ العالمية نقطة فارقة على صعيد عمل المناخ الدولى، بما يساهم فى الحفاظ على الزخم الدولى وتأكيد التزام كافة الأطراف الحكومية وغير الحكومية بتحويل وعودها وتعهداتها إلى تنفيذ فعلى على الأرض، يضمن عملية التحول للاقتصاد منخفض الانبعاثات القادر على التعامل مع الآثار السلبية لتغير المناخ والتكيف معها، ويساهم فى تعزيز حجم ونوعية وآليات تمويل المناخ المتاح للدول النامية، وهو الجانب الأهم وحجر الزاوية لتمكين تلك الدول من القيام بدورها فى هذا الجهد العالمى. وأكد الرئيس على ضرورة توسيع نطاق الدعم لعملية الانتقال العادل للطاقة ليشمل دولًا نامية أخرى تبذل جهودًا حثيثة فى هذا الاتجاه، وعلى أهمية مشاركة مؤسسات وبنوك التمويل الدولية فى دعم هذا الانتقال، وفى الوقت نفسه، نشدد على ضرورة ترجمة هذه المواقف والرؤى إلى واقع فعلى فى المسارات التفاوضية المختلفة فى إطار الاتفاقية الإطارية واتفاق باريس، وهى المسارات التى كثيرًا ما تشهد مواقف لا تتسق مع النوايا والتوجهات الإيجابية التى يتم التعبير عنها على المستوى السياسى, وأشار إلى أن أزمتي الغذاء والطاقة الأخيرتين فاقمتا من حجم التحديات التى يتعين على الدول الأفريقية مواجهتها، إلى جانب ما يمثله تغير المناخ من تهديد حقيقى لدول القارة التى تعانى من التصحر وندرة المياه وارتفاع مستوى سطح البحر والفيضانات والسيول وغيرها من الأحداث المناخية القاسية التى أصبحت تحدث بوتيرة أكثر تسارعًا وبتأثير أشد من ذى قبل, ولفت إلى امتلاك أفريقيا مساحات واسعة من الغابات والقدرات لتوليد الطاقة من الشمس والرياح، فضلًا عن إمكانيات لإنتاج الهيدروجين الأخضر.
فى إطارعلاقة الشراكة بين مصر وألمانيا وتعاظم التحديات الإقليمية، وفى مقدمتها الإرهاب والفكر المتطرف.. كان الملف الأمنى والعسكرى والسياسى حاضرًا بقوة خلال الزيارة، حيث استقبل الرئيس عبد الفتاح السيسى السيدة كريستين لامبريشت، وزيرة الدفاع الألمانية التى أعربت عن تقدير بلادها لما تشهده العلاقات المصرية الألمانية مؤخرًا من تنام وازدهار، مؤكدةً اهتمام ألمانيا بتعميق تلك العلاقات بما لها من تاريخ ممتد. وأكدت «لامبريشت» العمل على دعم التعاون فى المجال العسكرى والأمنى فى إطار علاقات التعاون المشترك بين البلدين، لاسيما فيما يتعلق بمكافحة الإرهاب ومراقبة الحدود والهجرة غير الشرعية مشيدةً بالجهود المصرية فى استضافة أكثر من 6 ملايين من اللاجئين على أرض مصر وتمتعهم بالحقوق الأساسية بجانب المواطنين المصريين بالرغم مما يفرضه ذلك من أعباء ضخمة إضافية على الدولة. كما استقبل الرئيس، أنالينا بيربوك، وزيرة الخارجية الألمانية التى أكدت أنها ستساهم فى دعم مسيرة العلاقات بين البلدين على نحو بنّاء وإيجابى. وشهد اللقاء التباحث حول عدد من الملفات الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المتبادل، خاصةً تطورات الأوضاع فى أوكرانيا وتداعياتها الاقتصادية السلبية على المستوى العالمى، إلى جانب مستجدات جائحة كورونا، وكذلك ظاهرة تغير المناخ. كما تم التطرق إلى تطورات الأوضاع فى كلٍ من شرق المتوسط وليبيا وسوريا واليمن، حيث أكد الرئيس أنه لا سبيل لتسوية تلك الأزمات إلا من خلال الحلول السياسية، بما يحافظ على وحدة أراضى الدول وسلامة مؤسساتها الوطنية، ومن ثم يوفر الأساس الأمنى اللازم لمكافحة التنظيمات الإرهابية ومحاصرة عناصرها للحيلولة دون انتقالهم إلى دول أخرى بالمنطقة.
فرص استثمارية هائلة فى مصر
مجتمع الأعمال كما شارك الرئيس السيسى فى مائدة مستديرة مع ممثلى مجتمع الأعمال ورؤساء كبرى الشركات الصناعية الألمانية، وذلك بمشاركة عدد من كبار المسئولين الألمان، وبحضور عدد من الوزراء. وأشاد الرئيس بالتطورات الإيجابية التى شهدتها العلاقات الاقتصادية والتجارية بين البلدين خلال الأعوام القليلة الماضية، موضحًا ما توفره المشروعات العملاقة الجارى تنفيذها فى مصر من فرص استثمارية متنوعة، وفى مقدمتها المنطقة الاقتصادية لقناة السويس، والتى تتضمن عددًا من المناطق الصناعية واللوجستية الكبرى، وهو ما يوفر فرصًا واعدة للشركات الألمانية الراغبة فى الاستفادة من موقع مصر الاستراتيجى، كمركز للإنتاج وإعادة تصدير المنتجات إلى مختلف دول العالم، التى تربطنا بالعديد منها اتفاقيات للتجارة الحرة، لاسيما فى المنطقتين العربية والأفريقية. وأكد الرئيس أن النقلة النوعية التى شهدتها مصر مؤخرًا فى القطاعات التنموية المختلفة، إنما تعكس الإرادة القوية لدى الدولة لتعظيم إمكاناتها الكامنة وتحقيق التنمية المستدامة، وهو ما سينعكس على تعزيز الفرص المتاحة أمام الاستثمارات الألمانية فى مختلف القطاعات وفتح أسواق جديدة للمنتجات الألمانية، معربًا عن تقديره للدور الذى تقوم به كبرى الشركات الألمانية فى دعم العلاقات الاقتصادية والتجارية بين مصر وألمانيا، ومشيرًا إلى أهمية دور القطاع الخاص فى هذا الإطار كقاطرة للنمو من خلال زيادة الاستثمارات ونقل المعرفة والخبرات بما يخدم المصالح المشتركة للبلدين. من جانبهم، أشاد الحضور بالتقدم المحرز على صعيد جهود الإصلاح الاقتصادى فى مصر والتطور والتنامى الملحوظ فى الاقتصاد المصرى، لاسيما من خلال التدابير التى تم اتخاذها للإسراع من عملية التنمية وتحسين بيئة الاستثمار وتشجيعه، فضلًا عن المشروعات القومية الكبرى الجارى تنفيذها، والتى أسهمت فى أن تكون مصر نموذجًا وقصة نجاح يحتذى بها على الصعيد التنموى على الساحتين الإقليمية والدولية، وذلك على الرغم من الظروف الاقتصادية الضاغطة على المستوى الدولى، مع الإعراب عن الحرص على العمل خلال الفترة المقبلة على تعزيز الاستثمارات الألمانية فى مصر خاصةً مع توافر العديد من المجالات والفرص الاستثمارية الواعدة بها، لاسيما فى قطاعات الصحة والطاقة والتكنولوجيا والسياحة والاتصالات وصناعة السيارات ووسائل النقل. وشهد اللقاء حوارًا مفتوحًا مع رؤساء وممثلى الشركات الألمانية، والذين أكدوا ترحيبهم بتكثيف التعاون مع مصر لتحقيق المصالح المشتركة للجانبين، مع استعراض خططهم للاستثمار فى مصر أو للتوسع فى مشروعاتهم القائمة فى العديد من المجالات، فى حين أكد الرئيس اعتزام مصر مواصلة جهود الإصلاح والتطوير فى ظل تنفيذ الاستراتيجية الوطنية لتحقيق التنمية المستدامة «رؤية مصر 2030»، مشددًا على تقدير مصر للعلاقة الاستراتيجية الخاصة مع ألمانيا، والترحيب فى هذا الصدد بتزايد نشاط الشركات الألمانية العاملة فى مصر.
شركة لورسن أعلنت زيادة استثماراتها فى مصر
إلى ذلك استقبل الرئيس فى برلين بيتر لورسن مالك ورئيس مجلس إدارة شركة لورسن الألمانية العالمية للصناعات البحرية، وذلك بحضور الفريق أحمد خالد قائد القيادة الاستراتيجية والمشرف على التصنيع العسكرى، والسفير المصرى فى برلين خالد جلال، حيث شهد اللقاء متابعة أطر التعاون بين الجانب المصرى والشركة الألمانية التى تمتلك خبرات عميقة فى مجال الصناعات البحرية وتطوير الترسانات إلى جانب برامج تدريب العمالة الفنية ورفع قدرات الكوادر المصرية فى تلك المجالات طبقًا للمواصفات القياسية العالمية بالتعاون مع إحدى أكبر قلاع السفن على مستوى العالم.