تتحطم الأحلام على صخرة الواقع، ما لم يروِها أصحابها من نهر السعى ويرعوها بالعمل الدؤوب لتصبح بعد الأخذ بالأسباب جزءًا من الواقع الذى يعيشه كل صاحب حلم. عدد من علماء النفس واستشاريى الحياة الأسرية وصفوا ل «صباح الخير»، كيف يمكن لكل من لديه حلم للالتحاق بكلية بعينها أو تكوين ثروة أو الوصول لهدف محدد، أن يحوله لواقع يعيشه لتفادى أى تأثيرات سلبية نتيجة عدم التمكن من تحقيق الأهداف المرجوة من هذه الأحلام. يرى الدكتور جمال فرويز - استشارى الطب النفسى - أن الأحلام تشكل دافعًا للشخص للاجتهاد والعمل والتغلب على التحديات التى تواجهه فى رحلة الحياة، وقد يتغلب بعض الأشخاص على الصعوبات التى تعوق تحقيق حلمه وينهض سريعًا بتغيير بوصلة أحلامه بما يتماشى مع الواقع. ويشير «فرويز» إلى أن من يعيشون فى ظلال أحلام صعبة المنال قد يتعرضون للإصابة بالأمراض النفسية مثل الاكتئاب وبعض المراهقين قد يتجهون للانتحار. ويطالب استشاريو الطب النفسى بأن تدعم كل أسرة أبناءها لتحقيق أحلامهم ولا تحدد لهم مسارًا إجباريًا عليهم تحقيقه مثل الأسر التى تطالبهم بالالتحاق بكليات بعينها مثل «الطب.. وغيرها»، الأمر الذى يحول حياة الأبناء لكوابيس مزعجة. أحلام وقدرات ويشير الدكتور محمد رضا الفقى، أستاذ الأمراض النفسية بالأكاديمية الطبية العسكرية إلى كل إنسان لديه حلم يسعى إليه سواء كان مستقبليًا أم مرحليًا، كالحصول على مجموع عالٍ فى مرحلة دراسية، أو وظيفة أو المضاربة فى البورصة ليصبح ثريًا، ويعيش فى أحلام اليقظة ويرتب خطوات حياته على ما بعد تحقيق الحلم ويتخيل سلوكياته فيما بعد بناء على تحقيقه. ويشدد «الفقى» على ضرورة أن تكون الأحلام قابلة للتحقيق وأن تتوافق مع القدرات والهوايات والرغبات الفعلية للإنسان؛ فالطالب الكسول، لو كان لاعباً ماهراً فى رياضة ما يمكن أن يحقق مكانة اجتماعية مميزة ومكاسب عديدة، وبدون العمل الدءوب والدراسة والاجتهاد لتحقيقها بالتدرج تتحول الأحلام إلى أوهام؛ وتقوده إلى الإحباط والاكتئاب واليأس، مما ينعكس على سلوكياته الاجتماعية مثل انسحابه اجتماعيًا، واختلال فى المزاج العام، وهو ما يجعل البعض يفكر فى الانتحار.
على كل أسرة أن تدعم أبناءها لتحقيق أحلامهم
ويوضح «الفقى» أن المراهقين أكثر عرضة للانتحار فى حالة عدم تحقيق الحلم، مطالبًا بتربية الأبناء على عدم الاستسلام عند عدم تحقيق الهدف والبحث عن أحلام أخرى، وترسيخ فكرة أن السعادة ليست أهدافًا مادية فقط؛ لأن سيطرة الثقافة المادية سبب إصابة العديد من الأشخاص باضطرابات نفسية. وحذر أستاذ الأمراض النفسية من السعى لتحقيق الأحلام بشكل سريع وغير منطقى، يقود الشخص إلى أمراض نفسية تؤدى إلى الانتحار مع الشخصيات الهشة. وتشدد د. سامية قدرى أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس على ضرورة أن يكون للوالدين دور كبير فى تنشئة الطفل، على كيفية أن يكون لديه حلم فى حدود إمكاناته وقدراته، وتحفيزه بكل الوسائل للسعى خلف هدفه، وتقبل الفشل حال حدوثه، والبحث عن بدائل أخرى. وتحذر أستاذ علم الاجتماع من أن يتطور حب الأهل لأبنائهم وخوفهم الشديد على مصلحتهم إلى وأد أحد أحلامهم، وفكرة توريث المهنة تصل بالأبناء أحيانًا إلى أمراض نفسية؛ بسبب رغبة بعض الأسر فى أن يصبح أبناؤهم نسخة منهم. الإصرار والحماس ويؤكد د. أحمد علام - استشارى العلاقات الأسرية والصحة النفسية - على أن التخطيط الجيد والإصرار أحد أسباب تحقيق الفرد لأحلامه محذرًا من أن تحقيق الفرد خطوة فى طريق حلمه فينتابه شعور بأنه أنجز شيئًا كبيرًا جدًا فيميل إلى الاسترخاء لفترة طويلة حتى يبدأ الخطوة التالية، وهناك من يحقق خطوات مسرعة نحو حلمه؛ ولكن يصيبه الإحباط واليأس بسبب الكلمات السلبية من حزب أعداء النجاح من الأسرة نفسها أو الأصدقاء أو الأقارب أو المنافسين؛ مثل: «أنت مفكر هتقدر تحقق حاجة؟! أو «كان غيرك أشطر»،... فلا يكمل مشواره إلا من لديه إصرار وحماس. واستشهد «علام» بقصة صينية تقول إن شخصًا ذهب عالم صينى وقال له أريد أن أعرف معنى الحماس والإصرار؛ فأخذه العالم ووضع رأسه فى مياه وظل يضغط عليه إلى أن شعر بأنه سيموت؛ فانتفض وأخرج رأسه بكل قوته، فقال له العالم: هذا هو الحماس والإصرار؛ عندما تشعر أن حياتك ستتوقف أو ستفشل تفعل كل ما فى وسعك لتحقيق النجاح.
حلم واحد لا يكفى ويبين «علام» أن الإنسان الناجح يمتلك له عدة أحلام يسعى لتحقيقها طوال الوقت، فنفترض مثلاً أن طالبًا أراد أن يصبح طبيبًا، ولكنه تعثّر فى الثانوية العامة، فالتحق مثلا بكلية الفنون الجميلة ولديه موهبة الرسم؛ ويتفوق بها ويصبح عضوًا بهيئة التدريس بالكلية ويحصل على ماجستير ودكتوراه، ولكن لا يصح مثلاً أن يكون شخصا فى سن الخمسين ويريد أن يكون طيارًا أو آخر ليس لديه موهبة الرسم ويريد أن يصبح رسامًا مشهورًا. وتابع: «إذا تبين أن النجاح لن يكون بالمستوى المناسب؛ يتم تعديل الحلم لتحقيق نجاح أكثر فى نواحٍ أخرى، وحتى الشركات غيرت من مجالها، فمثلا شركة نوكيا كانت تعمل فى مجال ورق التواليت، وماكدونالد فى ماكينات لعمل الحليب ثم عملت فى البرجر والبطاطس والمأكولات، وكذلك كان صاحب كنتاكى يعمل فى وظيفة أخرى وأنشأها بعد خروجه للمعاش، وأديسون أجرى 261 تجربة فى مجال الكهرباء؛ يفشل ويصحح إلى أن وصل إلى ما يريد، فبالتالى الأحلام متجددة ومتغيرة، وتغيير الحلم أمر وارد من وقت لآخر، وحسب سن وقدرات الفرد وتغير الظروف المحيطة. وتوضح د.إيمان عبد الله خبيرة الإرشاد الأسرى والصحة النفسية أن الأحلام تخلق فرصًا كثيرة جدًا للعمل والتعلم والتميز، والتصرف بخطط مدروسة وليس بشكل عشوائى، والدقة فى الحياة وتقليل أثر صدماتها؛ بفضل الرؤية المستقبلية التى تزيد الثقة بالنفس والقوة النفسية، ويمكن أن تجعل إنسانًا بسيطًا عالمًا كبيرًا أو رجل أعمال. وتطالب «عبدالله» الأسر بتوفير البيئة المناسبة، وأن يكون الهدف ذا قيمة ويستحق بذل الوقت والجهد، وقابلاً للإنجاز والقياس، ويناسب إمكانات ومعتقدات الفرد، وقدراته النفسية والذهنية والجسدية، والدراسة الجيدة للعقبات المحتملة وكيفية تخطيها، واستشارة أصحاب الخبرات، والاطلاع والقراءة والتخيل لإيجابيات تحقيقه، وتحديد خطط زمنية لإنجازه، وفى طى الكتمان؛ لأن الإعلان عنه منذ البداية يعطى شعورًا وكأنه تحقق فيقل الحماس والطاقة. وتشير خبيرة الإرشاد الأسرى إلى نظرية «تحقيق الهدف من خلال الخيال»؛ فالخيال قوة رهيبة جدا تجعل الإنسان يرى النجاح قبل أن يحدث فعليًا؛ فيمكن استثمار أحلام اليقظة بشكل إيجابى من خلال ما يسمى «التباين الذهنى» باستشعار الإنجازات، وبالتالى تحدى العقبات وتوفير طاقة للوصول إلى الهدف.