جدل كبير أثاره «أصحاب ولا أعز» منذ الساعات الأولى من طرحه عبر منصة نتفليكس، ولا تزال ردود الفعل على العمل تتصاعد يومًا بعد يوم، فى حملة ربما تكون الأشرس والأكبر فى تاريخ بطلة العمل الفنانة منى زكى، الممثلة المصرية الوحيدة فى الفيلم، التى انتقدها الجمهور بشدة، بسبب جرأة أحد مشاهدها وجرأة أفكار الفيلم ككل سواء فيما يتعلق بالخيانة الزوجية أو المثلية الجنسية. لذلك فى الوقت الذى كانت فيه الجماهير معظمها ضد الفيلم، بينما نجوم الفن -بلا استثناء- يدعمون الفيلم ويدعمون منى زكى، كان لا بد من الاستماع لصوت النقاد للوقوف على أصل المشكلة، هل الفيلم ذاته؟ أم فى جرأة الأفكار فحسب؟ ما حدود النقد؟ وهل يصلح التقييم الأخلاقى للفن أصلاً؟ لقطة من الفيلم
النجاح بالانتقادات يؤكد الناقد الفنى السورى ماهر منصور أنه لولا جودة أداء الممثلين فى العمل، لأمكن القول إن الحملة التى شنت على الفيلم، كانت العامل الأساسى فى وصوله إلى مرتبة أعلى المشاهدات على منصة «نتفليكس»، لذلك ما إن تنتهى عاصفة المنتقدين حتى يعود الفيلم إلى حجمه الفنى الطبيعى، موضحًا أن الفيلم تعريب شديد الإخلاص للفيلم الإيطالى «غرباء بالكامل» على صعيد الحبكة، والشخصيات، والأفكار، وطبيعة اللغة وصولاً إلى الوضعية المشهدية. يضيف منصور أننا فى «أصحاب ولا أعز» أمام فكرة رئيسية تثير قضايا اجتماعية عابرة للحدود، فالفيلم ربما يوفر فرصة فى رأى البعض لتحريك الراكد فى معتقداتنا، وإثارة أسئلة كبرى فى عقولنا، ووفق هذا المعيار يحاكم الفيلم، وعند هذا الحد ينتهى تقييم المحتوى نقدياً من الناحية الفكرية. الناقد الفنى أندرو محسن، يرى أن الفيلم تجربة، خاصة لمن لم يشاهد أى نسخة أخرى من الفيلم، لأن النسخة العربية لم تقدم جديدًا سواء فى السيناريو أو الإخراج، فقط الإضافة كانت من خلال الأداء الجيد للممثلين، بينما على الجانب الآخر، يرى الناقد الفنى الكبير كمال رمزى أن الفيلم «عادى جدًا»، ولا يستحق كل الضجة المثارة حوله.
نادين لبكى وجورج خباز
التقييم للفن يشير أندرو إلى أن كل شخص من حقه رؤية الفن بالمنظور الذى يريده، لكن فى الواقع لا يمكن تقييم الفن أخلاقيًا، لأن كلمة الأخلاق معناها واسع ويختلف باختلاف المجتمعات، بل داخل المجتمع الواحد نفسه، وبالتالى لا يمكن تطبيقه كقاعدة، وهذا لا ينفى أن لكل شخص الحق فى قبول أو رفض مشاهدة عمل ما وفقًا لأخلاقياته، لكن أن نقيم وصاية على الأفلام فهذا أمر غير مفهوم. وهذا ما يشير إليه كمال رمزى موضحًا أن الفن يقدم رسالة بالتأكيد، لكن لا يعنى ذلك أن تكون هذه الرسالة أخلاقية وتربوية مباشرة بالضرورة. لكن يبقى السؤال: هل الجمهور مُلزَم بالتقييم وفقًا للمعايير الفنية؟ يجيب ماهر منصور بأن المشاهد لن يحمل فى رأسه القواعد المعيارية للنقد ليطبقها على خياراته الفنية، وسيبقى العمل الفنى الأفضل للجمهور هو ذلك الذى يوفر مساحة إشباع لرغباته ومشاعره ودوافعه، وهو ما يدفعنا للحديث عن دور النقاد. وفق هذه الرؤية يجب على النقاد مواصلة عملهم فى مساعدة المتلقى فى فهم المزيد عن العمل الدرامى وإثارة فضوله للانغماس فى التجربة الفنية أكثر، وبمقدار ما ينجح النقاد فى ذلك بمقدار ما تردم الهوة بينهم وبين الجمهور، ووقتها سيكون ردم الهوة بين الجمهور والعمل الفنى تحصيل حاصل. أما كمال رمزى فيؤكد أنه من حق المتفرج أن يبدى رأيه فيما شاهده، أما التعبير بالإساءة فغير مقبول.
منى زكى وإياد نصار
حب أعمى هذه الحملات والخلافات المتكررة بين الجمهور والفنانين، لا تعنى أن هناك فجوة حدثت بينهما، بحسب رأى أندرو محسن، إذ يرى أن هناك أعمالاً كانت ولا تزال تحظى بجماهيرية كبيرة، وبالتالى لا نستطيع القول إن الجمهور أصبح بعيدًا عن صناع الدراما عمومًا، لكن ذلك لا ينفى أن هناك شريحة لا يستهان بها من الجمهور لا تزال بعيدة عن أشكال مختلفة من الفنون، واعتادت على نوع معين فقط، فيكتفى بعدم المشاهدة أو الهجوم كما حدث فى «أصحاب ولا أعز». من جانبه، يصف ماهر منصور العلاقة بين الفنانين والجمهور بأنها علاقة «حب أعمى»، فمثلاً على السوشيال الميديا نرى كيف أن هناك من يستغنى عن اسمه وصورته مقابل نجمه المفضل، فالتريندات مهما كانت لعبة تجارية إلا أن جزءًا منها لا يستهان به محبة جماهيرية، على أن الجمهور مخيف فى حبه ومخيف فى كرهه، هذا طبع بشرى، جميعنا كذلك؛ عندما نحب نعطى كل شىء، وعندما نكره (ربنا يستر).