حالة من الاشتباك الفنى والاجتماعى أثارها جدل «أصحاب ولا أعز»، أول إنتاجات الأفلام العربية على منصة «نتفليكس» الأمريكية، الذى تخطى السوشيال ميديا وتصدره التريند بالأكثر تداولاً فى الوطن العربى، لرفع دعوى قضائية وبيان للبرلمان المصرى لمنعه، تلاهما تعليق نقابة الممثلين. الانتقادات اللاذعة التى طالت النسخة المُعربة ال19 للفيلم الإيطالى، تعلقت بمضمونه ومشاهده وحوار أبطاله، الذى وصفه البعض ب «الجرىء» و«الإباحى»، فيما استنكر آخرون إلقاءه الضوء على قضايا غريبة عن المجتمع الشرقى، كالهجر الزوجى والمثلية الجنسية والخيانة الزوجية للرجال والنساء. قولبة السينما أعاد التفاعل الكبير للأذهان إشكالية «السينما النظيفة»، ما بين هجوم الجيل الذى أحب كوميديا الأصدقاء فى «صعيدى فى الجامعة الأمريكية» بالتسعينيات، ودفاع نظيره الذى أعجب بمواجهة الذات فى «سهر الليالى» بالألفينيات. يطرح الناقد محمد عدلى تساؤلاً: «هل البذاءة فى السينما مطلوبة؟ أى أنه تبنى تناول قضية ما دراميًا، يعطينى الحق فى عرضها بشكل بذىء ومن ثمً وصفه بالجرىء؟»، يجيب موضحًا أن هناك فارقًا كبيرًا بين «الجرأة» و«البذاءة». يفسر فى تصريحات صحفية ل مجلة «صباح الخير»: «الأولى تعنى التعامل مع المشكلة بشجاعة، ألا أقدر على الاستغناء عن مشهد محدد، إذ إن هناك ضرورة درامية لوجوده فى الفيلم، وحذفه يؤدى لخلل فى السيناريو، وعليه يتعامل معه صُنّاعه بالشكل الفنى الذى يخدم قضيتى والفيلم، إنما لا أتعمد الركض وراء البذاءة لكى أعبر عن تقديمى سينما جريئة». «أى سينما فى الدنيا تستطيع التعبير عن القضايا الجريئة بطريقة فنية جيدة تتعلق باختيارات المؤلف والمخرج».. هكذا يصف «عدلى» مشددًا على أن «السينما النظيفة» ليس تصنيفًا ويعد «بدعة» دخيلة على الفن، وإذا توجهنا بالسؤال لأى من مجتمعات العالم عن تعريفهم له، أظن الآراء ستختلف بين مَن يعتقدها البعض سينما خالية من الدم أو العنف وآخرين يرونها بلا مشاهد إباحية. كذلك ينفى الناقد إيهاب التركى اعترافه ب«السينما النظيفة»: «لا وجود له فى أى سينما بالعالم. هل توجد دراسة نقدية تحليلية فى العالم عن تصنيف اسمه سينما قذرة وسينما نظيفة؟ هذا مصطلح، ليس له كتالوج واضح. تسبب فى غياب أفلام الرومانسية والواقعية وطغيان سينما كوميديا الإيفيهات قديمًا».
منى زكى وإياد نصار فى فيلم أصحاب ولا أعز
قضايا جريئة يوضح «إيهاب» فى حديثه ل«صباح الخير»: «يزايد على دور الرقابة، ويُحرم القبلات والعناق والتلامس بين الممثلين، ولا أظنه معنيًا بإثارة القضايا الجريئة من أى نوع، وهدفه وضع السينما فى إطار أخلاقى، وتفريغها من أى مضمون فكرى ونقدى»، لافتًا إلى ظهوره فى حقبة التسعينيات مع تنامى المد الدينى المُتشدد، وتدخله فى كل مناحى الحياة. يضيف: «وبعد عقود من تحريم شيوخ التيارات الأصولية للسينما غيروا استراتيجيتهم لأنهم أيقنوا أن القضاء على السينما مستحيل، وبدأت خطة للترويج للسينما الحلال من وجهة نظرهم، وأطلقوا عليها السينما النظيفة، وللأسف روجه الإعلام ومنحه ربما دون قصد مشروعية أخلاقية، أيديولوجية اعتنقها بعض النجوم بلا وعى، عندما شعروا أن البعض ينظر إليهم بعدم احترام. سينما الخمسينيات والستينيات كانت محافظة ولكنها لا تخلو من إبداع. أمّا ما يسمى بالسينما النظيفة فكانت مصطنعة وتدعى الفضيلة وخالية من أى إبداع». فيما يصف الناقد مصطفى حمدى المصطلح بأنه «معيوب ومنقوص»، موضحًا أن اتجاه المنتجين فى بداية الألفية لتسييد فكرة السينما الخالية من المشاهد أو الموضوعات الجريئة، كان الهدف منه مغازلة رأس المال مصادر التمويل القادمة من الخليج، تطبيقًا لشروط الشركات وغيرها التى شاركت كطرف فاعل ومهم فى الإنتاج، لضمان تمويله ودعم عرضه تلفزيونيًا ونجاحه جماهيريًا. إذن هل طرح «أصحاب ولا أعز» ومن قبله «أبو صدام» سينمائيًا مؤخرًا يعد مؤشرًا للقضاء على «السينما النظيفة»؟.. يجيب «حمدى» ل«صباح الخير»: «لا أظن. طول الوقت تتواجد هذه النوعية من الأفلام، منها «عمارة يعقوبيان» و«عصافير النيل» و«سهر الليالي» و«بحب السيما» فى الألفية، هناك حالة استيعاب لكل التجارب، حتى فى الفترات التى زادت بها إيرادات موجة أفلام «السينما النظيفة» ل «هنيدى» و«السقا» وغيرهما من هذا الجيل، استطاعت أفلام داوود عبد السيد ومجدى أحمد على ووحيد حامد ومروان حامد، التواجد والانتشار أيضًا نقديًا وجماهيريًا، فكلاهما يحقق نجاحًا بطريقته».
تمرد النجوم «أصحاب ولا أعز» المُعرب من فيلم «Perfect Strangers» تدور أحداثه حول عشاء يجمع 7 أصدقاء، تتكشف أسرارهم فى لعبة واحدة، إذ يضع الجميع هواتفهم المحمولة على الطاولة، بشرط أن تكون كل الرسائل أو المكالمات الجديدة على مرأى ومسمع من الجميع، وسرعان ما تتحول اللعبة التى كانت فى البداية ممتعة وشيقة إلى مواجهات وفضائح. يشارك فى الفيلم نخبة من النجوم العرب، هم: الفنانة المصرية منى زكى، والفنان الأردنى إياد نصار، والفنانة والمخرجة اللبنانية نادين لبكى، والفنانون اللبنانيون جورج خبّاز، وعادل كرم، وفؤاد يمين، وديامان بو عبود، وهو من إخراج وسام سميرة. رغم اعتماد حبكته الدرامية على البطولة الجماعية، فإن منى زكى كانت أكثرهن عرضة للانتقادات، إذ يعتبر البعض دورها بمثابة «سقطة فنية» فى مشوارها، بسبب كثرة مشاركاتها فى الأفلام التى تضمنتها قوائم «السينما النظيفة»، فيما رأى آخرون أنه ليس جديدًا عليها بحسب وصف «التركى» و«عدلى». ويقول «إيهاب»: «منى زكى غيرت قناعاتها بفكرة السينما النظيفة منذ سنوات على استحياء، ونلمح هذا فى بعض اختياراتها مثل فيلم «احكى يا شهر زاد»، ومسلسل «أفراح القبة»، ولكن جمهور منى زكى لم يغير نظرته القديمة نحوها، وأظن أنها تدفع ثمن صورة رسختها وشاركت فى صناعتها من خلال تصريحاتها وأعمالها السابقة، وعليها تحمل الهجوم وعنفه الذى سيزيد خلال الفترة المقبلة لو كانت مقتنعة بما تفعله». يتفق «عدلى» على نجومية منى زكى و«تمردها» منذ عدة أعوام، مؤكدًا حريتها باختيار الأدوار المناسبة لها، وعودتها بأعمال فنية مهمة بعد فترة غياب، لافتًا إلى أنه رغم جرأة الموضوعات التى ناقشتها فى أحدث أعمالها «لعبة نيوتن» فى رمضان الماضى، و«الصندوق الأسود» بالسينما فإن أدوارها مرت كغيرها من أعمالها دون جدل، لكن «خضة» «أصحاب ولا أعز» السبب فى اختلاف التلقى وعدم تقبل بعض المشاهد، لكنه، يجب تقييمها «فنيًا» فقط.