من شرعية قرار إنقاذ المصريين فى 30 يونيو، إلى شرعية الإنجاز مرّت دولة 30 يونيو بمراحل شديدة التعقيد شديدة التركيب. تفوقت الدولة على كل الأصعدة. رسم «عبدالفتاح السيسي» دوائر خضراء برغبات للبناء، كما رسم أيضًا خطوطا حمراء عند اللزوم وعند المقتضى. خرجت مصر بمعجزة من مسارات الدول الفاشلة، التي كانت قد اقتربت منها عام 2013، بعدما دخل خصم ثورة يوليو52 قصر الرئاسة فى مصر.. وأكل الإخوان الأرز على السجاجيد وفرشوا الأرض ومدوا السماط فى القصر الجمهورى!
بدأ «عبدالفتاح السيسي» عصرًا جديدًا، بعَقد اجتماعى جديد فى الطريق لجمهورية جديدة. غابت الجمهورية الأولى التي أسّستها ثورة يوليو فى الوقت الذي دخل فيها خصمها الرئيس، وخصم الشعب الأول قصر الاتحادية. كان دخول الإخوان الاتحادية فلتة وقى الله شرها. وصلت مصر بعد يناير 2011 إلى حافة الهاوية. كانت مصر فى الطريق إلى ستين داهية. اقتربت مصر من مصاف الدول الفاشلة على مقاييس السياسة.. وطبقًا لرسومات الاقتصاد البيانية. حاز «عبدالفتاح السيسي» فى الطريق لاستعادة الدولة؛ أولاً شرعية قرار إنقاذ المصريين من حكم فاشٍ جاء ليأكل الأخضر واليابس.. وجاء ليقتل باسم الأحياء، وجاء ليحرق باسم البناء.. وجاء ليقصى باسم الحريات. تحمّل «السيسي» قرار إنقاذ المصريين؛ استجابة لندائهم فى الشوارع: «انزل يا سيسى» بنفس راضية، وبمسؤولية مقدرة.
دولة 30 يونيو وعقد إجتماعى جديد
إلى جانب شجاعة القرار فى 30 يونيو 2013، حاز «عبدالفتاح السيسي» شرعية قرارات الإصلاح فى 2014. تضاف شجاعة البدء الفورى وبلا تردد فى قرار الإصلاح فى 2014، إلى شجاعة قرار الإنقاذ فى 2013. كان الإصلاح قرارًا صعبًا، ظل مؤجلا طوال أكثر من 60 عامُا. كان الإصلاح وكأنه كهفٌ مهجورٌ لا يدخله ولا يقربه أحد لأسباب عدة. كان قرار الإصلاح الشجاع، ضمن ما أسقطه «عبدالفتاح السيسي» من تابوهات ومعادلات طبعت فى الذهنية العامة، على مدى سنوات طويلة بأنه لا حلول لها.. ولا بدائل. حاز «عبدالفتاح السيسي» شرعية الإنجاز، بتحقيق كامل لكل ما تعهد به فى خطابه بعد ساعات من توليه المسؤولية فى 2014. تعهد «عبدالفتاح السيسي» بعقد اجتماعى جديد. وقد كان. استعاد «عبدالفتاح السيسي» الدولة. استعادت مصر المكان والمكانة على خريطة العالم والإقليم، وفى الداخل.. كان المواطن أولوية على أجندة الدولة.
تخطيط استراتيجى برؤى واثقة
(1) استلم «عبدالفتاح السيسي» الدولة فى 2014 مضطربة المعادلات الاجتماعية، قبل اضطراب معادلات السياسة والأمن والاقتصاد. اضطراب المعادلات الاجتماعية هى الأساس بانعكاساتها على باقى معادلات السياسة والأمن والاقتصاد. لذلك كان خيار «عبدالفتاح السيسي» التحرك على كل المسارات، بالتركيز على معادلات بناء البشر مع بناء الحجر. فى 7 سنوات تحولت مصر إلى دولة رشيدة. معيار الدول الرشيدة الأول هو قدرة الإدارة على اتخاذ القرار، وقدرتها على تنفيذه، ثم قدرتها على إحداث نظام تتناغم فيه الاختصاصات الحكومية؛ لتنعكس نتائج الأعمال على ما يلمسه المواطن بالفعل، فيما يتعلق بالداخل. الدولة الرشيدة هى تلك التي تحوز القدرة على السيطرة بالتوازى مع الرغبة الحقيقة فى التنمية. حققت مصر 30 يونيو التنمية بمحاورها الكاملة الشاملة. التنمية فى الدول الرشيدة متعددة الجوانب، متداخلة المعادلات. تخطت مصر مسارات الدول الفاشلة، بطفرات على طريق التنمية، بدأت تأتى ثماره فى أزمنة لم تكن متخيلة.. ولا كانت متصورة. اعتمد «عبدالفتاح السيسي» تنمية شاملة كاملة أساسًا للعقد الاجتماعى الجديد الذي تعهد به فى خطابه الأول عام 2014. تعددت محاور التنمية الشاملة فى دولة 30 يونيو، بدءًا من القدرة على الردع العسكرى.. انتهاءً بالنجاح فى معادلات الإصلاح الاقتصادى وتحسين أحوال المعيشة، وضمان حياة كريمة للأولى بالرعاية. إلى جانب كثيرًا من القفزات فى ملفات الداخل، كان لدى مصر الوعى الكامل والإدراك الكامل لمحددات سياسات دولية وإقليمية استعادت مصر المكان والمكانة مفاتيحها؛ لتصبح مصر رقمًا هامًا على خرائط السياسية على خرائط العالم.
تغييرات كاملة فى الواقع المصرى
(2) بحلول عام 2013 كان أن بدا أن مصر قد اقتربت من خطوط التماس على طرق سير الدول الفاشلة. وقتها كانت غالبية الدراسات وتوقعات مراكز الأبحاث تؤكد اقتراب البلاد من مسارات اللا عودة.. ولا رجوع. مع اعتلاء الإخوان كرسى الحكم، أصبحت التوقعات فى حكم المؤكدات، وأصبحت التكهنات فى حكم الواقع. ظهر مصطلح الدول الفاشلة بدايات التسعينيات فى دراسات غربية تناولت تداعيات انهيار الدول وانعكاسات ما بعد الانهيار على الاقتصاد والاجتماع وعلى السياسة.. وبالتالى على باقى المسارات. أسّس خبراء العلوم السياسية إلى اعتبار الدولة الفاشلة هى تلك التي فقدت القدرة على لعب دورها، وهى التي توقفت عن ممارسة وجودها ككيان مستقل صاحب قرار فى الداخل، وفى الإقليم. فى المصطلح السياسى، الدولة الفاشلة هى التي لم تعد قادرة على القيام بوظائفها الأساسية، وفى ضعفها لا تقوى على أداء مهامها السيادية على أرضها، وفى المحيط الدولى. استعاد «عبدالفتاح السيسي» الدولة بعد غياهب الجب فيما بعد 2011. استعاد دولة كانت اقتربت فى 2013 من خطوط التماس مع الفشل السياسى فى الداخل والخارج. انطلق «عبدالفتاح السيسي»، وفق عقد اجتماعى جديد، من محددات جديدة ثابتة تعلى قيم الحوار ضامنًا أول لا حياد عنه فى التعامل مع الأزمات الإقليمية والدولية. مارست مصر سطوة إقليمية وصبرًا استراتيچيًا. فمع استراتيچية الصبر، كان لدى مصر عينٌ حمراء وخطوط وحدودٌ وقت اللزوم وعندما تستدعى الظروف. لم تتعمد القاهرة السعى إلى خشونة هى تملك قدراتها بجدارة. لم تسعَ مصر إلى اعتداء، ولم تسعَ إلى تهديد، بشرط عدم الاقتراب من أمنها الإقليمى، وأمنها القومى، وبشرط حرية كاملة فى استغلال ثرواتها.. وتنويع مصادر سلاحها وكامل سيطرتها على قرارها. اعتمدت مصر 30 يونيو سياسات الصبر الاستراتيچى خيارًا أساسيًا فى أكثر من ملف. حققت سياسات النفَس الطويل انتصارات ملحوظة على خريطة الإقليم. كلها كانت معارك وصلت إلى طرق كانت تبدو مسدودة لدرجة جلعت كثيرًا من المراقبين يعتقدون فى الماضى أنه لا حلول. أوجدت مصر الحلول، وفق أولوياتها، ووفق ما تراه من مبادئ شريفة فى زمن عَزّ فيه الشرف. والنتيجة أنه على محاور مختلفة، وفى ملفات شتى كان أن دفع الصبر الاستراتيچى المصري الأسماك إلى أن تطفو من تلقاء نفسها على سطح البحيرة. تفوقت معادلات الصبر الاستراتيچى ، مع القدرة على الردع فى معركة غاز المتوسط. تأسيس منتدى الغاز فى تخطيط مصري كامل كان واحدًا من أهم الدلائل على أن السياسات الرشيدة وفق متوالية القدرة هى التي تمنح فرصًا ليس فقط لتغيير شكل وملامح الأزمات؛ إنما القدرة أيضًا على تغيير المعادلات الإقليمية رُغم ما كان يبدو من تعقيد شديد لتلك المعادلات. للإنصاف؛ فإن القدرة على اعتماد سياسات الصبر فى المعادلات الدولية والإقليمية ليست بتلك السهولة، ولا ذلك اليسر. ليس فى استطاعة الدول طبقًا لعلوم السياسة اعتماد سياسة الصبر الاستراتيچى دون أدوات لفرض الإرادة، ودون قدرات حقيقية على رسم حدود المصالح، وفرض الثوابت. فرضت مصر ثوابتها وفق معادلات القدرة. وفى السياسة، تزيد قدرات الدولة القوية على فرض ما ترسمه من أطر طرديًا مع زيادة قدراتها على الردع. لا تنجح الدول القوية فى فرض معادلة الصبر على الإقليم، إلا مع امتلاكها قوة كافية، بإيمان عميق بعدالة قضاياها، وفهم حقيقى لأسُس العلاقات والتشابكات الدولية وتعقيداتها.. وإدراك كامل لتوازناتها. خاض «عبدالفتاح السيسي» معارك الإقليم بأنواعها منذ العام 2014 برؤى واثقة وثوابت انطلقت من أنه لا تنازل عن حقوق مشروعة للدولة المصرية. تتراوح الحقوق المشروعة للدولة المصرية، ما بين حريتها الكاملة فى استغلال ثرواتها، وبين قرارها الأكيد فى اتخاذ ما تراه مناسبًا لحماية أمنها القومى والاستراتيچى، وتحقيق مصالحها القانونية دون اعتداء أو تهديد. عدلت الرؤية المصرية بمنهجية الصبر الاستراتيچى الموازين فى المسألة الليبية، وبعد مراحل تطورت فيها القضية حتى وصلت للحدود التي حسم فيها «عبدالفتاح السيسي» الأحداث بخطوط حمراء. دفعت خطوط مصر الحمراء المعادلة الليبية لاستدارة كاملة، فتغيرت مسارات الرياح، واختصر الزمن مسافاته. تأسيًا على استراتيچية الصبر الاستراتيچى، حققت مصر نصرًا لافتًا فى ملف تعلقت فيه تركيا بطموحات هوجاء، لتجد أنقرة نفسها فجأة على طريق بدا أن تعمد الاستمرار فيه يعنى قطع خطوات سريعة نحو اللا عودة. بمنهجية الصبر الاستراتيچى استطاعت القاهرة أن تنتزع حيلاً إخوانية ثعبانية أفعوانية، من الأرض، تدعمها دول معروفة وفق مخططات واضحة، حاولت قلب الموازين.. والافتئات على الحقائق. حققت القاهرة نجاحًا منقطع النظير فى مكافحة الإرهاب ودحره، وحققت أيضًا انتصارات كبرى على طريق التوعية بحقائق ملف الإرهاب، وحيل تجار الأوطان وأرزقية الشعارات، وباعتبار أن ملف الإرهاب لا يجب ولا يصح وليس عدلاً أن يكون معركة محلية ، بقدر ما يجب أن يكون معركة عالمية ، تتطلب اتحادًا عالميًا لمكافحة سمومه العابرة للقارات. لم تنجح مصر فقط فى قطع يد الإخوان الإرهابيين وتعليقها على أبواب قلاع القوات المسلحة فى سيناء؛ إنما استطاعت أن تكشفت بجدارة للدول الغربية حجم ومدى وخطورة تلك التنظيمات الإرهابية بانعكاساتها على العالم كله. فى ملف الإنجازات المصرية للدولة خلال السنوات القليلة الماضية، كان أن أجهضت القاهرة محاولات توظيف ورقة الإخوان من قبل قوى كبرى وصغرى على خريطة العالم والإقليم.
الجاسوس إيلان جرابيل فى التحرير 2011
(3) يجوز بحكم الضرورة ونجاحات الواقع تطبيق مقاربة منهجية الدولة الرشيدة، مع محددات الصبر المصري الاستراتيچى على ملف تنويع مصادر السلاح ، ضمن ما تحوزه دولة 30 يونيو من شرعية إنجاز. يظل ملف تنويع السلاح واحدًا من أهم ملفات حققت فيها مصر قفزات غير مسبوقة، بنجاحات مدوية فى فرض القرار، وفرض تغيرات جوهرية على الخريطة الدولية، وفرض أيضًا تحولات كبرى.. بنتائج غير مسبوقة، كانت فى زمن ما غير متوقعة ولا متصورة. نجحت مصر فى تنويع مصادر السلاح بصفقات كبرى مع دول الغرب ومع دول الشرق فى نفس التوقيت، فى نواتج متوقعة، الإدارة شديدة الدقة ، اختلط فيها عنصر الصبر مع عنصر القرار، مع تدرجات احترافية فى توازن دقيق بالاقتراب من معادلة شديدة الحساسية. رؤية من نوع خاص، هى التي جعلت القاهرة تنجح فى الاستفادة من كل التغيرات والمتغيرات على الساحة الدولية، موظفة المساحات البينية فى توجهات المصالح الدولية لصالح القرار المصري. بعد سنوات قليلة من عام 2014 ، كانت مصر قد استطاعت حفر نقوش بارزة لواقع جديد فيما يتعلق بمسائل التسليح فى المنطقة، وبعد ما كان مجرد الميل إلى جهة، يعنى بالضرورة خسارة الجهة المقابلة.. بعواقب غير مضمونة النتائج. مد خط شرعية إنجازات «عبدالفتاح السيسي» على استقامته ، يحسب له النجاح فى استعدال دفة السياسة فى الإقليم ، وإرساء قواعد سياسة شريفة تمامًا كما يحسب له.. إظهار العين الحمراء.. وقت اللزوم.
مصر تتغير للأفضل وتتغلب على الصعاب
(4) معادلات السياسة الأعوام العشرة الأخيرة على خريطة العالم والإقليم شديدة الشبه إلى حد التطابق بمعادلات الجبر وتفاعلات الكيمياء. معادلات السياسة على خريطة العالم والإقليم السنوات العشرة الأخيرة شديدة التشابك، وشديدة التعقيد.. لكن وسط هذا التشابك والتعقيدات، استطاعت مصر السيسي أن تحوز المفاتيح على مقعد القيادة لتصبح رقما هامًا فى معادلات التوازن والقرار. تستمد المعادلات الجبرية، صعوبتها من كثرة المعطيات، وتعدد احتمالات النتائج. وفى معامل الكيمياء كثيرًا ما قد تؤدى الإضافات غير المحسوبة للعناصر إلى اشتعال المعامل وانفجارات أنابيب الاختبار. لذلك مشهود لدولة 30 يونيو ابتكار سُبُل متوازنة ومؤثرة فى كيمياء المنطقة، ومسائلها الجبرية. تؤمن مصر بأن السياسة مصالح، لكن هذا لم يمنع القاهرة من أن تدخل معامل كيمياء السياسة ومسائل الجبر.. بيد ممدودة بالسلام.. وعين حمراء.