«يذوب كالرصاص ويستحيل إلى ماء كلما جلس يتعبد ويروى عنه أنه خرج ذات مرة مع تلاميذه لنهر الفرات ونادى قائلا: يا خلق ائتونى طائعين، واحضروا إلى مشويين، فما أكمل حتى تراكمت عليه الأسماك ونطقت قائلة: السلام عليكم يا خلاصة خلقه، كل من لحمنا لنسعد بك يوم القيامة. هذه بعض الروايات التى يرويها المريدون عن الشيخ أحمد الرفاعى أحد أقطاب الصوفية.
شهرة الرفاعى تسخير الأفاعى والثعابين وأنه رفض قتل الحشرات, لذلك اشتهر أتباع الرفاعى بتسخير الثعابين, وقهر الحيوانات المفترسة, وكلها قصص نسبت للرفاعى بعد وفاته. عاش الشيخ أحمد الرفاعى ومات فى العراق، إلا أن طريقته نشأت وانتعشت فى مصر، نسب له بعض مريديه رواية تقبيله يد سيدنا محمد «ص» رغم وفاة النبى قبل ميلاد الرفاعى بعشرات السنين ويحكى أن الرفاعى عندما دخل المدينة نزل عن جمله ومشى حافيا إلى أن وصل الحرم الشريف فوقف تجاه الحجرة النبوية وقال: السلام عليك يا جدى، ويروى أتباعه أنه قد سمع الرد كل من فى الحرم: وعليك السلام يا ولدى. فارتعد واصفر لونه وجثا على ركبتيه، ثم قام وبكى وهى الرواية التى ينكرها العلماء. ويروى عن الرفاعى أنه كان يذوب كالرصاص ويستحيل إلى ماء كلما جلس يتعبد لله ت عالى، ويقال إنه خرج مع أحد مرافقيه ليلا ووصلا إلى بستان، فقال له الرفاعى: قف هنا حتى أرجع، ومضى من الليل شطره، ولم يرجع، فمشى على أثره، فإذا بثيابه ملقاة على الأرض وعلى جانبه ماء، فرجع إلى موضعه مرعوبًا، إذ أقبل عليه وأنواره تشرق، وقال: يا ولدى أنا كنت ذلك الماء الذى رأيته، ولولا أن نظرنى بعين اللطف لما رجعت إليكم أبدًا». ويحكى عن «الرفاعى» امتناعه عن الطعام والشراب لأيام وأسابيع وشهور، بل سنوات، ويقال إنه خرج إلى الحج ثم إلى المدينة، ومنذ خروجه من العراق إلى أن عاد لم يأكل طعامًا قط، ولم يتناول جرعة ماء. ومما ينسب له أنه خرج مرة مع تلاميذه إلى شاطئ الفرات، وتراكمت عليه الأسماك، فأخذ منها وهى مشوية ووضعها بين تلاميذه وأتى لهم بخبز طرى ساخن رائحته تفوق المسك فأكلوا. ومما يحكى عن الرفاعى فى تراث بعض مريديه أنه خرج مرة مع جماعته فجاعوا، فرأى سربًا طائرًا من البط فأمرهم بالنزول حالاً، فنزلت إحداهن بين يديه جاهزة فأكلها، ثم عادت وزة سوية وطارت فى الجو. وضمن ما يرويه مريدوه أن «الرفاعى» رأى أسدا يفترس شابا و«خلع» كتفه من يده، فزجر الشيخ الأسد زجرًا شديدًا، وقال له: يا خلق الله أما نهيتكم عن أذية الخلق، فنطق الأسد قائلا: يا سيد السادات وصاحب الجود والكرامات: لى سبعة أيام ما أكلت شيئًا، وهذا الشاب أرسله الله لى رزقًا، فالتفت إليه بنظر الغضب والجلال، فوقع الأسد ميتًا فى الحال، فأخذ ذراع الشاب ووضعها فى مكانها ومسح عليه بيده فعاد كما كان! مولده ونشأته هو أبوالعباس أحمد بن على بن رفاعة ثبتت نسبته من جهة أمه إلى الحسين بن السيدة فاطمة الزهراء ويتصل نسبه بأمير المؤمنين أبى بكر الصديق رضى الله عنه. جاء أبوه من المغرب، وسكن بقرية أم عبيدة بالعراق، وتزوج بأخت منصور الزاهد، ورزق منها الشيخ أحمد وإخوته، وقيل: كان شافعيًا يعرف الفقه. ولد سنة 512 للهجرة وتوفى أبوه والرفاعى فى السابعة من عمره، فكفله خاله منصور البطائحى وأحسن تربيته، حتى صار عالمًا وفقيهًا. أجازه الشيخ أبوالفضل على محدثا وهو فى العشرين من عمره بكل علوم الشريعة والطريقة وأعظم شأنه ولقبه ب«أبوالعلمين» لما أفاض الله عليه من علوم كثيرة، وفى الثامنة والعشرين من عمره عهد إليه خاله منصور بمشيخة المشايخ والأروقة المنسوبة إليه. كان الرفاعى زاهدًا متواضعًا يخدم نفسه، ويجمع الحطب، ويحمله إلى بيوت الأرامل والمساكين وأصحاب الحاجات، ويروى أنه كان يقدم للعميان نعالهم، ويقودهم إلى حيث يريدون، ويعود المرضى، ولو سمع بمريض ولو على بعد يمضى إليه ويعوده، شفيقًا على خلق الله يرأف باليتيم، يبكى لحال الفقراء ويفرح لفرحهم، وكان يجتمع فى زاويته نحو مائة ألف نفس ويكفيهم بالطعام والشراب. مرض وعمره 66 عامًا، وظل مريضًا أكثر من شهر، ورغم خطورة مرضه تحمل الآلام الشديدة مستمرًا وثابتًا على الطاعات والعبادات إلى أن توفاه الله فى عام 578.