أول تقرير دولى من نوعه يركب التريند، ويستقى معلوماته من فيس بوك، ويعتبر حسابات السوشيال ميديا مصادر معتبرة فى قضايا حقوق الإنسان ! غريب تقرير حقوق الإنسان الغربى .. وغير مفهوم .. وغير موضوعى .. ويصل مضمونه إلى حد الطرافة، فى سابقة خلطت بين حالة حقوق الإنسان فى مصر على الأرض وفى الواقع، وبين بعض ما يُروّج على جوجل وعلى تويتر. منذ متى تتعمد التقارير من ذلك النوع كسر الخطوط الفاصلة بين الواقع وبين السوشيال ميديا ؟ معلوم .. القصة غريبة، خصوصًا وأن اعتماد السوشيال ميديا مصادر معتبرة، يعنى بالضرورة التماشى مع ما فيها من افتراءات، ما بها من أغراض، وكثير من الهوى .. وكثير من التخرصات ؟ منذ متى تخوض التقارير الدولية فى تخرصات لتبروز بوستات فيس بوك فى أوراق رسمية، وتُوقِّعها بالإمضاءات، وتدخل بحكايات خيالية مقار المنظمات الدولية ؟
أولى مفارقات تقرير مفترض عن الحقوق، تعمده محاولة سلب إرادة وحقوق دولة ذات سيادة فى خوض معركة ضد إرهاب كاد أن يصل بها إلى الطريق إلى ستين داهية، لولا مؤسسات صلبة، انتزعت الوطن من الهاوية، لتضعه على خطوط الاستقرار والتنمية .. وحقوق فعلية للمواطن. كما لو أن حقوق الإنسان مرادفة فقط لبعض منظمات خارجة على القانون. كما لو أن حقوق الإنسان تستوجب تحصين تلقى التمويلات من الخارج، وتستوجب السماح بتعاون مع أجانب، وتداول معلومات غير حقيقية، ونشر شائعات، وتشويه واقع، وتجاهل ملحمة حقيقية للاستقرار والتنمية فى مصر. (1) هل تُحصِّن مفاهيم حقوق الإنسان، كيانات مارقة ونشطاء أشبه بالهجامين على مواسير العمارات، تورط بعضهم فى إشعال الحرائق فى الشارع المصرى باسم الديمقراطية، بينما شبك آخرون أياديهم بأيادى الإخوان فى مصر .. بحجة التغيير ؟ هل تُحصِّن مرادفات حقوق الإنسان جرائم بعض دكاكين العمل المدنى التى عملت على تذويب الانتماء، وبث الشائعات، وتزييف الواقع، معتمدة على أن كل الموبقات فى حق الأوطان محصنة بشعارات الحرية الغربية ؟ من قال أنّ ما يُسمى بالمبادرة المصرية هى وحدها المجتمع المدنى فى مصر ؟ خرجت المبادرة المصرية عن القانون، ومارست اللوع السياسى والتحايل على قوانين وقعت تحت طائلتها، بينما آلاف من منظمات مدنية مشروعة تعمل فى مصر فى ظل قوانين وإجراءات منظمة. لا، كيف اختزل تقرير دولي حالة حقوق الإنسان فى مصر فى كيان واحد وحيد، نازع سلطات للعمل بلا ترخيص، غير معترف بضوابط قانونية، فى دولة ذات سيادة ؟ اختزال حقوق الإنسان فى بعض وقائع ( وصلت إلى حد جرائم ) لا هو منصف، ولا موضوعي، ولا منطقي، ثم أنه لا يليق بتقرير وقّعت عليه دول تمنح قوانينها سلطة ممارسات كاملة على أراضيها، فلا تسمح حتى ولو لمنظمات الرفق بالحيوان تبعها بالعمل دون ضوابط صارمة، أو دون قواعد لا يمكن الخروج عليها !! تظل حقوق الإنسان مفهومًا شاملًا واسعًا، يبدأ من حق المواطن فى الحياة الكريمة ومياه نظيفة، وفى سكن لائق آمن، ضمن حدود دولة آمنة مستقرة باقتصاد قوى. لذلك فالسؤال يطرح نفسه: كيف تجاهل التقرير الغربى طفرة تنمية فى مصر وضعت حق المواطن على رأس أولوياتها، فنقلته من العشوائيات لمساكن آمنة لائقة ؟ لماذا تجاهل مشاريع تنموية غير مسبوقة، بإجراءات وسياسات أولى من نوعها لتعظيم موارد الدولة، بمزيد من انعكاسات دعم المواطن الأولى بالرعاية، وبتغيرات جوهرية فى حياة الآخرين، بضمانات عديدة لمستقبل واعد لبلد كان قد اقترب فى 2013 من إعلان إفلاسه ؟ كيف لا تدخل استراتيجية تطوير حياة أكثر من 58 مليون مواطن ( أكثر من نصف سكان مصر ) ضمن مشروع تنمية الريف باعتباره قفزة جبارة على معيار حقوق الإنسان؟
رعونة أردوغان توقع بلاده فى أزمة سياسية واقتصادية
كيف لا يدخل مشروع التأمين الصحى الأول من نوعه باستراتيجية رعاية صحية متكاملة ل 100 مليون مواطن باعتباره طفرة عملاقة على مقياس حقوق الإنسان ؟ الألغاز كثيرة، ومتشابكة؛ إذ كيف تجاهل التقرير ما يحدُث على الأرض فى مصر من طفرات تنمية استهدفت حقوق المواطن أولًا، فيتضمن التقرير كلامًا على فيس بوك، أو عناوين تريند على تويتر ؟! (2) تطلب أنقرة السماح. لفّت أنقرة كثيرًا، ودارت، وعافرت، وقاومت وكابرت، ثم عادت أدراجها لبرة مغازلة طالبة صفح القاهرة. تغيَّرت النبرة التركية بحكم الواقع وبحكم الظروف، وبحكم نجاح استراتيجي دبلوماسى وقانونى وعسكرى أطبقت به مصر على نزعات انفلاتية صبيانية تركية وصلت إلى تخيلات بإمكانية العربدة فى المتوسط .. بلا رادع. عادت تركيا تطلب السماح، لكن فى الواقع، لا بُد أن تقترن نغمات الاستسلام التركى بتصرفات ذات مصداقية على الأرض. على النظام فى أنقرة المحاولة لمرة وحيدة التحلى بمصداقية، لكن للآن تظل الحقيقة الواحدة الوحيدة أن اللا مصداقية واحدة من أكثر سمات نظام أردوغان. على كلٍّ، لن تؤثر مصداقية أردوغان من عدمه كثيرًا فى معادلات سياسة مصرية رشيدة متوازنة، عملت على إعلاء المصالح الوطنية، وحفظ أمنها القومى وفق قواعد قانونية، بثوابت أساسها حُسْن الجوار، وعدم التدخُّل فى شئون الآخرين. الثوابت الأخلاقية للسياسات المصرية كانت واحدة من أهم منطلقات مصر استراتيجيًا لحفظ الأمن القومى أولًا، وثانيًا لحفظ الحق المصرى فى تحقيق المصالح المشروعة بناء على مرجعيات معتبرة. قال الرئيس السيسى إن مصر تتعامل بشرف فى زمن عزّ فيه الشرف. فمصر لم تعتد لكنها لم ولن تسمح باعتداء، ومصر لم تتآمر، لكنها لم ولن تسمح بمؤامرات. وفق سياسات رشيدة، واجهت مصر خيالات تركية مريضة، تصورت- فى حالة هلوسة سياسية- أن هناك إمكانية لنجاح محاولات سطو أنقرة على المتوسط. لم تنجح مصر فقط فى إجهاض خيالات تركيا؛ إنما وضعت القاهرة بحرفية وحنكة، استراتيجيات هادئة فى أُطر قانونية وشرعية دفعت أنقرة إلى ركن عزلة إقليمية ودولية، لم يعد أمام أردوغان إلا محاولة الخروج منها. يطلب أردوغان الآن السماح، بعدما قارب أكسجين حياة نظامه على النفاد. عاد أردوغان أدراجه، بعدما وجد نفسه فى مواجهة فوهة مدفع موجه للرأس، بلا داعم ولا نصير فى شرق المتوسط، وثرواث شرق المتوسط. وفى ليبيا، قضت الخطوط المصرية الحمراء على طموحات تركية لم يكن لها فى الواقع ما يبررها، وعكس إعلان القاهرة دفة المعدلات دافعًا لحلول سلمية رسخت لها مصر ودعمتها، وفرضتها فى خطوة حاسمة منعت الأمور من الخروج عن السيطرة. فرضت مصر تحوُّلات استراتيجية غيّرت خريطة معادلات الإقليم، ضمانًا لمصالح مشروعة، وضمن محددات أمنها القومى، فكان بالضرورة أن ينعكس الوضع بنتائج كان من أهمها تضاؤل الطموح التركى وخياله فى نتائج مغايرة. لم يبق لأنقرة إلا أن تعافر فى «قضية سد النهضة»، بمساعدة قطرية، لكن تظل ثوابت مصر واضحة .. أنه لا تنازل عن الحقوق .. ولا تفريط، فى قضية لن تجد إلا حلولا ترضاها القاهرة. فى علوم الاستراتيجيات، أحكمت القاهرة طوقًا صلبًا على أنقرة راعية الإرهاب، وسوبر ماركت المرتزقة، بانعكاسات واضحة على تركيا، سياسيًا، واقتصاديًا. دخل الاقتصاد التركى أسوأ أزمة اقتصادية فى تاريخه، نتيجة الحصار الذى تعرضت له أنقرة فى المتوسط، بانهيار غير مسبوق فى سعر الليرة، و بأعلى نسبة تضخم، مع نسب متصاعدة من الركود الاقتصادى. لم يبق على أجهزة قياس النبض إلا فترة قصيرة كى يظل نظام أردوغان على قيد الحياة. تطبق مصر على مصادر أكسجين تركيا بيد من حديد. فإذا كانت الأخيرة قد طلبت صفحًا، فإن طلبها هذا يحتم اقترانه بمصادقة. تُرى هل يستطيع النظام فى أنقرة ممارسة المصداقية .. فى سابقة أولى من نوعها ؟