منذ أيام ليست بالقليلة وتحديدًا فى بدايات شهر مارس الماضى، اختارت مجلة التايم الأمريكية د.نوال السعداوى، ضمن مائة شخصية نسائية أكثر تأثيرًا فى العالم خلال 100 عام، فجاورت أسماء كمارجريت تاتشر، الملكة إليزابيث، والأميرة ديانا، وربما لانشغال العالم بتداعيات فيروس كورونا المستجد لم يسترع الخبر اهتمام الكثيرين، إضافة لأن د.نوال من القلائل اللاتى تتمتعن بأكثر الآراء الحادة تجاهها. ذكرنى هذا الخبر المهم بكواليس تحضيرى لحلقة خاصة عنها فى برنامج الرواد، شرفت بتقديمه على شاشة قناة النيل الثقافية بالتليفزيون المصرى، فقد كانت واحدة من أهم وأصعب الحلقات، يرجع ذلك لأسباب عدة، أبرزها ميراثى الفكرى المحدود تجاهها، وأعترف أننى لم أكن قد قرأت لها كتبا كثيرة فى السابق، وإنما كونت رأيى عنها من خلال الكثير من المشاهدات التليفزيونية، التى وجدت أنها أفرزت القليل من الحقيقة بالنسبة لى.. وقتها سيطر على عقلى أكثر من محور، أولها أننى فى الجنة وهى فى النار، فهى تخاطب المولى عز وجل وتسأله الكثير من الأسئلة الوجودية التى أنكرها عليها، وينكرها عليها المجتمع، ووجدت نفسى أمام تحد كبير،هل أحرجها كى أبدو مؤمنة وأستحوذ على إعجاب السواد الأعظم من المجتمع؟هل أسفه من أفكارها وهى صاحبة رحلة طويلة من الجد والتعب والتفكير؟ هل أتعالى عليها بهندامى وشعرى ومكياجى وشبابى وهى التى لا تهتم سوى بالجوهر والفكر طوال حياتها؟، إلا أننى وجدت نفسى أطرح كل تلك الأفكار جانبا بمجرد دخولى إلى بيتها الكائن فى أبراج أغاخان المطلة على نيل القاهرة، وتركت العنان لعقلى كى أناقش فكرة بفكرة وأسأل، وأغوص فى عقل المفكرة والمناضلة والسابحة ضد التيار د. نوال السعداوى. •بداية البنت التى أصبحت نوال السعداوى وغزت العالم بأفكارها.. كيف كانت نشأتها ؟ - كانت نشأة طبيعية فى أسرة فلاحة فقيرة، عملت جدتى لوالدى بعد وفاة زوجها، وربت ابنها الوحيد الذى كان شقيقا لست أخوات، فأرسلته ليتعلم بكلية المعلمين بالأزهر، وكان متفوقا فى دراسته، وعلم لنفسه الفرنسية، وأصبح مثقفا كبيرا، ثم تزوج أمى زينب هانم شكرى ابنة الطبقة الأستقراطية فى القاهرة، فنشأت بين طبقتين طبقة الريف الفقير والطبقة البرجوازية، لكنى كنت أنتمى أكثر لعائلة أبى لأنهم الأكثر طبيعية من وجهة نظرى، الحقيقة جدتى لوالدى كانت هى الأكثر تأثيرا فى شخصيتى، إضافة لأبى وأمى.. ثلاث شخصيات صنعت نوال السعداوى منذ كنت طفلة . أعطتنى جدتى أول درس فى الدين الصحيح الفطرى، كانت تقود الفلاحين ضد العمدة والإنجليز، أتذكر أنها ذهبت للعمدة الذى كان دائما ما يمسك المصحف بين يديه، وقالت له أنت لا تعرف الله، فقال لها أنت أمية وجاهلة ولم تقرئى القرآن، ففاجأته بتساؤلها (مين قالك إن ربنا هو القرآن)، ربنا هو العدل اللى عرفوه بالعقل.. ومن هنا تعلمت أول درس فى فلسفة فى الدين، إضافة للجرأة والشجاعة والإحساس بقيمة تراب الوطن . والدى كان يحب كتابة الشعر، ويملك مكتبة كبيرة فتحت عليها عينى منذ طفولتى، لكنه أصيب فى ثورة 1919 وأقيل من عمله، وتم نفيه. أما أمى فكانت فى مدارس فرنساوى، وكان مثلها الأعلى مارى كورى أول امرأة تحصل على جائزة نوبل، والوحيدة التى حصلت عليها مرتين، والدها كان مستبدا عندما قرر زواجها وهى فى الخامسة عشرة من عمرها، فأجهضت أحلامها مبكرا، وكانت رسالتها لى طوال مراحل تربيتى هى ألا أتزوج وأترك مستقبلى، وكان والدى دائما ما يحترم قرارها وتفكيرها، ذات مرة رفع صوته عليها قالتله (هشتغل غسالة فى البيوت ولا إنك تزعقلى) فتعلمت الكرامة من أمى . •كيف تمكنت البنت التى تزوجت إجباريا فى سن الخامسة عشرة، من صنع شخصية ابنتها نوال السعداوى؟ - أعطتنى والدتى بذرة التمرد والإبداع، فقد كانت تكتب قصصا وتحتفظ بها لنفسها، وبما أنى ولدت فى الثلاثينيات، ضمن مجتمعان يقوم بتزويج الفتاة وهى ذات العشر أو خمسة عشر عاما، فكان يتقدم كثيرون لخطبتى، إلا أن رغباتهم كانت دائما ما تصطدم برغبة أمى الصارمة، وهى حمايتى وعدم زواجي فى هذا السن. •نشأتك بين أب درعمى وأم تنتمى لطبقة أرستقراطية، هى التى حفزتك كى تكتبين أولى قصصك وأنت فى سن الثالثة عشرة..؟ - بالفعل.. عندما كنت فى المرحلة الثانوية طلب منا مدرس اللغة العربية كتابة قصة خيالية، وقتها أمسكت بمفكرة سرية كنت دائما ما أضعها تحت وسادتى كى لا يقرأها أحد، واستعرت منها قصة اسمها (مذكرات طفلة اسمها سعاد) وقمت بتغيير اسمى، لكن للأسف حصلت على صفر، وكتب لى المدرس (هذه الطفلة غريبة الأفكار وتحتاج لتقوية فى الدين)، وعلى الفور أخفيت القصة وتوقفت عن الكتابة تماما . مضمون القصة كان من وحى حياتى نفسها.. فقد كان لى أخ يكبرنى، وكنت أنا متفوقة عنه وأتمرد دائما لتدليله وتفضيله، وأتساءل عن السبب، فيجيبونى بملل (هو ولد وربنا قال كده)، فتولدت لدى فكرة القصة، لا بد لى أن أكتب جواب إلى الله، فلقد خلقتنى بنت وهو ولد، وخلقتنى متفوقة وهو الأخير، فلم التفرقة والتفضيل عليا؟.. ومن هنا بدأ الإبداع يتولد لدى. بعد مرور أيام، عثرت والدتى على القصة، وأعجبتها جدا وأخبرتنى أننى سأكون كاتبة مهمة.. هذه هى أجواء نشأتى وطفولتى . عندما عشت المنفى أيام الرئيس الأسبق مبارك والسادات، اختارونى أستاذة فى جامعات أوروبا، وسألونى عما أرغب فى تدريسه، فاخترت مادة اسمها الإبداع والتمرد، والعلاقة بينهما، وكان طلابى ممن أنهوا تعليمهم الجامعى لكنهم يرغبون فى تنمية الإبداع، ورقة عن علاقتك بالله فى الطفولة. أمبر لحظة فى حياتك شعرت بالعار؟ كنت أتعلم من أوراقهم، عشت سنوات فى المنفى أتعلم. •بعد أن أصبحت طبيبة وأديبة معروفة فى الوسط الثقافى، ولديك وضع اجتماعى راقٍ.. كيف كان تفكيرك فى ملامحك الجمالية أو فارس أحلامك مثلا باعتباره أهم ما كان يشغل الفتيات فى مرحلة العشرينيات من العمر؟ - كان ذلك فى خمسينيات القرن الماضى، وكنت أرى زميلاتى بالكلية يلبسون فساتين راقية ويضعون ماكياجا، أما أنا فأرتدى قميصا ولا أضع ماكياج وأترك شعرى حرا. •ما السبب؟ هل الفكر والعقل كانا أهم من المساحيق، أم أن لديك قضية تشغل فكرك.. ما الذى كان يشغل بال نوال السعداوى فى هذه المرحلة العمرية ؟ - كانت أمى شخصية جادة وجميلة فى الوقت نفسه، تميل لوضع الماكياج، وترتدى برنيطة وفستانا بحمالات أو مايوه للنزول للبحر، كانت غيرى تماما.. دائما ماكنت أميل لجدتى لوالدى التى كانت مناضلة لا تهتم بكل هذه التفاصيل . أتذكر عندما وجدت نفسى جميلة ومحبوبة فى المرحلة الجامعية، كنت أطيل النظر لنفسى فى المرآة كى أرى جمالى، إلا أن أمى دائما ما كانت تقول لى اهتمى أكثر بعقلك، وناقشى كل ما ترينه غير منطقى، وكانوا أكثر حرصا أيضا على أن ألعب رياضة حتى الآن، أحرص دائما على المشى والسباحة. •لكنى مازلت أرى أن اهتمام المرأة بنفسها هو أمر فطرى، مهما وصلت لأعلى المناصب القيادية؟ - الفتاة فى مجتمعاتنا الشرقية تهتم بمظهرها الجمالى فقط، لكن قليلا منهن يواظبن على ممارسة الرياضة مثلا، لذا كنت أشد حرصا على أن تمارس ابنتى الرياضة بانتظام، وأنا أرى نفسى لست مضطرة لوضع ماكياج أو تلوين شعرى. •هل ثقتك بنفسك كانت نابعة من شعورك بأن عقلك مختلف وبه أفكار متميزة ؟ - بالطبع، فبالرغم من مشاهداتى اليومية لزميلاتى فى الجامعة أو بأمريكا وهن يتزين، إلا أنى كنت أرى نفسى الأجمل بينهن. •ماهو مفهوم الجمال بالنسبة لك؟ - لا يمكن أن يكون الجمال هو الشكل، فمثلا أنا أرى أنك شخصية جميلة لأنك عرفتى كيف تجرين حوارا معى، بينما مذيعات أخريات يهتمين بزينتهن لكنها لا تمتلك القدرة على عمل حوار، فأراها قبيحة مهما كانت جميلة الشكل، لذا فالجمال هو جمال الشخصية، التى تنعكس فى نظرة العين والقوام والذكاء وأسلوب المرح، والثقة بالنفس، فى مصر دائما ما يرون أننى لست جميلة،لأن مفهوم الجمال أو الأنوثة أو الذكورة غير واضح بشكل صريح، وأعترف لك أننى لم أقابل حتى الآن الرجل الذى يعجبنى سواء فى مصر أو أمريكا،لأن مفهوم الرجل مشوه، ربما قابلت رجلا واحدا فى السويد رأيته جميلا لاختلاف شخصيته. • صدرت مذكرات طبيبة وأنت مازلت فى العشرينيات من عمرك.. ما الذى كنت ترغبين فى توصيله من خلالها ؟ - بالفعل كتبتها عندما كان عمرى ثلاثة وعشرين عاما، كنت أرغب فى دخول كلية الآداب، إلا أن تفوقى فى مرحلة الثانوية العامة جعل والديّ يصران على الحاقى بكلية الطب، فرغبت فى تحقيق حلمهما، وللأسف حدثت لى صدمة، فالتعليم الجامعى بما فيه الطبى سيئ جدا، فتخرجنا جهلة لا نستطيع حتى إعطاء حقنة لأى مريض، لذا تحولت من جراحة الصدر إلى الطب العلاجى . الكتابة كالجراحة تماما، تقوم بفتح الدمامل الموجودة فى جسد المجتمع، وكنت أمسك المشرط كالقلم مما جلب لى مشاكل كثيرة، وأنا لا أؤمن بالمسكنات، ومن هنا شعرت أنى لن أكون طبيبة كما ينبغى فقررت أن أستمر ككاتبة تشرح المجتمع، وبالفعل وجدت أن غالبية الأمراض بسبب الجهل، فتخصصت فى الطب الوقائى والثقافة الصحية، وأصبحت مديرة الثقافة الصحية فى وزارة الصحة، وأنشأت مجلة الصحة التى بدأت من خلالها فى محاربة ظاهرة الختان . •هل كانت تلك المذكرات كفيلة برصد حالة المجتمع فى تلك الفترة ؟ - بالطبع، فقد حذف الرقيب ما يقرب من نصف تلك المذكرات وقت صدورها فى فترة جمال عبدالناصر، كانت جرئية جدا بالنسبة للطب ورجال الدين، وحوربت كثيرا . •هل هناك علاقة بين وجود الرقيب وجهل أى مجتمع عربى أو عالمى؟ - عشت فى أمريكا ما يقرب من اثنى عشر عاما، ودائما نحن فى مصر لدينا تصور أن المرأة فى العالم المتقدم تتمتع بقدر من التحرر، إلا أننى وجدت أن الانتقادات لا يمكن أن تكون حرة، وفكرة الديمقراطية نفسها هى أكذوبة كبيرة فالرقيب موجود فى العالم كله ولكن بأشكال مختلفة، فالتكنولوجيا المتطورة كلها قائمة على الرقابة والتجسس، بدءا من تجسس دولة كأمريكا على فرنسا مثلا، وصولا لمراقبة البشر أنفسهم فى كل مجتمع.. نحن لا نعيش فى العالم الثالث، بل هو عالم واحد، يحكمه نظام سياسى رأسمالى طبقى أبوى دينى واحد قائم على تدمير العقل. رؤساء مختلفين لعدة جامعات فى أمريكا قاموا بإقالتى مرارا بعد ما يقرب من عامين، لشعورهم بقدر من الاختلاف والتمرد فى فكر الطلبة، فأدركت وقتها أن التعليم فى أمريكا يجمد العقل، أما فى مصر فقط تم رفض أن أقوم بتدريس مادة الإبداع والتمرد بشكل مجانى . لذا فلا بد من مراقبة التعليم والإعلام والفن والأدب، لأن العقل لو تمرد على النظام الحاكم الطبقى الرأسمالى – الذى يضم 1 % فقط من رجال الأعمال، بينما يعيش الباقى تحت خط الفقر - ، سيثور العقل حتما، وتبعا لذلك أصبح من الضرورى إقالة أو قتل أى كاتب يساعد على ثورة العقل، فكانت أحاديثى التليفزيونية على شبكة CNN يتم تقطيعها أو عدم إذاعتها من الأساس، إذن الرقابة موجودة ف العالم كله. •الحركة الأدبية والسينمائية فى الستينيات كانت قوية، أما فى الثمانينيات فالانفتاح الاقتصادى أدى لتدهور حال وشكل المجتمع وبدأ يظهر أنصاف المثقفين، ودخلت نوال السعداوى المعتقل فى تلك الفترة.. ما الذى تحمله ذاكرتك عن تلك الفترة، خاصة أنك رصدتها فى أكثر من عمل؟ - هناك فارق كبير بين الشهرة والإبداع، فالمبدعين الحقيقيين لا يحظون بشهرة، كتبت مقالة بعنوان (نجيب محفوظ والعلاقات الحميمة بين النساء والرجال) كان محفوظ زميلا لى فى لجنة القصة التى كان يرأسها توفيق الحكيم، وكان بالفعل كاتبا عظيما لكن ليس لدرجة التاليه،لا توجد هناك عبادة للفرد،على مدى خمسين عاما لم تتغير أسماء الكتاب، وبذلك يتم حجب المئات من أسماء الكتاب ذكورا وإناثا، أما أنا فلم أكن أبدا ضمن كبار الكتاب فى مصر، بالرغم من حصولى على عدة جوائز عالمية ، كتبت 56 كتابا لكنى لم أكتب ما برأسى حتى اللحظة، ربما أصبت بالإحباط لرفض أعمالى من قبل دور النشر . يروج بعض اليساريين أن فترة الخمسينيات والستينيات كان بها زخم ثقافى كبير، وهو أمرعار تماما من الصحة، فلم تسلم أعمالى من مقص الرقيب الذى حذف ما يقرب من ثلث أى عمل يصل إليه . لم أعتقل فى فترة عبدالناصر لأنى لم أكن عضوا بأى حزب سياسى، بينما اعتقلت أيام السادات لأسباب شخصية، فقد حضر معنا أحد اجتماعات مجلس نقابة الأطباء، وكنت وقتها سكرتير عام النقابة، فتحدثت معه بصراحة وهاجمته ونقدته شخصيا، فتم اعتقالى على الفور لمدة ثلاث شهور حتى قتل، كانت فترة عصيبة، فقد أصابه لمحة من الجنون عندما هاجمه المصريون فى الخارج لمعارضة سياساته، واعتقل ما يقرب من 1500 شخص، وامتلأ المجتمع بالتناقضات، وسيطر على الإعلام التيارات الدينية المتشددة، أتذكر أنى كنت أرى عبر شاشة التليفزيون راقصة عارية يليها شيخ يدعو إلى حجاب المرأة.. كيف يمكن استيعاب مثل هذه الأمور؟ فكتبت مقالة بعنوان (الانفتاح الاقتصادى يواكبه الانغلاق الفكرى) وكيف دمرت الأسلمة والأمركة مصر، لذا دخلت السجن . •لكن المجتمع المصرى لاتزال مفاهيمه مليئة بالتناقضات؟ - التناقض فى الشخصية المصرية ليس جينيا، لكنها نظم سياسية، فالتناقض موجود فى العالم كله وهذا يتضح فى كتب التاريخ البشرى وارتباطها بالتاريخ البيولوجى لتطور العقل والإنسان، ما سبب التناقض؟ لا بد من دراسة وقراءة الأساطير، لقد قرأت القرآن والإنجيل والتوراة، وسافرت الهند لدراسة الهندوكية، وقرأت عن قدماء المصريين وعن إيزيس وماعت.. لقد اختفوا الآن، وتغير المجتمع السياسى والاقتصادى وجاء الإله الذكر بالنظام الطبقى الأبوى،وكان أول كتاب يؤصل ويسجل لفكر وفلسفة هذا النظام هو التوراة ثم الإنجيل يليه القرآن، وهناك تشابه كبير بين الثلاثة كتب . أول كتاب مكتوب فى التاريخ هو التوراة ونرى فيه جذورا للتناقض: كانت إيزيس هى الهة الحكمة والعدل فى مصر، وأثينا آلهة الحكمة فى اليونان، وفجأة تصبح حواء هى الآثمة حليفة الشيطان لأنها أكلت من شجرة المعرفة، هنا حدث خلل فى الفكر البشرى، فبعد أن كانت آلهة الحكمة والعدل والحق أصبحت هى نفسها حليفة الشيطان والخطيئة لأنها أكلت من ثمرة المعرفة، وكأن المعرفة خطيئة، من هنا كان التناقض الذى بدأ يتطور تدريجيا، مثلا أنا مميزاتى كامرأة مفكرة، هى نفسها عيوبى كامرأة أنثى، فكان الرجال يعجبون بى وليس بعقلى.. هذا هو التناقض، وعن المرأة قال توفيق الحكيم المرأة الذكية قبيحة.. أيضا هو التناقض الذى جعل المرأة تخفى عقلها وذكاءها لتصبح جميلة وأنثى، فالذكاء قبح. أحد أزواجى أخبرنى أن عقلى خطير ويقف حائلا بيننا.. تخيلى كان يريد امرأة بلا عقل!.. هذا هو التناقض فى العالم، وليست مجرد جينات مصرية. •بداية الصدام مع السلطة.. هل كان بسبب كتاباتك فى الأمور الدينية فى مجتمعاتنا العربية، أم بسبب كتاباتك فى الجنس، فكلاهما أمران شائكان؟ - لكل هذه الأسباب مجتمعة، فثالوث الدين والجنس والسياسة شيء واحد، ويخطئ من يظن أنه يمكن فصل الدين عن السياسة، فلا توجد دولة فى العالم لا تقوم على الدين، لأنهم يحتاجون الآلهة. عندما أؤمن بالعدل والحق فهذا هو مضمون الدين، فالدين الصحيح هو السياسة الصحيحة من طعام وحرية والجنس الصحيح من حب ومودة وإنسانية، وكلها أمور مرتبطة تاريخيا مع بعضها، لذا اصطدمت مع المجتمع منذ الطفولة التى تربيت فيها على العدل، وكان أول صدام مع أبى وأمى والمدرسة، التى ثرت فيها كثيرا لاحتفاء الجميع ببنت المأمور . •تمتلكين طاقة من الحيوية هى سر بقائك حتى الآن، فى ظل مجتمع يبحث عن أخطائه ومشاكله كى يخفيها . - لا أخفيك سرا،هذا بسبب الاستغناء، كتبت مقالة مؤخرا بعنوان (الاستغناء والانعتاق من العبودية)، فقد تحررت من عبودية الحاجة للزوج أوالحكومة أو أى شيء آخر،أنا أعيش بقلمى فى شقة بسيطة ولا أريد أى شيئا آخر ولا أملك حتى سيارة، مما منحنى قوة رهيبة، كنت فى السجن أغسل ملابسى بنفسى وأنا سعيدة . لم يكن خروجى من بيت المفكرة نوال السعداوى كما كان دخولى إليه، فقد تركت لى الكثير من التساؤلات: لما نخجل من التفكير؟ لما نتكاسل عن التدبر والعمل والسعى؟ ولما نتعامل مع الحياة وما يدور فيها بالمسلمات؟ لما لا نهتم بالجوهر ونعلى من شأن العقل والمنطق، ونربى أولادنا على الإبداع والنقد ورحابة الحياة وتقبل الآخر؟ فهناك رب واحد عادل وكل ما على ظهر الأرض يخطئ ويصيب، يُعلم ويتعلم .قد تتفق أو تختلف مع آرائها، إن كانت تحمل توجها أو أيدلوجية ما أم لا، إلا أنك فى النهاية لا بد أن تدرك أنك فى حضرة قامة كبيرة متصالحة مع نفسها، حاولت جاهدة أن تحرك الماء الراقد فى مجتمعات آن الأوان أن تبدع وتفكر.