من دون مبالاة بالمحاذير التي كانت تحيط بكتابة المرأة استطاعت الكاتبة نوال السعداوي أن تطرق أبوابا غير مألوفة في الكتابة، هي التي جاءت من الطب إلى عالم الفكر والأدب مشت بخطوات جريئة في أدغال اللامُباح والمحظور، لتواجه ثالوث المحرمات العربي الشهير: الدين والجنس والسياسة، وكان لخطواتها تلك أن فتحت الدرب أمام نساء كثيرات ليُعبرن بجرأة عن أفكارهن وطموحاتهن وأحاسيسهن، حيث لا يمكن إغفال الأثر الإيجابي والمتمرد الذي تركته كتابة السعداوي على أجيال كاملة من النساء اللواتي تأثرن بها وبقوة روحها المتوثبة، وفي الوقت عينه واجهت هذه الكاتبة بالقدر نفسه الذي اعتبرت كتابتها منارة للحرية، فقد رفضت أيضا من قبل الكثير من الرجال والنساء أيضا، معتبرين أنها تقوم بالهدم وتحطيم التابوهات بشكل يخل بالثوابت. تمضي السعداوي في كتابها "عن الثورة والإبداع والمرأة" على ذات النهج في سائر كتبها، وتتخذ من خلال فن لمقالة وسيلة لتقدم فيها آرائها عن الحياة، وعن وقائع ثورة يناير2011 التي شاركت فيها رغم تجاوزها عامها السبعين بسنوات. قدمت الكتاب د. عايدة الجوهري التي ذكرت الأثر الذي تركته نوال السعداوي، قائلة : في الستينات من القرن الماضي، جاءت نوال السعداوي بلغة جديدة، وكلام جديد، وموضوعات جديدة شائكة، تدمي أصابع من يكتب فيها، خاضت في دلالات عادة الختان وفظاعتها، في أصل البغاء وفصله، في مفهوم العذرية، وإشكالياته، في مظلومية الأطفال اللقطاء، في تداعيات مؤسسة الحجاب، في مسألة تنظيم النسل، في مفهوم الزواج التقليدي، في قضية تعدد الزوجات، في قوانين الأحوال الشخصية عموماً، في حيثيات خط النسب الأبوي، وإنكار خط النسب الأمومي، في مفاهيم الأنوثة والذكورة، وتعقيداتها، في مقولات الرجولة الحقة وعلاقتها بمفهوم الشرف، في صحة المرأة العربية، البدنية والعقلية والنفسية، وغيرها من الموضوعات الجوهرية التي عالجتها في نصوصها البحثية والأدبية.هذا التنوع في الوحدة، وهذه الغزارة الفكرية والإنتاجية، حولا نوال السعداوی إلى مرجعية متعددة الأبعاد. إلى مؤسسة ثقافية، وفي حفرياتها المعرفية اعتمدت مصادر ومناهج متنوعة ، استثمرت في علوم الطب والتنفس والاجتماع والإنثربولوجية وعرجت في مسارها على الفلسفة، ولتجسيد مشروعها الفكري الإبداعي، زاوجت بين الدراسات العلمية والأنواع الأدبية المختلفة، كتبت القصة القصيرة والرواية، والمسرحية، والمذكرات، وأدب الرحلات، والمقالة، حتى ناهزت كتبها الخمسين." وفي الكتاب الذي بين أيدينا، يجد الكاتب روح المرأة الثائرة التي حضرت في كل كتبها السابقة، روح تذكر تفاصيل دقيقة من الماضي والحاضر، وتحكي عن الإنسان ككل ولا تكتفي بتناول قضية المرأة فقط، فهي لا تفصل ما تتعرض له المرأة من ظلم عما يحدث في المجتمع ككل، وعما يدور من أحداث سياسية واجتماعية. من هنا ناصرت السعداوي الفقراء والمهمشين والمضطهدين، فتحولت إلى "ثورية دائمة" سبقت ثورة 25 يناير بعقود، بل بنصف قرن. تطرح الكاتبة في أكثر من مقالة التساؤلات المستمرة عن الديمقراطية، والتنمية، والعدالة الاجتماعية، والاستبداد السياسي وعن التناقضات السافرة في المجتمع، هذه التناقضات المؤذية بل والمدمرة للإنسان ككل. لذا لم يكن من المستغرب أن تحظى كتابات نوال السعداوي باقبال النساء العربيات في كل الأقطار العربية، وليس في مصر فقط، حيث الهموم المشتركة والقوانين تجاه حقوق المرأة متشابهة جدا. الجدير بالذكر أن الكتاب الصادر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب يقع في 263 صفحة من القطع المتوسط، ومن عناوين المقالات : وزارة النساء، ومجرد التقدم في العمر، الثورة تبدأ في العقل، وطريق شاق وطويل، مشكلة ذكاء المرأة، والصوت في الوجدان، الدولة الحرة، المرأة الحرة، بناء عقل مصري في دستور جديد، ومصر المستقلة تولد من جديد، وغيرها من المقالات.