جاءت ثورة يوليو تحمل معها قيم المساواة خاصة ما يتعلق بالمرأة المصرية، فهى الثورة التى غنينا معها «يا بنت بلدى زعيمنا قال قومى وجاهدى ويا الرجال»، وترجمت هذا الانحياز للمرأة فى دستور 56 الذى منح المرأة حقوقها السياسية الكاملة. ودخلت المرأة البرلمان لأول مرة بانتخابات 57، وكانت راوية عطية من محافظة الجيزة وأمينة شكرى من الإسكندرية، هما أول سيدتين اجتازتا الانتخابات ودخلتا مجلس الأمة. وإلى جانب أن راوية عطية، هى أول مصرية تكسب عضوية البرلمان عام 57، فهى أول إمرأة تعمل بالجيش المصرى بصفتها ضابطة، ودربت حوالى 4 آلاف من النساء على الإسعافات والتمريض لجرحى العدوان الثلاثى، ووصلت لرتبة نقيب ولقبت بأم المقاتلين. أما النائبة أمينة شكرى، التى خاضت انتخابات 57 ونجحت عن دائرة باب شرق، فاختارت العمل التطوعى وشاركت بالعديد من الجمعيات النسائية والخيرية، وشاركت باعتصام مارس 54، للمطالبة بحق الانتخاب. وترى النائبة السابقة للبرلمان والأمين الأسبق للمجلس القومى للمرأة، د. فرخندة حسن: «أن دستور 56 هو أول دستور سمح بالمساواة التامة للمرأة وممارسة الحقوق السياسية فى التصويت والترشح، أعطتنا الثورة الحق الدستورى الذى هو الأساس لكل بناء بعد ذلك، وكأنها فتحت الباب أمام السيدات وهذا وحده ليس قليلاً أبداً!!، كان جوهر الدور النسائى وقتها إجتماعيًا يطالب بحقوق سياسية،.ربما لم يكن سياسياً تماماً. النائبتان راوية عطية وأمينة شكرى كان لصوتهما صدى فى التجربة الأولى بالبرلمان، واستمر ذلك الصوت فيما بعد بالنائبات المؤثرات لاحقا، مثل ألفت كامل وفايزة كامل ونوال عامر وغيرهن، كما كان لدور النساء بالجمعيات النسائية دور كبير وفعال حتى من قبل السماح بممارسة حقوقها السياسية، أذكر جيدًا اعتصام نقابة الصحفيين الذى قامت به درية شفيق عام 54 للمطالبة بمشاركة المرأة فى الجمعية التأسيسية للدستور، قمت بزيارتهن أثناء ذلك الاعتصام بعد إنهاء محاضراتى بالجامعة، كنت معجبة بقوتهن، وقد نجحن بذلك الاعتصام وشاركت المرأة بحضور اجتماعات دستور أتى منصفًا لحقوقها السياسية فيما بعد. وتعود النائبة الوفدية مارجريت عازر: إلى مشاركة المرأة فى ثورة 19 «التى أتت دفاعًا عن الوطن بالأساس، ولم تكن قضية دفاعها عن ممارسة حقوقها ظهرت بعد، اجتماعيًا لم يكن للمرأة دور خارج أسرتها، وجاءت المشاركة الحقيقية للنساء فى العمل العام الاجتماعى والدستورى، بعد تأسيس الجمعيات النسائية، التى بدأت عام 42 وألقت الضوء على دور ها فى صناعة القرار، وطالبت بحقها فى ممارسة هذا الدور إلى دستور 56، وتم البناء على هذه الحقوق حتى وصلنا الآن إلى كوتة المرأة، فى الدستور الجديد بعد 30 يونيو، فخصص 25 ٪ من مقاعد البرلمان بالانتخاب وهذا تمكين سياسى قوى جدًا، وأكد الرئيس السيسى ذلك التمكين باختياره 28 ٪ من الوزارات بقيادة نسائية.. ولأول مرة نرى رئيسة جامعة ومحافظة ومستشارة للأمن القومى». قلب الثورة الرحيم بعد دستور 56، تمتعت المرأة بمزيد من الحقوق فى تقلد الوظائف العامة والعليا والاعتراف بها كقوة إنتاجية، توج هذا التطور بتعيين أول وزيرة عام 62 ، الدكتورة حكمت أبو زيد وزيرة الشئون الاجتماعية. نشأت حكمت فى قرية الشيخ داوود التابعة للوحدة المحلية «صنبو» مركز القوصية بمحافظة قنا، وأنهت تعليمها الجامعى وحصلت على الدكتوراه، وبرزت مكانتها حتى عينها جمال عبد الناصر وزيرة للشئون الاجتماعية، وبتعيينها فتحت المجال للمرأة العربية، وليس المصرية فحسب لتولى المناصب القيادية. جعلت من الوزارة بؤرة نشاط واهتمام حتى لقبت بوزارة المجتمع كله وأسره، ونقلت نشاطها لجميع القرى والنجوع، بإنشاء فروع لها. وأقامت مشروعات لاتزال قائمة حتى الآن، مثل الأسر المنتجة، الرائدات الريفيات اللواتى حصلن على تدريب وتأهيل، كوسطاء اتصال بين المرأة الريفية والدولة. حرصت حكمت أبو زيد على النهوض بالمرأة الريفية عمومًا وحصرت الجمعيات الأهلية عمومًا، وشجعت التوسع فى أنشطتها، وهى التى وضعت أول قانون لتنظيم عمل الجمعيات الأهلية. أشرفت على مشروع تهجير أهالى النوبة، وعلى إقامة منازلهم لتتواءم مع عاداتهم واحتياجاتهم، وهو المشروع الكامل الممتد بين كومبو وأسوان والمعروف بالبيت النوبى، ولاهتمامها الشديد بالجوانب الإنسانية والاجتماعية لأهالى النوبة المهجرين وبالمرأة والأطفال والبسطاء، أطلق عليها جمال عبد الناصر لقب «قلب الثورة الرحيم». خاضت المرأة معركتها مبكرًا جدًا بحماس وأمل كبيرين وهدوء وصبر شديدين لتتمكن بعد عقود طويلة من الفوز بتلك المعركة.. والآن لديها دستور وقوانين تكفل كل حقوقها.. عليها فقط معرفة تلك الحقوق جيدًا وممارستها والحفاظ عليها.. تحملًا لمسئوليتها أمام نضال الأوليات.. وأمام الوطن.