عندما يأتى يوم 8 مارس وهو يوم المرأة العالمى، نذكر من التاريخ ذلك اليوم، ولماذا أطلق عليه هذا الاسم.. فى أوائل القرن العشرين بدأت النساء فى معظم دول العالم الصناعية يخرجن إلى العمل وقد استغتلهن المصانع للعمل بأجور زهيدة، وبدون مراعاة لإنسانيتهن.. وكانت ثورة النساء فى العالم تتصدرها ثورة العاملات فى مصنع نسيج نيويورك فى يوم 8 مارس 1908 للمطالبة بتحسين أجورهن وأحوالهن الإنسانية وقد أغلق البوليس الأمريكى أبواب المصنع لقمعهن، واستشهدت الكثيرات وكانت فضيحة عالمية.. وبعد سنين قرر حكماء العالم من المهتمين بشئون الإنسانية جعل هذا اليوم احتفالا بالمرأة.. ربما ليذكر الأمريكان بتلك الفضيحة اللا أخلاقية.. والمؤكد احتفالا بالنساء والاهتمام بدورهن فى المجتمعات. ريشة الفنان ايهاب شاكر يوم المرأة العالمى بدأت دول العالم تحتفل به أى تحتفل بنسائها العاملات، وأيضا غير العاملات خارج بيوتهن واللائى يعملن فى أسرهن.. وربما للاعتذار لنساء العالم عن استغلالهن قديما والاحتفال بهن حديثا.. وقد كان للحربين العالميتين الأولى والثانية تأثير كبير على وضع النساء، خصوصا فى الدول الصناعية.. آلاف النساء خرجن للعمل فى المصانع بدلا من الرجال الذين ذهبوا للحرب ولم يعدن إلى بيوتهن بعد الحرب، بل طالبن بحقوقهن الاقتصادية والسياسية، وقوبلت طلباتهن بالفصل التعسفى من أعمالهن فى كثير من بلاد العالم، بالرغم من احتفال العالم بيومهن العالمى !! ومنذ عدة سنوات قررت نساء مصر احتفالا خاصا للمرأة لأول مظاهرة نسائية قامت فى 16 مارس أيضا عام 1919 كانت لاحتجاجهن على الأعمال الوحشية التى قوبل بها أبناء مصر من جنود الاحتلال الإنجليزى للمطالبة بحرية البلاد واستقلالها، وفرّق الجنود الإنجليز المظاهرة، وقد كتب أحد المؤرخين أن أبرز نتائج ثورة مصر عام 1919 اثنتان : الأولى توثق الرابطة القومية إذ رُفع شعار للهلال يحتضن الصليب.. والثانية نهضة المرأة وهما ركنان أساسيان للتطور الاجتماعى. المساواة فى العمل.. وفى الحياة كما فعلت نساء العالم خرجت النساء المصريات للعمل فى المصانع فى الثلاثينيات من القرن العشرين عندما بدأت مصر تهتم بالإنتاج الصناعى فى مجال تصنيع القطن، فلجأت إلى تشغيل النساء لأن أجورهن كانت أقل من الرجال حسب النظم الرأسمالية فى ذلك الوقت.. وظلت أجورهن أقل من الرجال حتى أثناء الحرب العالمية الثانية عندما حلّت العاملات مكان العمال فى المصانع، هؤلاء الذين ذهبوا مضطرين للعمل فى القواعد العسكرية الإنجليزية.. ظلت أجور النساء أقل من الرجال حتى جاءت ثورة يوليو 1952 بالفلسفة الاشتراكية والقوانين العمالية الجديدة، مثل اشتراك العمال فى الأرباح وتمثيلهم فى مجالس الإدارات وقانون العمل الموحد الذى يقضى بمساواة المرأة بالرجل فى الأجور بالنسبة للعمل المتساوى، وطلبت الثورة من كل فرد فى المجتمع أن يكون منتجا، فأصبح العمل دورا أساسيا ينبغى على المرأة القيام به. وقد عبرت وسائل الإعلام فى ذلك الزمن عن إقبال المرأة المصرية على العمل بصورة جدية مدهشة، وعن حاجة المرأة المصرية إلى التغلب على مخاوفها المتعددة، وبخاصة تلك المتعلقة بالرجل الذى ظلت أزمانا طويلة تعتمد عليه اقتصاديا.. فهى باندفاعها للعمل تريد أن تثبت لنفسها وللمجتمع أنها كفء وقادرة على القيام بدور إيجابى فعال بدلا من دورها الأنثوى المحصور داخل البيت.. وأنها مستقلة اقتصاديا.. واستطاعت فى تلك الفترة أن تعدل من نظرة الرجل لها.. من جنس خاص إلى إنسان لديه إمكانيات تستوى مع إمكانياته.. ومن ناحية أخرى عبر بعض الرجال عن رضاهم من وجود النساء معهم فى مجالات العمل المختلفة وعن وثوقهم فى إمكانياتهن العقلية!!.. وأخيرا فى الحقوق السياسية إذا كانت ثورة النساء المصريات مع ثورة 1919 علامة بارزة لمشاركة المرأة فى الحياة العامة والسياسية إلا أنهن لم ينلن حقوقهن السياسية مباشرة.. فقد أسست السيدة ( هدى شعراوى ) الاتحاد النسائى المصرى فى العشرينيات بعد تلك الثورة وطالبت النساء من خلال هذا الاتحاد بحقوقهن السياسية ومشاركتهن فى الحياة العامة، لكنهن لم يجدن استجابة من الحكومات بالرغم من اشتراكهن فى مؤتمرات دولية نسائية، دُعين إليها من خلال الاتحاد النسائى.. وعندما قامت ثورة يوليو 1952 وجدت ناشطات فى المطالبة بحقوق المرأة فرصة للمطالبة بحقوقهن السياسية، خصوصا بعد الإعلان عن التحضير لدستور جديد للبلاد. وقد اعتصمت بعض الناشطات فى نقابة الصحفيين بالقاهرة عام 1954 مطالبات بحقوق المرأة السياسية، وكانت على رأسهن الصحفية البارزة فى ذلك الوقت صاحبة مجلة ( بنت النيل ).. الأستاذة ( درية شفيق).. واهتمت الصحافة فى ذلك الوقت باعتصامهن كما اهتمت حكومة الثورة.. وقد صدر دستور عام 1956 متضمنا منح المرأة المصرية حقوقا سياسية لأول مرة فى مصر، وقبل أن تنالها نساء كثيرات فى العالم. وانتهى تخويف المرأة منذ بداية القرن العشرين عندما بدأت بعض نساء العالم يخترن طريقا للعمل، حذر الأطباء الرجال من أن المرأة التى تعمل خارج البيت معرضة لضمور الرحم !!. وفى منتصف القرن مع زيادة أعداد النساء العاملات حذر بعض الأطباء النفسانيين من أن عمل المرأة خارج نطاق الأمومة يهدد مشاعرها الأنثوية ويصيبها بالبرود الجنسى!!ومع الخط البيانى المرتفع لعمالة المرأة ظهر تحذير طبى يقول إن المرأة العاملة عليها أن تتعامل مع الإجهاد.. مثل الرجل.. والإجهاد كما نعرف يحمل أمراضا قاتلة.. وعلى الجانب الآخر حاولت الرائدات من النساء فى العالم مساندة المرأة، فلا يصح أن تفكر المرأة فى نفسها على أنها مجرد أنثى.. والفرد لابد أن يفكر فى نفسه على أنه إنسان وليس على أنه رجل.. أو.. امرأة.. وقد خرجت نساء كثيرا فى العالم من فكرة الأنثى المقيدة إلى فكرة الإنسان المنطلقة.. ولم تعد المرأة العاملة تقتنع بأن نجاح الرجل فى عمله يجعله أكثر جاذبية ومرغوبا بينما نجاحها يقل من جاذبيتها وأنوثتها.. ولم تعد المرأة تقتنع أن بعض الأعمال تجعل منها قريبة إلى الذكورة وبعيدة عن الأنوثة!! مثل العمل فى المحاماة، الطب الجراحى، التجارية، ونجحت النساء فى معظم الأعمال الرجولية.. ولم يهملن دورهن الأنثوى فى الأسرة، بل تحملن عبء العمل الخارجى والعمل الداخلى فى بيوتهن، وهو ما عُرف بالعمل المزدوج للمرأة.. ومعظم دول العالم تساعد النساء العاملات بتسهيل مطالبهن الحياتية.. وبعض دول العالم تضغط على النساء ليكتفين بدورهن الأنثوى التاريخى.. ألم تقرأ هذه الدول عن ثورات النساء..؟!!