«تجربة الدراسة أونلاين بالنسبالى مش أول مرة، طبيعة شغلى كأستاذ جامعة وتحكيمى لبحوث فى مجلات علمية إقليمية ودولية والإنتاج العلمى لترقية الأساتذة كل ده بيتم أونلاين، وبيتم إرسالها بالتعليقات المطلوبة، وده بالنسبالى أسهل وأسرع بكتير من الأبحاث الورقية خاصة حال تواجدى فى دولة أخرى». يحكى الدكتور إسماعيل الفقى، أستاذ علم النفس بكلية تربية جامعة عين شمس، الذى اعتاد ممارسة عمله الجامعى من خلال بعض البرامج والمواقع الإلكتروينة، خاصة مع طلبة الدراسات العليا، فوقت الأستاذ والطالب أيضا ليس متاحا دائما للمقابلة والنقاش وجها لوجه، خاصة إذا طلب من أستاذ جامعى تحكيم بحث علمى أو التعليق عليه من جامعة أخرى وبدولة أخرى، كما يوجد الكثير من الطلبة ممن يحصلون على كورسات بمجالات مختلفة من أمريكا وبريطانيا ولندن وهم داخل منازلهم من خلال جهاز اللابتوب الخاص بهم، حسبما قال، فيحصلون على شهادات ودبلومات معترف بها عن طريق التعلم عن بعد. وعن المحاضرات الأونلاين يؤكد أن الأصل فى المحاضرات الجامعية هو التفاعل المباشر اللفظى والتعبير الجسدى بين الطالب والأستاذ الجامعى، وهو ما يفضله خاصة بمرحلة البكالوريوس، ليلاحظ المحاضر ردود أفعال الطلبة وتعبيرات وجوههم المعبرة عن مدى استيعابهم للمعلومة أو مدى اهتمامهم بما يتم إلقاؤه والأسئلة المباشرة والاستفسارات. ومع ذلك يؤكد أن التعلم عن بعد ليس بالوسيلة السيئة، فعلى الأقل ساهم فى مواصلة العملية التعليمية من خلال الفيديوهات التى يقدمها الأستاذ بصوته وصورته، ويحكى د.الفقى أنه أثناء تواجده بالمملكة العربية السعودية وعمله كأستاذ جامعى هناك، كان يتم التواصل مع الطالبات من خلال الشبكة التليفزيونية لأنه غير مسموح دخول أستاذ جامعى «رجل» للفتيات الطالبات للمدرج داخل الجامعة والتفاعل المباشر بينهم، مؤكدا أن عدم التواصل المباشر بين الطرفين لم يصبح عائقا الآن لإتمام العملية التعليمية. «الأصل فى الفيديوهات أن تصمم على برنامج الباوربوينت الذى يقوم بعرض العناصر الأساسية للمحاضرة فى صورة مجموعة من الشرائح، وأحيانا ما يسجل صوته بالشرح لكل شريحة يتم عرضها داخل المحاضرة التى تقدم أسبوعيا، أو يتم العرض بالصوت والصورة للطالب»، هكذا قال أستاذ علم النفس بجامعة عين شمس، مؤكدا أنه فى كل محنة منحة كما عبر د.إسماعيل، فمحنة كورونا أسرعت بنا إلى التحول الرقمى فى جميع المؤسسات الحكومية والتعاملات، رغم الصعوبات التى نواجهها فى البداية فى التعامل الإلكترونى نتيجة عدم التعود عليه من قبل بهذه الصورة الموسعة، كما أن البعض من المعلمين خاصة فى المراحل الابتدائية والإعدادية استغل هذه الظروف استغلالا سلبيا، فيقوم بمساعدة الطالب فى إنهاء البحث المطلوب منه بمقابل مادى كبير، ومع ذلك فهناك جانب مضيء من هذا التحول، فالبعض من الطلبة أصبحت لديهم ثقافة البحث عن المعلومة والدخول إلى بنك المعرفة والبحث عن قواعد المعلومات ومعرفة كيفية التعامل معها. منازل المحاضرين تتحول لاستوديوهات «بيوتنا تحول لاستوديوهات خاصة إذا كان الأستاذ الجامعى وزوجته أستاذة جامعة، فكل واحد بيقعد فى أوضة منفصلة منعزلة عن أى حاجة فى البيت ويبدأ يسجل محاضرته للطلبة أونلاين، ويتم رفع المحاضرة على موقع الجامعة والقنوات الخاصة بها»، هكذا وصف أحد أصدقاء د.الفقى منازل الأساتذة الجامعيين بالوقت الحالى، وأشار إلى حرص المحاضر على ألا تزيد مدة المحاضرة عن نصف ساعة تقريبا وألا تقل عن ذلك أيضا، بحيث يستوفى المحاضر جميع النقاط المطلوب عرضها للطالب. «الأمور تحولت من أن الأستاذ اللى بيضحى بوقته وجهده ويعمل فيديو تفاعلى مباشر للطلاب، بيقابل بتريقة وتنمر على لبسه والأوضة اللى بيتكلم منها والستارة اللى وراه، ويقولوا يا بخته ده عنده بيت شكله كذا.. وده طبعا مفيش فيه وسائل ردع للطالب المستهتر زى المحاضرة المباشرة فى الجامعة، غير متاح لنا معرفة من المتسبب فى هذا الكم من الاستهانة والاستهتار وتعطيل العملية التعليمية، فى حين أن الأستاذ الجامعى طالع للطلبة بدافع الحب والإنسانية اللى جواه للطلبة»،. هكذا تحدثت د.إيزيس رضوان، أستاذ المناهج وطرق التدريس بكلية التربية جامعة عين شمس، معبرة عن كم الإحباط الذى يصاب به الأستاذ الجامعى عندما يقابل عطاؤه بهذا الأسلوب من بعض المستقبلين من خلال تعليقاتهم الخارجة عن السياق. نقلة حضارية أعلى من قدراتنا كما نوهت د.إيزيس أن هناك بعض الأساتذة الجامعيين غير مؤهلين للتحول التكنولوجى الحديث ولهذا النوع من التواصل المفاجئ، كما أن بعض الطلبة ببعض المستويات الاجتماعية والاقتصادية التى لا تتيح لهم إمكانية التواصل بهذا النوع، الذى يتطلب من كل طالب أن يكون له جهاز لاب توب شخصى وتواصل شبكى من خلال الإنترنت بأعلى جودة، كما أن البنية التحتية للإنترنت بمصر تعانى أشد المعاناة خاصة فى ظل الظروف الحالية التى أحدثت ضغطا غير عادى على الشبكات العالمية نتيجة التواصل الإلكترونى لكل شيء بعد أزمة كورونا، فهناك نقلة حضارية أعلى من قدرات بعضنا. «افتقدنا التواصل المباشر بيننا وبين الطلبة وتقديمنا للقيم الإنسانية والاجتماعية مش بس المادة العلمية اللى بنقدمها، الأستاذ بيتعامل مع الطلبة على أنهم أولاده وأمانة فى رقبته.. الأمر غير متوقف على تلقين مادة علمية فقط خصوصا فى الجامعة، الطالب بيعرف يقرأ ولكن المحاضرة لا بد أن تقدم شيئا مختلفا عن المحتوى المتواجد داخل المراجع»، مضيفة أن الطالب يفتقد لأهم نقطة وهى الاستفسار عن إحدى النقاط المبهمة له بالمقرر وبالمحاضرة المقدمة إلا إذا قام بالاتصال المباشر بالأستاذ وهو أمر غير متاح باستمرار، ونوهت إلى أن التعليم الإلكترونى مناسب للكليات النظرية بصورة كبيرة عكس الكليات العملية التى يحتاج طلابها إلى إجراء التجارب المعملية داخل معامل الكلية وليس مشاهدتها أونلاين فقط، فهو ليس تدريسا فعليا، بل إنها طريقة تحايل لتوصيل المعلومة واستمرار العملية التعليمية نظرا للظروف الحالية. وفيما يتعلق بطلاب الدراسات العليا، أشارت د.إيزيس إلى أن هناك بعض الطلاب غير ممتلكين لإمكانيات اقتصادية تمكنهم من امتلاك أجهزة خاصة بهم وشحن باقات نت باستمرار لمتابعة أمورهم البحثية والدراسة أونلاين على مدار ساعات متواصلة، رغم نضجهم العقلى وتعاملهم المستمر أو نلاين وتواصلهم مع المراكز البحثية وبحثهم عن الدراسات الأجنبية على المكتبات الدولية، فطالب الدراسات العليا ينشأ على أنه لا بد من أن يعلم نفسه بنفسه، معتمدا على مهاراته البحثية، فلديهم استعداد كبير لهذا النوع من التعامل الدراسى، هكذا قالت. تواصل منزلى «فى الوقت الحالى طبعا ممنوع دخول الطلبة للجامعة أو التواصل داخل الحرم الجامعى، ونتيجة لهذا أحيانا نستقبل الطلبة فى البيت لضرورة التواصل والنقاش فى بعض الأمور المستعجلة خاصة مع طلبة الدراسات العليا، وده للأسف ممكن يتفسر تفسيرات خاطئة فى بعض الأحيان ويتفهم أن الطالب لازم ياخد هدية للأستاذ وهو رايح له البيت، ده غير أن دى مسئولية على الدكتور أنه يدخل حد بيته»، هكذا تحدثت عن بعض المشكلات التى يواجهها أساتذة الجامعة. أصدقاء الفيسبوك «من بعد 15 مارس وقرار الحظر بدأنا المحاضرات أونلاين، والطلبة دايما متابعين معايا بيعرفوا وقت المحاضرة ويستنوها، واللى حابب يسأل فى حاجة بيسأل وأجيبه، واللى فاتته المحاضرة الفيديو بعد كدة بيكون متاح على القنوات الخاصة بالجامعة يقدر يدخل يشوفه ويستفهم منه»، هكذا قال د.عزوز إسماعيل سال، أستاذ النقد الأدبى بمعهد القاهرة العالى بالمقطم، الذى ظهر على طلابه من خلال فيديوهات تبث مباشرة على حسابه الشخصى بالفيسبوك ليبدأ بشرح المحاضرة التى لا تتعدى الثلاثين دقيقة لكل فرقة جامعية، والتى يبدأها بسؤال الطلبة عما إذا كان الصوت واضحا أم لا، وشرح طبيعة المحاضرة بالبداية والنقاط التى سيتم تناولها، ليبدأ الطلبة بالرد عليه فى لحظتها من خلال كتابة تعليقاتهم على الفيديو أثناء بثه، فيكون التواصل أسرع، لكنه أوقف هذا البث على حسابه الشخصى بعد فترة قصيرة وانتقل به إلى قنوات الجامعة وقناته الخاصة على اليوتيوب، «أصدقائى على الفيسبوك غير الطلبة ملهمش ذنب أدوشهم كل شوية بالمحاضرات والدراسة وموضوعاتهم ماتهمهمش.. عشان كدة قررت الانتقال لقناتى الخاصة على اليوتيوب»، هكذا قال. ويتحدث د. عزوز عن مميزات المحاضرات الأونلاين، فهناك بعض الطلبة ممن لديهم استفسارات عن بعض النقاط التى تخص مضمون المحاضرة ولديهم بعض الخوف والخجل من الاستفسار عنها أمام هذا العدد الهائل من زملائهم الطلبة داخل المدرج، ولكن التواصل الإلكترونى أتاح لهم هذا دون أدنى شعور بالخجل أو الحرج، من خلال كتابة تعليقاتهم أسفل الفيديو أو التواصل التليفونى المباشر مع الأستاذ، مما أوجد نوعا من الحميمية بين طرفى العملية التعليمية، «الأمور بنسبة 80% ماشية كويس»، هكذا قال. فيظهر أستاذ النقد الأدبى على طلابه بفيديوهات صوت وصورة ويتفاعلون هم معه بالاستفسارات والتعليقات من خلال فيديوهات أيضا، فلم يجد الطلبة صعوبة فى هذا النوع من التواصل رغم ضعف الإنترنت فى بعض الأحيان، لكنها تجربة ناجحة أسرعت من دخول مصر إلى السباق العالمى لمواكبة التكنولوجيا الحديثة. وقد بدأ د.عزوز فى تحضير محاضرات خاصة بكيفية إجراء الأبحاث العلمية ومناهجها لتعريف الطلاب بهذه الخطوات، وما هو التفكير النقدى، وكيفية إبداء الرأى فى بعض الأمور، حتى يتمكنوا من إجراء البحوث المطلوبة منهم بهذه الفترة خاصة بعد القرارات الأخيرة التى أعلنها وزير التعليم العالى. ويطالب د.عزوز أن يصبح البحث العلمى مادة ومنهجًا يدرس لجميع الفرق التعليمية بمختلف مراحلها. ومع ذلك، يستشعر د.عزوز إسماعيل أن نحو 50 % فقط من الطلاب يأخذون موضوع البحث على محمل الجد أما الباقى فهناك استهانة واضحة واعتماد على الغير، وهم من يريدون النجاح فقط، فيذهبون إلى المكتبات التى تحصل على مقابل مادى لإجراء الأبحاث المطلوبة من الطلاب، فهو استغلال للأزمة الحالية من نوع آخر. وعن شرط بعض الجامعات الدخول على الأجهزة الخاصة بالطلاب أثناء إجرائهم للامتحانات من المنازل، ورفض هؤلاء الطلبة لهذا الشرط، علق أستاذ النقد الأدبى أن هذا الشرط غير منطقى، «طلابنا فى المدارس والجامعة بقى متاح ليهم دلوقتى الامتحانات Open book والبحث عن المعلومة أصبح هو الأساس فى العملية التعليمية، مش الحفظ من الكتب ورصد الإجابة فى الورقة، وده بيحصل مع طلبة المدارس دلوقتى، الأسئلة بتيجى غير مباشرة وبتقيس ذكاء الطالب وليس مدى قدرته على حفظ المعلومة من الكتاب»، هكذا قال.