رغم المآسى التى نراها أو نسمع عنها يوميا، من تنصل بعض الرجال عن مسؤولياتهم فى أداء واجبهم الذى فرض عليهم بالشرع والدين والعادات والتقاليد، وهم يتملصون ويبتعدون وينكرون دخولهم كى يستطيعوا الهرب من دفع مصروفات صغارهم، ولا يدرك هؤلاء قدر حسابهم فى الدنيا والآخرة! على النقيض من ذلك هناك صور رائعة لآباء تعلموا معنى الأبوة من قبل أن يمارسوها، تلك الأبوة التى لم تهبط عليهم فى غفلة من الزمن!! أو نتيجة لحظات طيش. فقد قرأت عن أب حديث الأبوة تم تداول صورة وليدته الضاحكة على مواقع التواصل الاجتماعى، والذى استطاع أن يجذب ابنته إليه منذ كانت جنينا داخل رحم أمها، وبعد ولادتها لاحظ أبواها ضحكها كلما سمعت صوت أبيها، وعندما سئل الأب عن ذلك، كان تعليقه أنه فى فترة الحمل كان يضع يديه على بطن زوجته، ويحادث ابنته، وهى ما زالت جنينا.. فبمجرد استيقاظه يحييها ويلمسها بحنان، ثم يودعها قبل ذهابه للعمل، ونفس الشىء بعد عودته من العمل، وكان يلاحظ تجاوبها معه وحركتها كلما لمسها.. فكان حريصا أن يكون بينهما حوار على مدار اليوم قبل أن تأتى إلى الدنيا.. فكانت النتيجة أنها عقب ولادتها عرفت صوته، وضحكت عندما سمعته، وشاهد فى عينيها الحب والأمان.. فقد منحها الاهتمام النابع من فطرته الإنسانية كأب، دون أن يدرك أنها ستشعر بحبه وشغفه فى انتظارها، فبادلته بحب أبهر الملايين.. تلك الحكاية اللطيفة تبعث الأمل فى النفوس، وفى مستقبل ممتلئ بالدفء والحنان، يظل باقيا موصولا حتى بعد انتهاء الأجل.. أما الحكاية الثانية فهى عن أب معطاء حنون، احتوى أبنائه داخل قلبه فى حياته، فعاش فى قلوبهم وفى عيونهم وكل حواسهم بعد مماته، هو فنان كبير فى فنه، وفى أبوته ومشاعره المتدفقة تجاه أبنائه.. هو الفنان الكبير (محمد نوح) ولا أعتقد أن هناك من يجهل مقدار حبه لهم، فكم من الحفلات الغنائية التى أحياها وإصطحب معه أولاده لمشاركته فى الغناء، وهم الفنانة سحر والفنانة مريم وابنه هاشم الذى كان يعزف الجيتار، كان الأب يبدو ملهوفا عليهم، يحضنهم بعينيه الممتلئة بالدموع واللهفة عليهم والفرحة بهم، حتى وصل رصد مشاعره لفنانين التقليد الذين بالغوا فى رسم الصورة، ولكن كان محتواها دائما حب ولهفة الأب، لذلك وبعد مضى سنوات على رحيله مازال الوجع يملأ صوتهم ونظرات عيونهم، وهو ما ظهر فى قيامهم بإهدائه أغنية رائعة، له ولكل أب معطاء كريم فى مشاعره الإنسانية.. وكتبوا فى نهايتها «إهداء لروح بابا محمد نوح ولكل أب عظيم أثر فى حياة أبنائه».. وهى باسم «أغلى حروف».. وتقول كلماتها: من أول ما وعيت ع الحب.. وقلبى اتعلق بيك.. وعرفت إن أمان الدنيا.. وإيدى ف حضن إيديك.. يا ملامح دايبة على ملامحى.. يا عيون بتطبطب وبتمحى.. ولا شاغل بالك غير فرحى.. ويبان فرحى عليك.. مش دايما كنت بقولهالك.. بابا بحبك موت.. كان بس بيغلبنى كسوفى.. واداريه بسكوت.. أنا برفع راسى عشان بنتك.. واستقوى على الدنيا بحضنك.. حبك علمنى إن «بحبك».. طعمها أحلى بصوت.. ومافيش حب هيغلب حبك.. مهما هعيش وهشوف.. أنا بتباهى حبيبى بإسمك.. أحلى وأغلى حروف.. أنا مين أنا إيه أنا من غيرك.. د أنا كل حياتى دى من خيرك.. ولا كلمة هتديك تقديرك.. ولا مية ولا ألوف».. وقد سمعت هذه الأغنية مصادفة، وانهمرت دموعى على والدى (رحمه الله) الذى غمرنا حبا وحنانا طوال حياتنا فى كنفه ورعايته.. الأب عزوة وحماية، الأب وتد، أو الأصح هو وطن، وغيابه هجرة إلى المجهول.. استمتعت بالأغنية وبأصوات الجميلتين سحر ومريم وصدق إحساسهما، وبالكلمات المعبرة للشاعرة روماينا عجيز، واللحن المتميز للملحن أحمد حمدى، وتوزيع محمود صادق. ومونتاچ وإخراج ضياء داوود.. ورغم بساطة الإخراج والإنتاج، إلا أن صدق الأغنية بكافة عناصرها يجعلها تصل إلى الجمهور بسلاسة، فالفن لا يعتمد على الإمكانيات المادية، بقدر إعتماده على الفكرة والصدق فى التعبير عنها، فما يخرج من القلب يصل إلى القلب. ولكنى تعجبت من تجاهل الإعلام لمثل هذا العمل الذى يرقق المشاعر ويهذب الأخلاق ويعلم الاحترام والأدب والأخلاق، وقبل كل ذلك يعلم الوفاء لأب أعطى الكثير، واستطاع أن يبذر الحب داخل أولاده ليحصده أضعاف مضاعفة بعد وفاته، ليظل العمر ممدود بإمتداد عمر الأبناء وعملهم الصالح.. فهى رسالة تحيى الوفاء فى نفوس الأبناء، وتوقظ ضمير بعض الآباء، حتى يدركوا أن الأبناء خير ميراث لو يعلمون.