الكتابة للطفل من أصعب ما يكون رسالة أخلاقية وتعليمية، فما قرأناه ونحن صغار كان له الفضل فى تشكيل هويتنا وشخصيتنا؛ لكن الكتابة فى هذا الزمن تحدٍ صعب؛ سواء من حيث الوصول للطفل الذى تجذبه (السوشيال ميديا) والألعاب الإلكترونية بعنفها ومحتواها غير الأخلاقى من جانب، وبين عزوفه عن القراءة من جانب آخر. وفى هذا المارثون غير الشريف تتنافس دور نشر مصرية وغير مصرية على اجتذاب الطفل بشكل تجارى وبث سمومها فى عقله لخلق جيل غير سليم مشوه نفسيًا، وتزدهر تجارة غير مشروعة لمطابع بئر سلم تتخذ من الأطفال هدفًا لها. (صباح الخير) تفتح هذا الملف المهم عقب طلب إحاطة تقدّمت به النائبة داليا يوسف عضو لجنة العلاقات الخارجية بشأن تداول العديد من قصص الأطفال فى الأسواق باللغتين الإنجليزية والعربية تحض على العنف والذبح والاغتصاب، وتنمى فى الأطفال فكرة الإرهاب المقبول على حد وصفها. وتباع فى الأكشاك والمكتبات وعند سور الأزيكبة. حيث عقدت لجنة الثقافة والإعلام بمجلس النواب جلسة ساخنة لمناقشة طلب الإحاطة وقدمت النائبة للجنة بعضًا من هذه القصص التى حرصت على أن تحضرها معها وتقرأ مقاطع منها على أسماع اللجنة. من ضمن القصص التى أحضرتها النائبة كانت (الحداد والقرد – الخطيب اللص لدار كنو للنشر بتونس والصياد الماهر لدار المعارف -وفتوحات المسلمين غزوة دومة الجندل-معركة المدائن - خاتم السلطان وسلسلة صرخة الرعب لدار نهضة مصر) وقصة أخرى بعنوان المختار الثقفى لدار المحجة البيضاء ببيروت تستعرض ما فعله المختار الثقفى عندما ثأر من قتلة الإمام الحسين، فتصور مناظر القتل والذبح وقطع الأيدى. وقالت داليا يوسف: إننا ونحن نتحدث عن إصلاح دينى وثقافى وتعليمى لا بد أن نبدأ من الصغر. فالأطفال هم اللبنة الأساسية لأى إصلاح. موضحة أن هذه القصص تبث العنف والكراهية ولا يمكن أن نربى طفلًا عليها. متسائلة عن دور الدولة فى دخول مثل هذه القصص من خارج مصر أو طباعتها داخل مصر ومطالبة بتكاتف من قبل وزارات الدولة: الثقافة والتربية والتعليم لمعالجة هذه الأمور.
• مطابع بئر السلم
من جانبه، أكد الكاتب الكبير يوسف القعيد عضو لجنة الثقافة والإعلام، أن الرقابة على الكتب ألغيت منذ عام 1977 ومن يتضرر يلجأ للقضاء. داعيًا أعضاء اللجنة للنزول لميدان التحرير لرؤية ما هو أفظع من هذه الكتب وكلها متداولة فى أيدى أبنائنا. وأوضح القعيد أن الكاتب يحصل على رقم الإيداع فى دار الكتب من خلال موظف ليس من مسئوليته أن يعرف محتوى الكتاب لكنه يتأكد فقط من بعض الإجراءات الروتينية منها جنسية الكاتب. وكشف القعيد عن وجود مطابع بئر سلم تطبع هذه الكتب وهى تجارة غير شرعية. مؤكدًا أن الأمر وصل لحد الفوضى، وأشار القعيد إلى أنه لا يطالب أبدًا بوجود رقابة على الكتب لكنه مع تشديد القوانين وتطبيقها.
• هوية المجتمع
جلال عوارة عضو اللجنة، قال: نحن لا نتحدث عن رقابة على المحتوى لكننا نتحدث عن حماية المجتمع من ازدراء الأديان واستهداف هويته. لا نطالب برقابة على حرية الإبداع لكنا نريد تطبيق الدستورالذى شدد على أهمية تماسك الأسرة والمجتمع، فلا يعيب حرية المجتمعات الحفاظ على خصوصيتها، فالخصوصية هوية. وقد قررت اللجنة استدعاء وزيرة الثقافة، ورئيس الهيئة الوطنية للصحافة، ومساعد وزير الداخلية للرقابة على المصنفات، ورئيس هيئة الرقابة على المصنفات الفنية، ورئيس جهاز الرقابة على الصادرات والواردات، ورئيس جهاز حماية المستهلك، ورئيس مجلس إدارة دار المعارف، لحوار مجتمعى وإعداد تشريع يواجه ذلك؛ حيث خلصت اللجنة إلى ضرورة دراسة الآليات المتبعة فى دول أخرى على أدب الطفل وضرورة وجود آليات للدولة لمتابعة المطبوعات والكتب بعيدا عن (بعبع )الرقابة. ما معايير الكتابة للأطفال؟ وهل تدعم دور النشر العنف لدى الأطفال لاستغلالهم واستخدامهم كأدوات لنقل أفكار مغلوطة؟ وأين رقابة الدولة على دور النشر الخاصة فى مصر وما يأتى من الخارج؟ وما دور الأسرة والمدرسة فى اختيار ما يناسب الطفل؟ كانت هذه هى الأسئلة التى وجهناها للعاملين فى الكتابة للطفل.
• استهداف الربح
أكد الكاتب محمد ناصف رئيس المركز القومى لثقافة الطفل أنه توجد عدة أسئلة يجب أن يسألها كاتب الطفل قبل أن يبدأ فى الكتابة. أولًا: لا بد أن يسأل نفسه عن المرحلة العمرية التى يستهدفها، لأن كل مرحلة عمرية تتطلب معايير خاصة للكتابة وتختلف كل مرحلة عن الأخرى، فى طريقة الكتابة والمعجم اللغوى المستخدم. ثانيًا: ما الموضوعات المفترض التى يجب أن يقدمها، فيوجد موضوعات لسن ما قبل الحضانة وسن الحضانة وسن المدرسة سواء كانت (ابتدائى أو إعدادى)، وتوجد مرحلة نسميها الشباب الصغير وهى المرحلة قبل سن 18. وسؤال آخر، لماذا يكتب كاتب الأطفال؟ وهو السؤال الأهم وهذا يرجع إلى شخصية كل كاتب هل يكتب من أجل المال أم من أجل الشهرة. وأضاف ناصف أن الكتابة للطفل صعبة جدًا لأنه سيكون لديه مجموعة من المحاذير والأسئلة يجب أن يجاوب عليها. ويوجد أمر آخر مرتبط بدور النشر نفسها، فعلى سبيل المثال توجد بعض دور النشر تكون موجهة أيديولوجيا، سواء دينيًا أو غير ذلك. وتوجد بعض دور نشر تسير حسب التوجه العام من الدولة التابعة لها. وبعض دور النشر الخاصة لا يفرق معها سوى العائد التجارى وهى من تنشر هذه القصص لتجذب الأطفال دون النظر للمحتوى الذى قد يضر أو ينفع الطفل. وهذا يحدث ليس لأن دار النشر تريد أن تدعم العنف ولكن لأنها تستهدف الربح وتبحث عن ما يجذب الأطفال دون مراعاة أخلاقية. وعن دور الدولة فى السيطرة على دور النشر التى تستهدف الربح فقط على حساب صحة الطفل النفسية. يؤكد ناصف: لا تمتلك الدولة السيطرة على دور النشر الأخرى الخاصة، مشيرًا إلى أنه ككاتب ومبدع ضد وجود رقابة أو مصادرة وأنه مع وجود للحرية التى من شأنها أن تزيد من حركة الفن والإبداع ولكن هناك رقيب يجب أن يراعى مصلحة الطفل ومشددًا على الرقابة الذاتية للفنان ولدور النشر.
• جهة استشارية
مقترحًا وجود جهة ما تكون مهمتها مراجعة هذه الكتب على الأقل من الناحية التربوية وليس الناحية الفنية ولتكن جهة استشارية. ولفت ناصف إلى أن مصر تعد حاليا استراتيجية للطفولة المبكرة لعمر 6 سنوات من الممكن أن يتم وضع وحدة يكون المنوط بها مراجعة كتابات الطفل وبرامجه وكل ما ينتج له من قبل المركز القومى لثقافة الطفل. موضحًا أن التليفزيون المصرى كان يرسل برامجه من سنوات ماضية للمراجعة قبل العرض. مطالبًا البرلمان المصرى إذا أراد أن يتصدى لخطر الكتابات غير المدروسة على ثقافة الطفل أن يقوم بذلك بشكل صحيح ومن خلال أطر قانونية مهمتها الإشراف على ما يكتب للأطفال، خاصة فى دور النشر الخاصة لأن دور النشر العامة لها ضوابطها. وهذا من شأنه أن يحسن ويطور من الكتابة لضبط الإطار التربوى.
• عذاب القبر والثعبان الأقرع
الكاتب عبده الزراع رئيس شعبة أدب الطفل، بالنقابة العامة لاتحاد كتاب مصرسألته: أين رقابة الدولة على الكتب التى تصدرها دور النشر المصرية؟ - فأجاب: للأسف الشديد لا يوجد أى نوع من أنواع الرقابة على الكتب التى تصدرها دور النشر المصرية، خاصة كتب الأطفال، فدور النشر تصدر مما يحلو لها دونما رقابة لما يرد فى الكتاب من أخطاء أو مغالطات أو أفكار متشددة. وهذه النوعية من الكتب التى تحمل مثل هذه المغالطات والأفكار المتشددة تصدر فى دور نشر صغيرة فى الأقاليم وتأتى إلى القاهرة، وكذلك بعض المطابع الصغيرة، وهذه الكتب انتشرت بكثرة فى السنوات الأخيرة، وهذه كارثة لأن الأسرة التى تشترى قصة لأولادها الصغار لا يقرأونها قبل أن يشتروها وقد يكتشفون ما بها من تشدد بالصدفة، وغالبًا لا يكتشفون، ولا توجد أي رقابة على هذه الكتب. ناهيك عن الكتب التى تحمل أفكارًا مشوهة ومتشددة من عينة عذاب القبر ونعيمه، والثعبان الأقرع وغيرها، وأرى أن هذا الدور الرقابى هو دور اتحاد الناشرين المصريين، لا بد أن يمارس دورًا رقابيًا على مثل هذه الدور، وإن وجد دارًا تطبع مثل هذه الكتب تغلق على الفور. وأين هى سلطة الدولة على دور النشر غير المصرية؟ ما أعرفه منذ زمن أنه يوجد رقابة على مثل هذه الكتب التى تأتى من الخارج لتدخل مصر، وهذه الرقابة يكون مقرها الجمارك أو تابعة للجمارك، ولكن فى ظل هذه الظروف السياسية المرتبكة التى يمر بها الوطن ويتربص به المتربصون لا بد وأن يكون دور الرقابة أقوى بكثير، خاصة ما يخص كتب الأطفال والكتب الدينية التى تحمل أفكارًا متشددة تؤثر على فكر الأطفال والشباب.
• 40 مليون طفل
هل يجد صناع كتب الأطفال صعوبة فى الوصول لطفل اليوم؟ - فى ظل تراجع الإقبال على القراءة من قبل الأطفال والشباب، بسبب الميديا الحديثة التى سيطرت على عقول ووجدان الأطفال، وسرقتهم من الكتاب بشكل كبير وملحوظ، فأصبح الرهان كبيرًا بالنسبة للناشر الذى يعمل فى مجال كتب الأطفال، ولا ومجازفة أن يطبع مثل هذه الكتب التى قد لا تجد قارئًا لها، وهو يهمه فى البداية أن يبيع منتجه الذى صرف عليه الكثير من الأموال، لذا عزفت معظم دور النشر عن نشر كتب الأطفال إلا فيما ندر، واتجهت لطباعة الرواية التى تجد رواجاً كبيرًا من قبل الناشرين، ومن ثم يأتى دور مؤسسات الدولة الثقافية مثل هيئة الكتاب التى تصدر العديد من السلاسل لكتب الأطفال، ومنها سلسلة سنابل التى أدير تحريرها، وكذلك هيئة قصور الثقافة لديها مجلة وكتاب قطر الندى، والمركز القومى لثقافة الطفل، ولكن ليس ما ينتح عن هذه الدور الحكومية كافيا لأن مصر بها أكثر من 40 مليون طفل يحتاجون عشرات السلاسل والمجلات التى تصدر لهم، ومن ثم نطالب الدولة بالمزيد من تخصيص عدد أكبر من السلاسل للأطفال.
• الرقابة الذاتية
الدكتورة شهيرة خليل رئيس تحرير مجلة سمير تقول: الرقابة الحقيقية فى ضمائرنا والأهم هو التحصين من قبل الأسرة والمدرسة ضد ما يغزو عالم الطفل. ودور الأسرة لا يرتبط بالمستوى الاجتماعى لها، فالأسر فى الماضى حتى لو كانت بسيطة كانت تقوم بدورها قى توعية الأطفال والذهاب معهم للسينما وإلى معرض الكتاب كان هناك قطارات تذهب للقرى بمجلات للأطفال كان الكل يعمل من أجل النهوض بالطفل. دور المدرسة أيضًا كان مهمًا جدا كان هناك حصص اسمها المطالعة أو القراءة الحرة وكان يوجد حصص للمكتبات للتعريف بأهمية الكتاب وكيف نقرأ بشكل صحيح. وبالتالى فإن أى مطبوعات سيئة أو مغرضة ستلفظ من نفسها نتيجة وعى جميع الأطراف حول الطفل. وأشارت شهيرة إلى أن الدولة عليها دور رقابى، فيجب أن تكون عينها على كل ما يدخل مصر، خاصة فى مثل هذه الفترة الحرجة. مشيرة إلى أنها ضد إنشاء وحدات للرقابة أو جهات للرقابة لأن هذا سيفتح بابًا للفساد حول المسموح والممنوع وخلق مجموعة من المنتفعين.
• فراغ ثقافى
من جانبها انتقدت الدكتورة نهى عباس رئيس تحرير مجلة نور للأطفال اهتمام البرلمان بقصص الأطفال من تلك النوعية. مشيرة إلى أن نسبة وجود كتب كالتى ذكرتها النائبة ليست كثيرة ولا توجد فى دور النشر الكبيرة لذلك فنسبة وصولها للطفل ضعيفة جدا، فضلا عن أن تأثير الكتب والمجلات على الأطفال تصل ل 10 % وبالتالى فإن خطر هذه الكتب محدود بالمقارنة بالتلفزيون فإذا كانت النائبة تهتم بالكتب وقصص الأطفال وضربت مثالًا بكتاب شيعى فإن من الأولى الانتباه لقنوات أطفال تستهدف أطفالنا وتبث سمومها داخل عقولهم، فيوجد قناة شيعية اسمها قناة( طه) وأخرى إخوانية اسمها( طيور الجنة) تقدم أغانى تنال إعجاب الأطفال تبث سموما ضد جيش مصر حتى إن بعض الحضانات تجعل الأطفال يستمعون لها عن جهل وغالبا الأطفال فى المناطق الشعبية والقرى والنجوع يشاهدونها وفى المقابل أطفال الطبقة الراقية لا يشاهدون من الأساس مواد باللغة العربية وهم مغيبون بشكل آخر ويشاهدون فقط مواد باللغة الأجنبية فلا يعرفون شيئا عن بلدهم. ومن باب أولى أن يناقش البرلمان الفراغ الثقافى الذى يعيش فيه الطفل المصرى ولماذا لا يوجد قناة مصرية تعمل على هوية الطفل المصرى.