محاولة قراءة الوجوه ومن خلالها تحديد هوية ونية الشخص الذى أمامك ظلت همًّا يشغل بال الإنسان على مدى تاريخه. ولا شك أن هذه الرغبة فى قراءة الوجوه لأسباب أمنية وأيضا لأسباب تجارية وترويجية تنامت فى السنوات الأخيرة. وكان لما يسمى بالذكاء الاصطناعى فى علوم الكمبيوتر دور فى تشكيل أنظمة وأساليب وأدوات تساعد وتساهم فى قراءة تعبيرات الوشوش وبالتالى رصد ومعرفة نوايا النفوس. صحيفة «واشنطن بوست» مؤخرا وهى تتناول بيزنس أجهزة وأنظمة قراءة الوجوه وقياس المشاعر بواسطة الذكاء الاصطناعى وعلوم الكمبيوتر سلطت الأضواء من جديد على رنا القليوبى عالمة الكمبيوتر ورئيس مجلس إدارة شركة Affectiva التى جذبت فى السنوات القليلة الماضية اهتمام وإعجاب المختصين والمهتمين فى مجال الذكاء الاصطناعى ودوره المتميز فى مواجهة تحديات العصر. خاصة أن لرنا بصمات مميزة ابتكرتها وطورتها فى مجال قياس المشاعر وما تسميه بأنسنة أنظمة الكمبيوتر وتعاملاتها مع البشر. كما أنها بسبب ابتكاراتها وإضافاتها العلمية فى هذا المجال نالت تقدير واحتفاء منظمات ومؤسسات كبرى تعنى بالابتكار والريادة فى البيزنس وسيدات أعمال. رنا القليوبى ولدت بمصر عام 1978 ودرست علوم الكمبيوتر بالجامعة الأمريكية بالقاهرة وتخرجت فيها عام 1998 وحصلت أيضا على درجة الماجستير عام 2000. ومنها ذهبت إلى جامعة كمبريدج بإنجلترا ثم معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (إم آى تي) فى بوسطن بالولايات المتحدة. ومن هذه المدينةالأمريكية العريقة انطلقت شركة Affectiva «آفيكتيفا» لتكنولوجيا قياس المشاعر عام 2009 والشركة من تأسيسها بمشاركة روزاليند بيكارد الأستاذة ب«ام آى تى». خلال سنوات قليلة صارت «آفيكتيفا» اسما تحمل بصمة مميزة وتتعاقد بعشرات الملايين من الدولارات مع شركات كبرى وإدارات مهمة بأمريكا ودول أخرى من أجل تطوير أنظمتها وتطبيقاتها الخاصة بالتعرف على المشاعر الإنسانية وقراءتها من خلال الذكاء الاصطناعى لتعبيرات الوجه وردود أفعاله الفيزيولوجية. سيدة الأعمال المصرية الأمريكية فى لقاءاتها وحواراتها مع المتخصصين فى قضايا الذكاء الاصطناعى ومع وسائل الإعلام الأمريكية تشدد على أهمية وضرورة أنسنة الذكاء الاصطناعى وأنه يجب أن ندرب أجهزة الكمبيوتر على أن تشعر وتحس بنا.. وتذكر كيف يمكن قياس ردود أفعال البشر من قراءة وجوههم وهم يتعاملون مع حركة المرور وهم يشاهدون ويتابعون الإعلانات والبرامج التليفزيونية. وتنبه أهل علوم الكمبيوتر كيف يمكن إدراج وتفعيل دور الثقافات المختلفة شرقا وغربا فى قراءة تعبيرات الوجه المختلفة وردود أفعالها العاكسة لمشاعرها. ولرنا اهتمامها أيضا فى استخدام أدواتها ومنظوماتها من أجل معرفة وقياس مشاعر أصحاب حالات التوحد. محاولة فهم ما تريده قراءة الوجوه أو الوشوش بدأت منذ أكثر من عشر سنوات تأخذ طريقها كأداة من الأدوات الأمنية تستخدم أنظمة إلكترونية- كمبيوترية من أجل تحديد هوية الشخص وميوله وتوجهاته. استخدمت هذه الأنظمة تحديدا كما قيل من أجل مواجهة الإرهاب والإرهابيين. وذكرت صحيفة «واشنطن بوست» فى تقرير مطول نشر بتاريخ الأول من أغسطس 2019 أن دراسة تقييم أجراها مكتب المساءلة/ المحاسبة التابع للحكومة الأمريكية عام 2013 لهذه المنظومة فى قراءة الوجوه استنتج منها أن إدارة أمن المطارات وبوابات العبور الدولية على سبيل المثال وهى تستخدم أنظمة قراءة الوجوه بعينها لم تصل للنتائج المأمولة فى إيجاد آلية علمية يمكن الاعتماد عليها وتطبيقها بثقة. بالتأكيد ما يوصف بقراءة الوجوه ورصد المشاعر كان يعد لقرون مضت خيالا علميا تحول على مدى السنوات الماضية إلى صناعة أو بيزنس. وتقدر حجم هذه الصناعة أو هذا البيزنس ب20 مليار دولار. وشركات كبرى مثل مايكروسوفت و«آى بى إم» قطعت شوطا كبيرا فى هذا المضمار ولكن كما يبدو لم تحقق بعد ما كانت تريد أن تحققه أو ما كان يطلبه المستخدم لتلك الأنظمة التى تعمل بالذكاء الاصطناعى. وجدير بالذكر أن دراسة أجراها الاتحاد الأمريكى للحريات المدنية عام 2017 أشارت إلى أن الأنظمة المستخدمة فى قراءة الوجوه تزيد من إمكانية التمييز العنصرى ووصم الأفراد بناءً عليه. وقالت رنا القليوبى (41 سنة) ل«واشنطن بوست» كتعليق على الوضع القائم إنها تأمل اعادة تقييم تجربة أنظمة الذكاء الاصطناعى سوف تقوم بتذكير وتوعية مستهلكى وصانعى هذه الأنظمة بمحدودية أدائها فى قيامها برصد المشاعر وتمييزها ومن ثم هناك ضرورة لدفع هذه الصناعة إلى ايجاد حلول للتحديات القائمة. القليوبى ترى أن الهدف المنشود قد يكون حسب تفكير مبتكرى هذه الأنظمة هو إنجاز أو تحقيق أجهزة لها القدرة على القيام بنفس المهمة التى يقوم بها الكائن البشرى فى رصد المشاعر وتقييمها أو ربما بشكل أفضل منها. ولكن فى حالة إنجاز هذا الهدف المنشود نفسه لا تعتقد القليوبى بأن هذا أيضا سيكون كافيا لحل مشكلة القيام برصد وقياس المشاعر، ذاكرة - أن الإنسان نفسه يخطئ فى هذا كل الأوقات. بيزنس فى كل الأحوال نعم كل شىء فى دنيانا صار بيزنسا.. أو هكذا يؤمن أصحاب الأعمال والأموال وهم يرون فى كل ظاهرة إنسانية أو صرعة بشرية فرصة لا تعوض لجلب المزيد من الأموال. فهوس استباق الأحداث واستقراء ما قد يظهر ويبان فى المستقبل أصبح على قائمة أولويات المعرفة والاستحواذ فى زماننا الحالى. هناك فضول إنسانى لمعرفة الآخر شكلا ومضمونا ولهفة لتحقيق ذلك بسرعة قبل فوات الأوان..رصد المشاعر وقراءة الطالع أو النازل فيها كما يبدو دخل فى دائرة اهتمام المتعاملين مع الذكاء الاصطناعى.. أن تعرف من خلال الكمبيوتر من هو الذى قابلته أو تريد أن تقابله أو الذى قابلته ومش فاهمه أوى. وبالتالى فإن اللجوء إلى قراءة المشاعر ولو من خلال ملامح الوجه قد يعطى للشخص المهتم أو المهموم بالأمر إمكانية معرفة سمات صاحب هذا الوجه وتوجهه ومزاجه ومشاعره ومن ثم يتم استغلال هذه المعرفة. وذلك من خلال آلية أو منظومة كمبيوترية من المفروض أنها تعتبر جهة محايدة وتتعامل مع من تقرأه وتكشف عن نفسه النقاب دون حساسية أو انحياز أو سوء نية أو فلنقل أى نية مسبقة. لكن هيهات!! الموضوع كله يبدو ضربا من الخيال أو ما اعتدنا على وصفه وتسميته ب الخيال العلمى إلا أن هذا هو ما يحدث بالفعل فى حياتنا فى السنوات الأخيرة بسبب الوثبات العلمية والتكنولوجية والمعلوماتية التى نشأت وترعرعت فى الفترة الماضية. وقد أكدت صحيفة «واشنطن بوست» فى تقريرها الصحفى بأن منظومة رصد المشاعر وتحديد طبيعتها بواسطة الذكاء الاصطناعى لها أخطاء أو هنات عديدة فى رأى الباحثين. والمشكلة أن أغلب هذه الآليات تعتمد على تعبيرات الوجه وتتجاهل نبرة الصوت ولغة الجسد وعوامل أخرى. والأمر المعروف لنا منذ سنوات طويلة أننا لا يمكن أن نقرأ نفس الإنسان وداخله من خلال ما يظهر ويبان على وشه فقط. خاصة أننا سمعنا أيضا التوصيف إياه لبعض الوشوش.. عندما يوصف المرء بأن وجهه أو قناع وجهه مثل وجه لاعب البوكر لا يمكن قراءته أو معرفة ما يكمن بالضبط وراء هذا الوجه/ القناع. إن ملفات الذكاء الاصطناعى بكل تفاصيلها صارت جزءا من حياتنا الراهنة. التحديات قائمة ومستمرة. لا يمكن تجاهلها أو إهمالها بحجج واهية أو تبريرات غير منطقية لا تريد مواجهة الذات.. وما قد تتطلبه من شجاعة وجرأة وصراحة فى التعامل معها.