سألتنى صديقتى المهندسة صاحبة الثلاثة والثلاثين عامًا، عن أفضل دورة تأهيل يمكنها أن تلتحق بها، خلال فترة الخطبة التى تعيشها الآن، لكى تمُرّ بسلام إلى عش الزوجية، بعد أن مرّت بتجربتين سابقتين للارتباط والخطبة لم يكتب لهما الاستمرار. «المرة دى خايفة أفشل، أكيد هيقولوا العيب فىّ، وإنى أنا اللى بطفش العرسان، مش عارفة حظى وحِش ولّا باختار غلط، ولّا طريقتى العملية زيادة عن اللزوم بتخوّف الرجّالة منّى!!». قالتها صديقتى بابتسامة وبصوت لا يخلو من مرارة، لنبدأ معًا فى البحث عن برامج تأهيل المقبلين على الزواج، التى تناسب ظروف عملها، فى المكتب الهندسى الشهير الذى تستمر فى العمل فيه إلى ما بعد الخامسة يوميّا، وأيضًا تناسب ظروف خطيبها الصيدلانى. صديقتى واحدة من بين 950 ألف شاب وفتاة يتزوجون سنويّا «حالة زواج» بحسب آخر إحصاءات الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، ولا يوجد نص قانونى يحتم على أىّ من الزوجين أو كليهما ضرورة الحصول على دورة تدريبية أو تأهيلية قبل عقد القران أو بعده، والصدفة أو الرغبة الذاتية أحيانًا فقط - هى التى تقود بعض «الشباب» للمشاركة فى أغلب هذه الدورات. وإن كانت هناك تصريحات من آباء فى الكنيسة تشير إلى أن حضور المخطوبين لتدريبات التأهيل للزواج التى تنظمها الكنيسة، لازم لإتمام الزواج. المشروع القومى بداية بحثنا كانت من المشروع القومى لتوعية الشباب المقبلين على الزواج، أو برنامج «مودة»، الذى تنظمه وزارة التضامن الاجتماعى منذ مارس الماضى، ويتضمن توعية المقبلين على الزواج بأسُس اختيار شريك الحياة وحقوق وواجبات الزوجين، والإرشاد الأسَرىّ وفض أى خلافات. لكن المشروع يستهدف الشباب فى سن الزواج «ما بين 18 إلى 25 عامًا» فقط، وبدأ عمله مع طلاب جامعات» القاهرة وعين شمس، وحلوان، والإسكندرية وبورسعيد»، تمهيدًا لتعميمه على باقى المحافظات فى أكتوبر المقبل. المشروع يتضمن ثلاثة جوانب «اجتماعى عن التواصل الإيجابى وتوزيع الأدوار بين الزوجين، ودينى، عن تعريف الطرفين بالحقوق والواجبات الشرعية، وصحى عن الصحة الإنجابية والممارسات الضارة كالزواج المبكر». ويعتمد المشروع على تدريب من سيطبقون البرنامج من أعضاء هيئة التدريس بالجامعات ومدربين داخل معسكرات التجنيد بالقوات المسلحة ووزارة الداخلية، ونحو 5000 مأذون، لضمان الاستمرارية. ويشمل المشروع بجانب التواصل مع الشباب وجهًا لوجه، حملات إعلامية عبر مواقع التواصل الاجتماعى، ورسائل وتطبيقات على الهواتف المحمولة، وبرنامج إذاعىّ وتنويهات ومسرحيّة تُعرَض بمسارح قصور الثقافة، بالإضافة لتقديم المشورة الأسَرية وفض النزاعات، عن طريق الخط الساخن بدار الإفتاء، وتفعيل دور مكاتب التسوية التابعة لوزارة العدل، مع إضافة ممثل عن دار الإفتاء المصرية لأعضائها الحاليين. وأخيرًا؛ إعداد قاعدة بيانات للمستفيدين من المشروع؛ ليتم ربطها بالرقم القومى؛ لمعرفة عدد حالات الزواج والطلاق.. برنامج دار الإفتاء البرنامج الذى تنظمه دار الإفتاء؛ لتأهيل المقبلين على الزواج، هدفه - كما هو مدون فى الموقع الرسمى لدار الإفتاء على الإنترنت-تدعيم الشباب بالمعارف والخبرات والمهارات اللازمة لتكوين حياة زوجية وأسَرية ناجحة. وينطلق البرنامج من خبرة دار الإفتاء خلال المائة عام الماضية، فى الإفتاء فى أمور المشاكل الأسرية وحالات الطلاق، «التى تعود فى أغلبها إلى قلة المعرفة وعدم التأهيل المناسب، وانتشار الأفكار المنحرفة المفسدة للزواج، مع انتشار التيارات المتشددة، التى شوشت على الأحكام الشرعية والقيم الأخلاقية»- بحسب الموقع. ميزة برنامج الإفتاء أنه يستهدف «عددًا من المقبلين على الزواج أو المتزوجين أو الراغبين فى اكتساب بعض المهارات الخاصة بتحقيق السعادة الزوجية وفق الرؤية الشرعية» على مهارت الحياة الزوجية وكيفية التعامل مع المشكلات والضغوط الحياتية التى يواجهها الزوجان، «أى أنه لا يشترط سِنّا ولا حالة اجتماعية بعينها ويتم التقديم عبر الإنترنت للراغبين». البرنامج يشمل أسُس اختيار الزوج والزوجة، عقد الزواج، تدريب الزوجين على مواجهة ضغوط الحياة الزوجية ومشكلاتها، نصائح حول الإنجاب وسُبل تنظيمه، والأثر النفسى للديكور والأثاث المنزلى على الحياة الزوجية «وهذا جزء ليس دارجًا فى أغلب ما قرأنا عنه فى مثل هذه البرامج». مدة البرنامج 24 ساعة، بمعدل ساعتين فى اليوم، يومان أسبوعيّا لمدة 6 أسابيع، مقابل 80 جنيهًا يدفعها المتدرب. برنامج المجلس القومى للمرأة البرنامج تحت اسم «معًا لنبقى»، للمقبلين على الزواج والمتزوجين حديثًا، وبدعم من المجلس، أى مجانًا، لكنه يشترط حضور الطرفين معًا، وألّا يكون قد مَرّ على المتزوجين منهم أكثر من 7 سنوات!! وفكرته- كما هو مدون بالموقع الإلكترونى للمجلس- تقوم على: «لازم نفهم نفسنا الأول ونعرف ميزاتنا وعيوبنا ومشاكلنا وأفكارنا، ونعرف إزاى نتعامل مع شريك حياتنا ونفهم بعض، ونقدر نحل مشاكلنا وإزاى نتعامل مع العيلة والأطفال». البرنامج مدته 9 أيام، كل 3 أيام ورشة عمل معينة، الأولى نفسية تتضمن المشاعر والشخصية والاتزان الداخلى.. و..، والثانية عن التواصل الجيد والقرارات السليمة، والثالثة عن التعامل مع أهل الزوجين ومع الأطفال وتربيتهم.. هل نحتاج لبرنامج موحد؟ هناك برامج شبيهة تنظمها منظمات مجتمع مدنى، ترتبط أحيانًا بتوافر التمويل، فليست متاحة طوال الوقت. ويبقى ما يلفت الانتباه فى البرامج «الحكومية» الشهيرة الثلاثة، هو أنه لا يوجد برنامج موحد يتبناه الجميع، بعضها نابع من خبرة محلية مثل دار الإفتاء، وبعضها مزيج من خبرات محلية وأخرى دولية مثل برنامجى التضامن والقومى للمرأة. هذا بالإضافة إلى أن بعضها للمخطوبين فقط، وبعضها للمتزوجين بالفعل، وبعضها لا يشترط الحالة الزواجية، ولا السّن ولا وجود الطرفين. هذا معناه- ربما- أن محتوى البرنامج وعلاقته بما إذا كان الشاب فى مرحلة الخطبة أم تزوجًا بالفعل أو أنه لايزال طالبًا فى الجامعة لم يقدم على الارتباط بعد، غير واضحة بالضبط!! الاختلاف فى مدة كل برنامج هى الأخرى لا يُعرَف إذا كانت مرتبطة بالمحتوى أو بتفرغ المتدربين أو مناسبة المواعيد لظروف المدربين، أو شروط الجهة الداعمة أو من تنفق على البرنامج؟! ملاحظة أخرى، تهم المتدربين كما همست لى صديقتى الشابة، هى أن الجانب الصحى فى أغلب هذه البرامج يركز فقط على الصحة الإنجابية وتنظيم الأسرة، لكنه لا يشير بشكل علمى وجدّى إلى أهمية «التربية الجنسية» للطرفين، وهو بالمناسبة تعبير دار حوله الكثير من اللغط لسنوات حتى أقرته مواثيق المؤتمر الإقليمى العربى الذى عُقد فى القاهرة فى 2013 حول السكان والتنمية، استنادًا لخبرات عربية إسلامية، لكن لم نسمع عن تحوله لبرنامج قومى يتم تدريسه أو تعليمه للشباب، وإن كانت هناك مبادرات فردية فى مؤسسات مجتمع مدنى أو جهات خاصة. قد تكون هذه البرامج مكملة لبعضها البعض، لكن على الدولة التى تتبنى مشروعًا قوميّا لتوعية الشباب المقبلين على الزواج، أن تناقش هل نحن فى حاجة إلى برنامج موحد ورسائل موحدة للتوعية أوالتأهيل تشارك فيه جهات مختلفة حسب خبراتها وخلفياتها؟ وهل نحن فى حاجة إلى أخذ رأى الشباب «المتزوجين وغير المتزوجين» فى محتوى البرامج من أجل الإضافة أو التعديل، وهل التوعية مرحلة والتأهيل مرحلة أخرى، وكيف نستفيد من الإمكانيات التكنولوجية ليصبح محتوى البرامج متاحًا صوتًا وصورة للراغبين فى الاطلاع عليه من خبراء متعددين، فضلًا عن إمكانية المشاركة الحقيقية فى دورات بالفيديو عبر الإنترنت، تتيح التفاعل بين المدربين والمتدربين لحظة بلحظة، عبر تقنية التعليم الإلكترونى؛ خصوصًا بالنسبة للشباب فى الصعيد والقرى البعيدة ومن لا تسمح لهم ظروف عملهم بالتفرغ للحضور. أمّا عن مسألة الإلزامية فى حضور الدورات قبل إتمام الزواج، ففضلًا عن أنها غير متاحة، لكثرة أعداد حالات الزواج سنويّا، بالمقارنة بإمكانيات كل برنامج، لها أيضًا محاذيرها فى أنها قد تتحول إلى حبر على ورق، كما هو حادث فى مسألة «كشف ما قبل الزواج» التى أقرّها قانون الطفل منذ 2008، ونعرف جميعًا صورتيها فى التطبيق.