أردوغان يتعامل بعدوانية شديدة فى قضية استكشافات الغاز شرق المتوسط، ومحاولات التمدد على حساب التراب الوطنى السورى والعراقى، والتدخلات المباشرة لدعم الميليشيات ومحاولة دفع الإخوان للسلطة فى ليبيا.. حتى تعاملاته مع أوروبا وأمريكا تتسم بالعصبية.. عدوانية أردوغان رد فعل للضغوط والهزائم التى يتعرض لها، نتيجة لسوء تقديره، مما وضع تركيا تحت حصار محكم. أولاً: أزمة ال«إس 400» وال«إف 35» تركيا تمسكت بصفقة نظام الدفاع الصاروخى «إس- 400 -»، واعتبرتها «مسألة منتهية»، لا تقبل المراجعة.. الولاياتالمتحدة أوقفت تدريب الطيارين الأتراك بقاعدة لوك الجوية بولاية أريزونا.. ومشروع الميزانية العسكرية تضمن فرض حظر كامل على توريد مقاتلات «F-35» وملحقاتها لتركيا، حال تسلمها نظام الدفاع الجوى الروسى، رغم استثمارها مليارًا و400 مليون دولار كشريكة فى المشروع، وكان مقدرًا حصولها بمقتضاه على 116 طائرة.. تركيا حاولت إقناع واشنطن بأن المنظومة الروسية لن تؤثر على الطائرة، واقترحت تشكيل لجنة عمل لتقييم ذلك، لكن واشنطن رفضت، لتخوفها من كشف أسرار الأنظمة الخاصة بمقاتلة الجيل الخامس الأمريكية، ما سيجعلها ضعيفة أمام الدفاعات الروسية.. أمريكا قررت استمرار العلاقة الاستراتيجية مع تركيا، ومواصلة التدريبات المشتركة لقوات الدولتين، وأبرزها مناورات «نسر الأناضول»، ولقاء ترامب أردوغان فى قمة العشرين بأوزاكا، فتح الباب لتفاهمات تتعلق بوقف تشغيل المنظومة، مقابل زيادة الصادرات التركية للسوق الأمريكية، ليرتفع التبادل التجارى من 75 مليار دولار إلى 100 مليار. ثانيًا: التورط فى إدلب محافظة إدلب السورية يجتمع فيها الإرهابيون من مختلف التنظيمات، تشترك فى الحدود مع لواء الإسكندرونة الذى تحتله تركيا، وتطل على اللاذقية حيث القواعد العسكرية الروسية، ومركز النشاط الاقتصادى، اختيرت كمنطقة خفض تصعيد، وأسندت مسئوليتها لتركيا، لإنشاء منطقة منزوعة السلاح على خط التماس بين المسلحين والجيش السورى، وفصل المعارضة السورية المسلحة القادرة على الاتفاق والمستعدة للانخراط فى العملية السياسية، عن عناصر التنظيمات الإرهابية الذين يرفضون الاتفاق، لكن أنقرة لم تتمكن من ذلك، بل أتاحت لجبهة النصرة السيطرة على المحافظة، ال12 نقطة مراقبة التى أنشاتها تركيا بالمحافظة أضحت أماكن آمنة، يتسلل الإرهابيون إلى حرمها لقصف القوات السورية والقواعد الروسية، وعند الرد على مصدر النيران، تبدأ تركيا الشكوى والضجيج. إدلب أصبحت مكانًا لتضارب المصالح، بين الحكومة والمعارضة، بين المقاومة الكردية والجيش التركى، بين روسيا فى حربها ضد الإرهاب، وتركيا التى تدعمه.. تركيا فى حالة عداء مع فرنسا بسبب دعم باريس ل«قوات سوريا الديمقراطية» ذات الغالبية الكردية.. المحافظة تشهد منذ 25 أبريل معارك بين الجيش السورى والفصائل المسلحة، أدت إلى مقتل المئات، وفرار قرابة 300 ألف باتجاه الحدود التركية، الأممالمتحدة ترجح نزوح قرابة مليونى لاجئ حال اتساع نطاقها.. سوريا متمسكة بخروج كل القوات الأجنبية المتواجدة على أراضيها بصورة غير شرعية، والقضاء على التنظيمات الإرهابية فى إدلب، روسيا تدعم سوريا، وتدعو لالتزام الجميع بسيادتها ووحدة أراضيها.. والصدام أقرب من التفاهم. ثالثاً: الأزمة مع العراق تركيا كعادتها لا تحسن علاقة الجوار.. أطلقت عملية «المخلب» العسكرية شمال العراق، ضد مواقع منظمة «بى كا كا» التابعة لحزب العمال الكردستانى 27 مايو، لتبنيه دعوات الانفصال عن تركيا، وذلك أثناء وجود الرئيس العراقى برهم صالح فى أنقرة، ما أوقعه فى حرج بالغ، ودعاه لتأكيد رفض العراق لأى عمل عسكرى أحادى الجانب يتجاوز حدود بلاده.. تركيا مستمرة، وتعول على نتائج العملية، ما يفسر إشراف خلوصى أكار وزير الدفاع شخصيًا على تنفيذها، القوات الخاصة التركية تقوم بعملية تمشيط دقيق لمنطقة «هاكورك» بجبال شمال العراق محافظة دهوك، لتصفية خلايا الحزب بشكل كامل.. العراق وسط أزماته الحادة، آثر الصمت، والرد بالتجاهل، فمشاكله أعقد من أن تحتمل إضافة المزيد.. لكن المستقبل لا يحمل الكثير من الود لعلاقات حسن الجوار بين البلدين. رابعاً: أزمة شرق المتوسط أنقرة منذ مايو الماضى دفعت بالسفينة «الفاتح» و3 سفن مساندة لوجستية للبحث والتنقيب عن الغاز والنفط على بعد 80 كم غرب بافوس على السواحل الجنوبيةالغربيةلقبرص، وداخل منطقتها الاقتصادية الحرة.. بدأت الحفر العميق، دون أن تأبه بالمعارضة الأمريكية والأوروبية، ثم دفعت سفينة الحفر الثانية «ياووز» 20 يونيو، لتوسع الحفر فى نفس الحقل.. تركيا تبحث عن إنجاز سريع يسمح بفرض وجودها كأمر واقع على دول المنطقة.. قبرص هددت باعتقال طواقم سفن التنقيب التركية، باعتبارها تمارس أنشطة غير قانونية وتنتهك سيادتها. أردوغان توعد بالرد، وهدد بأن القوات البحرية والجوية سترد على أى تحرك ضد السفن التركية فى المتوسط.. الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون دعا تركيا للتوقف عن أنشطة التنقيب غير القانونية قبالة السواحل القبرصية، لكن أردوغان تطاول خروجًا على أدبيات التخاطب بين رؤساء الدول وتساءل مستنكرًا: «نحن لدينا سواحل مطلة على المنطقة، ولكن ماذا تفعل أنت؟ ما صفتك؟ ليس لديك أى مبرر للوجود هناك». قبرص واليونان عضوان فى الاتحاد الأوروبى، لكن رد الفعل السياسى للاتحاد اتسم بالضعف منذ بداية الأزمة، حيث اكتفى ببيانات المناشدة والشجب، لكن الدولتين تسعيان لتطوير ذلك الموقف على نحو يعكس مساندة جدية لموقف قبرص فى مواجهة ما تتعرض له من انتهاكات تركية لحقوقها.. المجلس الوزارى للاتحاد الأوروبى الذى عقد 18 يونيو كلف المفوضية الأوروبية ومفوضة السياسة الخارجية والأمن للاتحاد بصياغة إجراءات للرد على الأنشطة التركية بالمنطقة الاقتصادية الخالصة لقبرص.. وتركيا رفضت البيان الصادر عن القمة السادسة لدول جنوب أوروبا فى مالطا، بشأن بحر إيجه وشرق المتوسط وقبرص. خامسًا: الأزمة الاقتصادية التدخلات الخارجية التركية خاصة فى سورياوالعراق وليبيا، والحرب ضد حزب العمال الكردستانى أضرت باقتصادها، وكالة فتش منحت تركيا تصنيف BB بنظرة مستقبلية سلبية.. النمو الاقتصادى فى حدود 1.5 %، وهو معدل غير جاذب للاستثمار.. الاحتياطات النقدية الأجنبية انخفضت إلى 27 مليار دولار.. ونسبة التضخم تجاوزت ال20 %.. أداء الليرة التركية خلال 2019 كان الأسوأ بين عملات الأسواق الناشئة، بعد البيزو الأرجنتينى، إذ تراجعت بنحو 9 % أمام الدولار خلال الشهور الأولى من 2019، فيما فقدت نحو 28 % من قيمتها عام 2018.. تدهور الوضع الاقتصادى بدأ ينعكس على الاستثمارات، حتى إن المستثمرين القطريين الذبن هبوا لدعم تركيا فى مواجهة الأزمة بتوجيه من تميم أغسطس الماضى، قاموا بسحب استثمارات تقدر بنحو 800 مليون دولار من بورصة إسطنبول خلال الأشهر الخمسة الأولى من العام الجارى. سادسًا: أزمة انتخابات اسطنبول اسطنبول كبرى المدن التركية، انتخاباتها البلدية يشارك فيها 10.5 مليون ناخب، حزب العدالة والتنمية يعول عليها كثيرًا، لأنها كانت المحطة التى أوصلت أردوغان للرئاسة، وهى العاصمة الاقتصادية للدولة، ومركز التمويل الرئيسى لأنشطة الحزب، ما يفسر ترشيح «بن على يلدريم»، رئيس الوزراء السابق، لانتخابات رئاسة بلديتها 31 مايو الماضى، لكنه خسر بأغلبية ضئيلة «13 ألف صوت» أمام أكرم أوغلو مرشح حزب الشعب الجمهورى المعارض، بسبب تراجع شعبية الحزب نتيجة للوضع الاقتصادى الصعب الذى تمر به تركيا.. أردوغان اعترض، وفرض بالتحايل إلغاء الانتخابات.. يلدريم من أصل كردى، لكن الكتلة التصويتية الكردية الضخمة باسطنبول «15 % من الأصوات» صوتت عقابيًا ضده، لانتمائه إلى العدالة والتنمية، مما دعا الزعيم الكردى عبد الله أوجلان مؤسس «حزب العمال الكردستانى» إلى مناشدة أنصاره بالتزام الحياد فى التصويت!، لكن حزب «الشعوب الديمقراطى» المؤيد للأكراد رفض التخلى عن دعمه للمرشح المعارض، مبررًا بأن وجود أوجلان بسجن إمرالى يسمح بتعرضه لضغوط توجه مواقفه بما يخدم أجندات سياسية معينة!.. أردوغان نجح فى الوقيعة بين أوجلان وشعبه. انتخابات الإعادة تمت 23 يونيو، خسرها مرشح أردوغان بقرابة 775 ألف صوت.. خسارة حزب العدالة والتنمية بمدينتى اسطنبولوأنقرة، أكبر مدينتين فى البلاد، اللتين سيطر عليهما طوال ربع قرن، يؤشر ل«بداية النهاية» للأغلبية الراهنة للحزب.. ويبشر بصحة مقولة أردوغان «من يحكم اسطنبول يحكم تركيا».. وصف أردوغان لمحمد مرسى «بالشهيد»!!، وإقامته صلاة الغائب على روحه بمسجد الفاتح مرتين!، كان مزايدة داخلية، ودعمًا للحملة الانتخابية ل«يلدريم».. تشبيه أكرم أوغلو بالرئيس السيسى كان يهدف للترهيب من انتخابه، وهو تصرف أرعن، غير محسوب، تجاهل كل المؤشرات التى تؤكد تراجع شعبية العدالة والتنمية، وضعف فرص يلدريم، وبالتالى لم يتحسب سوى لفوزه، فجاءت الهزيمة مزدوجة، لمرشح الحزب أمام مرشح المعارضة، ولأردوغان فى معركته التى يفتعلها مع الرئيس المصرى. وسط تعدد الأزمات، كل المؤشرات تؤكد أن إخوان تركيا قد يغادرون السلطة خلال الانتخابات القادمة.•