للعام الثانى، جاءت «جائزة النيل للمبدعين العرب 2019» ضمن جوائز الدولة فى الفنون والآداب والعلوم الاجتماعية.. فاز بها المعمارى الفلسطينى الأصل الأردنى الجنسية «راسم بدران». وفى العام الماضى فاز بها الفنان السورى يوسف عبدلكى، وهو أول فنان عربى يحصل عليها.. حين استُحدثت ولأول مرة وأضيفت إلى: «جائزة النيل المصرية وجائزة الدولة التقديرية وجائزة التفوق وجائزة الدولة التشجيعية»..وفى هذا تأكيد على عودة الريادة لمصر فى الثقافة العربية خاصة وهى من كبرى الجوائز فى الوطن العربى وقيمتها 500 ألف جنيه وميدالية ذهبية. وفوز المعمارى راسم يحمل معانى كثيرة..من بينها الإجماع على قيمة الفكر المعمارى فى عالمه كفنان عربى..هذا العالم الذى لا ينفصل فيه الفن عن الناس والواقع المعاش وتطورالحياة المعاصرة.. وفى الوقت نفسه قيمة ما تحمل أعماله «مع جمالياتها التشكيلية» من معانٍ إنسانية.. وهى أعمال تكمن فى هذا التواصل مع التراث المعمارى بلمسة خاصة بما يحقق المفهوم الحقيقى للحداثة والأصالة والهوية والتجديد ارتكازًا على ما أسسه من مدرسة فكرية...جعلته أحد المعماريين العرب الكبار يذكر اسمه فى أروقة العالم مع زها حديد وباسل البياتى «العراق» وحسن فتحى وشهيرة فهمى «مصر»..وبرنارد خورى «لبنان»..وقد طرح بقوة مسألة إعادة قراءة مفردات العمارة التراثية بأسلوب معاصر. معمارى لأب فنان وُلد راسم بالقدس عام 1945..كان والده الفنان التشكيلى والنحات الفلسطينى جمال بدران «1909 - 1999» وهو من أوائل الدارسين لفنون الزخرفة والخط العربى بمدرسة الحمزاوى بالقاهرة «الفنون التطبيقية حاليا» ويعد علامة فلسطينية بارزة فى التربية الفنية وتدريس الفنون الجميلة والتطبيقية ومن المؤسسين للحركة الفنية هناك.. ومن هنا نشأ على قيم وتقاليد فنية عريقة وأحب العمارة أم الفنون.. ومن أجلها سافر إلى ألمانيا.. وهناك حصل راسم على دبلوم الهندسة المعمارية من جامعة دار مشتادت وكان متفوقًا على زملائه ومن أفضل 70 خريجًا وحاز عضوية نادى الجامعة الأكاديمى للمتميزين وكانت المرة الأولى التى يحوز فيها أول عربى هذا التقدير. ولما كان بدران متفوقًا شهد له الألمان من البداية فقد أسس مكتبًا للهندسة المعمارية بألمانياالغربية.. بعد تخرجه فيما بين عامى «1969 - 1972». وانتقل إلى عمان مؤسسًا مكتبه هناك عام 1976وهو حاليًا يعمل مستشارًا «لاستديو بدران للعمارة» الذى يديره ابنه المعمارى جمال بدران. ونُشرت أعماله فى عدد كبير من الدوريات والكتب المتخصصة فى التوثيق المعمارى المعاصر بلغ عددها ما يربو على 50 مؤلفًا إلى جانب المجلات المعمارية بمعظم اللغات من الإنجليزية والإيطالية والإسبانية والألمانية والصينية مع العربية فى المجلات العراقية والمصرية. وهناك كتاب باللغة الإنجليزية حول عالم راسم المعمارى بعنوان «عمارة راسم بدران.. روائية الناس والمكان» يقدم من خلاله المعمارى جيمس استيل صدر عن إحدى الهيئات الأمريكية يتناول فكره ورؤيته الفريدة فى الأصالة والمعاصرة ويستعرض مشاريعه المعمارية والعمرانية فى أرجاء الوطن العربى.. ولراسم دراسة مطولة حول العمارة بكتاب د.عبدالوهاب المسيرى: «إشكالية التحيزفى الفن والعمارة – رؤية معرفية ودعوة للاجتهاد» صدرعام 1994. ..وعالمه تعتمد تصميمات بدران على مثلث أضلاعه: الماضى والحاضر والمستقبل.. فهو يدرس تاريخ الموقع مع النظر إلى تطوره المستقبلى لكى يصل إلى الحاضر الآن وهنا فيما نحن فيه...وتنساب فى أعماله الجوانب الاجتماعبية والثقافية والبيئية.. وكان لشاعرية المكان الأول وما يتسم به مسقط رأسه حيث نشأ، ما يجعله حاضرًا فى كل أعماله..ومفهومه المعمارى يشير إلى أن: الاتصال البصرى بين الفراغات أوالمبانى يساهم فى تسهيل الفتحات والممرات ومحاور النظر.. كما أن الأسطح وانسياب الشوارع تخلق مساحات عامة للالتقاء مما يدعو للمؤانسة فى المكان.. وتعد حساسيته للطبيعة ودورها ما يؤكد انعكاسها فى تصميماته بوضوح حيث تستفيد من حركة الشمس والهواء لتؤمن محيطًا صحيًا للمسكن والساكن. أعمال وجوائز كلف راسم بدران مع مجموعة من المعماريين الألمان بتصميم بعض المنشآت الخدمية المتطورة لمجمع الملاعب الأولمبى فى ميونيخ للدورة الأولمبية عام 1972.. كما فاز بالجائزة الأولى فى المسابقة العالمية لتصميم «سكن الدخل المحدود» بألمانيا 1973 وأيضًا الجائزة الأولى لتصميم الجامع الكبير فى بغداد بداية الثمانينيات.. والجامع الكبير وقصر الحكم فى الرياض والجائزة الأولى لإعمار مدينة صيدا..وكلف من قبل الديوان الملكى بوضع التصور العام للتصميم البيئى والعمرانى لوادى بور قراق بالدار البيضاء.. بالإضافة إلى مشاريع أخرى عديدة من بينها المتحف التاريخى فى عمان ومشروع الجمالية بالقاهرة. وإذا كانت جائزة النيل قد توجت رحلته الطويلة فى العمارة والهندسة فهى تضاف إلى جوائز عديدة.. حصل عليها راسم بدران المعمارى العربى من بينها: جائزة «إنجاز مدى الحياة» فى تصميم المساجد 2016 وجائزة الأغاخان العالمية للعمارة الإسلامية.. والمعمارى العربى لمنظمة المدن العربية.