«لو صحيت ملقتش الموبايل جمبى ممكن أتجنن»، عبارة يرددها الكثيرون يوميا، ويعيشها البعض فى أحيان كثيرة، إذا فقد هاتفه الخاص أو اعتقد أنه فقده. علماء النفس يرون أن هذا الخوف أو الهلع من فقدان الموبايل، أو « النوموفوبيا»، مرض نفسى، مثله مثل الخوف من الأماكن المظلمة أو العالية أو الحشرات، والبعض يراها مرضا بالمعنى المجازى، يتعلق بمشاعر خاصة بين كل من وبين هاتفه، بكل مافيه.. ويرى د. أنور حجاب أستاذ علم النفس بجامعة عين شمس، أن «النوموفوبيا» هى تعلق زائد بالشىء وليست مرضًا نفسيًا يسبب الهلع، ولكن الهلع من فقدان الموبايل، سببه أن هذا الجهاز صغير يحمل كل أسرار حامله، فالخوف من جانب صاحبه على كشف أسراره وليس على فقدان الجهاز نفسه. وهناك من يخافون فقدان هاتفهم الخاص، لأنهم لا يستطيعون شراء هاتف غيره طبقا لإمكانياتهم المادية، لكنه أكد أن النوموفوبيا لا ترتقى لكونها مرضًا وليست لها أعراض جانبية كما يقال، هكذا يرى. مشاعر أسر وطاقة السلبية «الموبايل أصبح الصديق الأقرب.. كل واحد فى الأسرة ماسك الموبايل وعايش مع نفسه»، وهى ظاهرة ليست صحية على الإطلاق، بل تصبح ظاهرة مرضية تؤدى إلى العزلة عن المجتمع وعن أقرب الناس، فيصبح الإنسان أسيرا للجهاز، مما يفسر ارتفاع نسب إصابة الكثيرين بالاكتئاب، بعد أن يقع فريسة لمشاكله الحياتية والعملية إلى جانب ما يتلقاه من طاقة سلبية مما يقرأه على مواقع التواصل الاجتماعى يوميًا. أضاف حجاب: ما يحدث الآن يعود بذاكرتنا إلى ما أصبح حال الأسرة عليه بعد ظهور التليفزيون، فقديمًا كانت تجتمع الأسرة على الراديو، وبعد ظهور التلفزيون حتى وإن تجمعوا فيشاهد كل فرد ما يشاهده فى صمت تام دون حديث مع أحد وقليل ما تكون هناك مشاركة وتداول للحوار حول ما يتم مشاهدته. أكد حجاب على أن الشخص الذى اعتاد استخدام الموبايل دائما لن يستطيع الاستغناء عنه، خاصة إذا ارتبط ارتباطا وثيقا بطبيعة عمله، بخلاف من يحمله يقتصر استخدامه له على إرسال واستقبال المكالمات فقط فيمكنه الاستغناء عنه بعض الأحيان والاستعاضة عنه بوسائل اتصال أخرى ولكن أيضا بعض الأحيان وليس لوقت طويل. وتوقع د. أنور أن يظهر نوع آخر من التكنولوجيا الحديثة سيقضى على «الموبايل»، وسيكون هو العلاج لإدمان التكنولوجيات الموجودة حاليا، إلى جانب قرار ذاتى بالتحكم فى النفس وتقليل الاعتماد الكلى عليه. الخوف من فقدان العالم الخاص واتفقت معه فى الرأى د. سوسن فايد أستاذ علم النفس الاجتماعى بالمركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية، مؤكدة أن الخوف الزائد من فقدان «الموبايل» يعود إلى الخوف من أن يصبح الشخص بلا خصوصياته، ويظل يبحث عن أصدقائه وكيفية استرجاع أسراره وتسجيلاته التى توجد جميعها فى هذا الجهاز، فالخوف ليس فى فقدان الجهاز نفسه، فبإمكانية الكثير شراء موبايل آخر غير الذى فقد، أو استعارة موبايل آخر من أفراد أسرته. لكن الارتباط الزائد بالمحمول والرغبة المستمرة فى العزلة، يعنى أن الفرد لم يعد راغبًا فى التواصل مع واقعه الحقيقى، وإنما اهتمامه لأصدقاء المجتمع الافتراضى، بصورة تغنيه عمن حوله، ومن هنا تظهر فوبيا فقدان الموبايل، أى فقدان ذلك المجتمع الذى صنعه بيده وارتبط به. وفسرت هذا بأن بعض من لديهم مشكلات نفسية كالتوحد والرغبة فى الانعزال وعدم القدرة على الانخراط فى التجمعات الفعلية والمناسبات الاجتماعية، إلى جانب الذين لديهم مشكلات فى النطق والتحدث، هؤلاء يجدون فى هذا الجهاز وسيلة للهروب من أعين الجميع، واختيار الصور والأسماء الافتراضية فى كثير من الأحيان حتى لا يعرفه أحد. وتلفت فايد إلى أن إحجام بعض الشباب عن الزواج، قد يكون بسبب أنه مشبع بالكثير من العلاقات العاطفية الافتراضية، ومستغنى عن تحقيق هذا واقعيا، نتيجة قلة الثقة بالنفس، وترى أن علاج هذه المشكلة يكمن فى محاولة الوصول لبدائل تعوض هذا الشخص عن الوقت المهدر فى واقع ليس له وجود، بعلاج الأمراض النفسية، وإعمال العقل بدلا من الاستسلام للتكنولوجيات والإغراق فيها. وتلفت أيضا د. سوسن إلى أن فشل الدراما فى الاقتراب من الواقع الذى نعيشه، دفع الكثيرين إلى هذا المجتمع الافتراضى أو «الإعلام الاجتماعى» الذى يتحدث غالبية من عليه نفس اللغة ويعانون من مشكلات متقاربة. وفسرت أستاذ علم النفس الاجتماع ارتفاع نسبة من يعانون من «النوموفوبيا» لدى النساء أكثر من الرجال، بالضغوط الاجتماعية المفروضة على المرأة أكثر، فتجد فى «الإنترنت» ستارا لممارسة بعض الأفعال التى لا تستطيع ممارستها على أرض الواقع. النوموفوبيا .. مرض نفسى وعلى الجانب الآخر، أكد الطبيب النفسى د. محمد رمضان على أن جميع أنواع الفوبيا هى أمراض نفسية، كالخوف من الأماكن المرتفعة والمظلمة والخوف من الحشرات إلخ..، فهو جزء من القلق والاضطراب النفسى بالجهاز العصبى السمبثاوى وعلاجه هو علاج سلوكى نفسى، عبر طريقين: الأول مواجهة الشخص مباشرة بمخاوفه، ومحاولة التغلب عليها والتخلص منها بمفرده دون مساعدة أحد، والثانى هو العلاج بإزالة الحساسية، من خلال الذهاب إلى طبيب نفسى متخصص والمتابعة معه. لكنه أيضا أشار إلى أن الخوف من فقدان جهاز يحمل بعض أسرار وخصوصيات الفرد وما يتعلق بطبيعة عمله هو خوف طبيعى، وعدم الخوف فى هذه الحالة هو استهتار، فالخوف من الفقدان ليس مرضًا، كخوف الطالب من الاختبارات الدراسية، ولكن التحول إلى الخوف الذى يعيق التفكير هو خلل وظيفى واجتماعى ينتج عنه مرض نفسى.•