موقف مؤثر لأحد المسنين المشردين فى الشوارع، كان بداية انطلاق طالب الهندسة بالزقازيق «محمود درج» مع مجموعة من أصدقائه الشباب، ليؤسسوا دارًا لإيواء المشردين وتوفير حياة كريمة لهم. «بسمة» هو اسم الدار التى أشهروها، وتخطى عدد المتطوعين فيها الآن 160 شابًا متطوعًا أنقذوا خلال ما يقرب من عامين، حياة 516 مشردًا. من بين المستفيدين بالرعاية فى دار بسمة للإيواء، صبحى محمد 56 عامًا، حاصل على دبلوم مهنى، من محافظة الشرقية، الذى كان يعيش فى الشارع، بعد أن كان يمتلك العديد من محلات البلاستيك، كما اشتهر ببراعته فى التجارة، ولكنه تعرض فجأة لخسارة مالية كبيرة، واجه بعدها صراعات شديدة مع أفراد عائلته لعدم مساعدته ماليًا وتخليهم عنه وطرده من المنزل، ولم يجد سوى الشارع مأوى له، بجوار أحد الأنفاق فى مدينة الزقازيق. لم يكن «صبحى» متشردًا تخافه الناس، بل كان محبوبًا من الجميع، لأنه كان يقوم بتعليم الشباب والصغار الكتابة والرسم، ويجلسون بجواره ليستمعوا بإلقائه الشعر والتعلم منه، وهو أول حالة من بين المشردين توافق على الالتحاق بدار بسمة للإيواء، بشرط أن تسمح له إدارة الدار بالخروج مرة كل شهر للعودة إلى الشارع وتعليم الشباب والصغار الرسم والشعر. نجاح: سور المحكمة كان أرحم من أهلى «الشارع كان أرحم من العيشة مع ابن خالتى وزوجته» بهذه العبارة المشبعة بالألم والحسرة بدأت نجاح علي 55 عامًا من أبوحماد بالشرقية حديثها قائلة: إنها أول مشردة من الإناث تلتحق بدار بسمة. انفصلت نجاح عن زوجها لوجود مشاكل وخلافات بينهما ولم تحتمل ما وصل إليه الحال بينهما، من تعد بالضرب والإهانة، فقررت الانفصال عن زوجها وهمت بالذهاب إلى والدتها للإقامة بمنزل العائلة، ولكن سرعان ما توفيت والدتها، ومن هنا بدأ صراع التخلى عن صلة القرابة، حيث نشبت خلافات كثيرة بينها وبين ابن خالتها وزوجته، لعدم رغبتهما فى أن تعيش «نجاح» فى منزل العائلة، مما دفعها إلى اللجوء للشارع واتخاذه مأوى لها وأصبحت متشردة بلا مأوى وترى نجاح أن الشارع أفضل كثيرًا من المكوث مع أقاربها الذين تجردوا من الرحمة وصلة القرابة. اتخذت نجاح من سور المحكمة مكانًا للنوم والمعيشة فى صقيع الشتاء وقالت: «ربنا يكرم الأستاذ محمود هو اللى جه أخدنى من الشارع علشان أعيش فى الدار». عم عطية: لما أخويا قال لى ما أخدتش منك حاجة..عقلى راح «منه لله أخويا.. خد فلوسى ورمانى فى الشارع بكلمات مخنوقة فى حلقه المعلول بالمرار قال: «عم عطية62 سنة» إنه عمل مدرسًا فى إيطاليا فترة من الزمن، وكان يرسل الأموال إلى شقيقه ليساعده، كما كان يرسل جزءًا آخر من الأموال لشراء مساحات من الأراضى والعقارات، لتكون مصدر رزق له عندما يعود إلى مصر، لكنه فوجئ بعد عودته، أن شقيقه لم يكن مرحبًا به، بل قام بطرده من المنزل وعندما طالبه بالأموال التى كان يرسلها له رد قائلا: « أنا ما أخدتش منك حاجة إنت مجنون؟» ووقعت كلماته عليه كالصاعقة فأصيب بصدمة عصبية شديدة. راح عم عطية يجول فى الشوارع ليجمع الورق ويضعه فى ملابسه ويقوم بتعبئة الأكياس بهذه الأوراق على أنها أمواله، وعندما تلقت إدارة دار بسمة بلاغًا عن مكان تواجده، ذهبوا لإقناعه بأخذه للإقامة فى الدار وظل فريق الإنقاذ السريع للدار فى محاولة إقناعه لمدة ثمانى ساعات حتى اقتنع بالذهاب معهم وقال عطية: «أنا مش عارف أخويا عمل ليه كده معايا؟ لو أعرف إن الفلوس هتشيل محبته ليا مكنتش اديت له فلوس». فاطمة: صاحب البيت طردنى بعدما خلصت فلوسى «أنا متعلمة وواخدة كلية تجارة، بس الزمن مش بيسيب حد على حاله» قالتها «فاطمة أحمد 66 عامًا، إحدى رواد الدار، لافتة إلى أنها حاصلة على بكالوريوس تجارة من جامعة الإسكندرية، وقد ولدت يتيمة الأب والأم وتبنتها إحدى الأسر، حتى التحقت بالجامعة فقررت الاستقلال بعيدًا عنهم لإكمال مسيرتها بنفسها والتحقت بالعمل فى قسم المكتبات بكلية التربية بعد الانتهاء من المرحلة الجامعية، ثم تزوجت، لكنها كانت تواجه الكثير من الاضطرابات فى طريقة التعامل والنقاش مع زوجها، وهو ما انتهى بالانفصال بعد عدة سنوات من الزواج، وتركت العمل، ثم تزوجت مرة أخرى، وكانت هذه المرة تحظى بالكثير من الحب والسعادة، ولكن لم تدم السعادة كثيرًا فقد توفى زوجها وسرعان ما نفدت أموالها ولم يعد لديها أموال لدفع إيجار الوحدة السكنية الخاصة بها حتى اضطر صاحب الوحدة إلى طردها والإلقاء بها فى الشارع. تجولت «فاطمة» فى الشوارع حتى انتهى بها الأمر أمام مول «سيتى ستارز» بمدينة نصر، وعندما تلقى فريق الإنقاذ الخاص بدار بسمة بلاغًا عن وجود مشردة فى هذه المنطقة ذهبوا إليها لاصطحابها معهم إلى الدار وفوجئوا عند رؤيتها بآثار الكثير من الجروح والكدمات التى كادت أن تخفى ملامح وجها فقدموا لها العلاج والمأوى لتعويضها والعيش فى حياة كريمة. سنية: ابنى طردنى «سنية عبد الحميد80 سنة»، من العريش تقول إنها لم تكن تعلم أن ابنها هو من سوف يطيح بها لتتجول فى الشوارع مشردة بائسة، الجشع والسعى وراء المال كان سببًا فى جمود قلب ابنى، وتشير إلى أنه قام فى إحدى المرات بإحضار عدد من الأوراق وجعلها تبصم عليها مستغلا عدم قدرتها على القراءة والكتابة لكونها غير متعلمة، ولم يخبرها بما تحتويه هذه الأوراق وبعد أيام قليلة، فوجئت بابنها وزوجته يطردانها من المنزل ويلقيان أغراضها فى الشارع، فسافرت إلى محافظة الشرقية للعيش برفقة أخيها، لكنها فوجئت بعدم استقبالها وطردها من قبل شقيقها أيضًا، فاتخذت من الشارع مسكنًا لها حتى أخذها أعضاء دار بسمة معهم إلى الدار. «كلما ضاقت بك الحياة ساعد إنساناً لا تعرفه» كلمات مفعمة بالأمل بدأ بها المهندس «محمود درج 23 عامًا»، قائلا: صاحب فكرة إنشاء دار بسمة لإيواء المشردين، لافتا إلى أنه فكر فى إنشاء الدار عندما كان يتجول فى الشارع ووجد رجلا مسنًا ممزق الملابس كثيف الشعر وتبدو عليه علامات البؤس والشقاء، فاقترب منه وبعد أن اطمأن إليّه اصطحبه معه، ثم لجأء إلى أحد جيرانه وأخذ منه ملابس وقص شعره وحممه، وعرض صورته على صفحته الشخصية على موقع التواصل الاجتماعى «فيس بوك»، وكانت المفاجأة أن أهله تعرفوا عليه وهم من منطقة الهرم، رغم أنهم عثروا عليه فى الزقازيق بمحافظة الشرقية، وعاد إليهم بعد فراق سبع سنوات. «درج قرر بعدها نشر الفكرة ومنح الفرصة لانضمام الشباب إليه لمساعدته فى إرجاع المشردين إلى أهلهم ومن لا يجدون لهم أهلًا سيقومون بتوفير المأوى والرعاية اللازمة لهم لحمايتهم من حياة الشوارع، ومن بعدها قام بعمل الإجراءات القانونية للإشهار، وتم استئجار مكان لإيواء الحالات المماثلة، وتخصيص جناح للسيدات وآخر للرجال، وبدأنا ننطلق فى كل المحافظات حتى وصل عدد المشردين الذين تم إنقاذهم 516 مشردًا بمساعدة 160 شابًا وشابة متطوعين للعمل الخيرى، وتعتمد الدار بشكل كامل على التبرعات من الأهالى».