فتيات وأولاد فى عمر 13 سنة، جمعتهم مدرسة واحدة، لا يبدو على أحدهم أنه يعانى من كل تلك المشاعر التى حكوها لنا، أمنيات مكبوتة وصرخات غاضبة، وحزن لا يعرف إلى أين سيأخذ صاحبه. حلقة مفقودة بين ما يشعر به الآباء والأمهات وما يصل لبناتهم وأولادهم، تحتاج إلى مصارحة وإلى خطوات كثيرة، على كل منهم أن يخطوها نحو الآخر، فقد توفر على الجميع القلق والحزن والغضب وخيبة الأمل، وكل مايمكن أن يبقى حاجزا بين الإخوة وبين الآباء وأبنائهم لسنوات طويلة. حبيبة أبوها.. زعلانة من أمها جاكت جينز بأكمام طويلة، أسفله بلوزة قطن مع بنطلون جينز كالذى ترتديه أغلب فتيات اليوم، ومع ذلك تتمرد «ملك سامح» على هذه الملابس ولا تفكر نهائيا فى ارتداء الحجاب الذى يرغب أهلها أن ترتديه، فهى تريد أن تكمل دراستها حتى الجامعة بدون «طرحة»، فالكثير من قريباتها فى مثل سنها أو يكبرونها بعدة أعوام ومع ذلك لا يرتدين الحجاب، «أحب شعرى كثيرًا، وأريد أن أغير من شكل ملابسى، لكن أبى لا يوافق، فحتى فى المناسبات لا يتركنى أرتدى الفساتين القصيرة أو بلوزات السهرة عارية الكتف، رغم أن كثيرات من بنات عائلتنا يرتدين ما يرغبن بكل حرية وأنا أريد بعضًا منها لنفسى». تشكو ملك من تعنيف والدتها المستمر لها، وإحساسها أنها تعامل أختها وأخاها الأصغر منها بطريقة أفضل منها، وإن اعترفت بأنها تقضى أغلب وقتها مع هاتفها المحمول، مما قد يؤثر على نظرها ومذاكرتها، لكنها كانت تنتظر أن تنصحها والدتها بلطف بدلا من أن تضربها وتكسر هاتفها وتلقى به من النافذة أمام عينيها، متوعدة بأنها لن تشترى لها واحدًا آخر، بالإضافة إلى ما تقوم به الأم من إيغار صدر الأب تجاهها وتجاه إخوتها ليضربهم على أخطائهم «مش عارفه أرضى أمى إزاى، فإذا طلبت منى تنظيف المنزل أو شراء الطلبات أوغسل الصحون أطيعها، وإذا طلبت أنا منها شيئًا ترد قائلة: أنا مش الخدامة اللى جبهالك أبوكى قومى اعملى حاجتك بنفسك». ما يضايق ملك أيضًا من والدتها هو أنها تفرق بينها وبين أخيها لأنه «الراجل» رغم أن عمره لم يتعد العشر سنين، فهى تعامله كالرجل الكبير وأعطته مطلق الحرية فى توبيخ أختيه، حتى ينشأ على أنه صاحب الكلمة والرأى بعد والده فى المنزل وأن يتعودا على أن يخشياه». «أعتبر نفسى صديقة أبى» هذا ما قالته ملك عن والدها رغم أنه لا يعطيها مساحة كافية من الحرية، فهو «يسمعها لما بتحكى»، فعندما تواجه مشكلة مع أصدقائها أو حتى والدتها يكون هو أول من ترتمى بأحضانه، وأكثر ما تحبه فيه هو «النقاش» فهو يتناقش معها حتى فى أخطائها حتى لا تكررها مرة أخرى. سارة: مش طايقة بيتنا باللى فيه على عكس صديقتها، والدة «سارة سمير» تشجعها على ألا ترتدى حجابها وتخلعه وقتما تشاء، ولكن سارة تصر على الحفاظ على غطاء رأسها فقط بداعى «التعود» عليه وكونه يتماشى مع «استايل» ملابسها. لسارة أحد عشر أخًا وأختًا، فمنذ 15عامًا تزوجت والدتها من رجل أعمال خليجى، وبعد إنجابها انفصلا وتزوجت بآخر وأنجبت منه خمسة أطفال، وهو تزوج بأخرى وأنجب ستة أبناء. ورغم إن والدها يزورها فى عطلة الصيف ويلبى لها كل طلباتها، أو يأخذها معه لتقضى الصيف مع إخوتها فى الخليج، لكنها تشعر أن حياتها مشتتة، فأمها لا تريدها أن ترتدى الحجاب لأن والدها هو من طلب منها ذلك، كما أنها لا تعطيها نفس مشاعر الحب التى تحتاجها، «أشعر أن أمى تفرق بينى وبين إخوتى الخمسة فى الاهتمام والحنان، رغم أنى من أحتاج الحنان أكثر منهم لأنى لا أرى والدى إلا مرة كل عام، وهذه المشاعر تجعلنى أحب أن أخرج من المنزل لأذهب مع أصدقائى لأى نزهة، لكن إذا خرجت يومين متتاليين، تصفنى بأنى قليلة الحياء ويجب أن التزم المنزل». رحاب: هاتفى يعوضنى عن إهمال أهلى لى أما عن رحاب محمد فهى تعشق الموسيقى وتتمنى أن تدرس العزف بمعهد الموسيقى العربية ولكن والديها يرفضان الفكرة رفضًا تامًا بل ليست مطروحة للنقاش، ولكنهما يقبلان فكرة أن تكون الموسيقى هواية بجانب دراستها، وبالفعل اشترى لها والدها «أورج» لتتعلم الموسيقى ذاتيًا فى المنزل عبر الإنترنت وفيديوهات «اليوتيوب»، فالمدرسة التى تريد الذهاب إليها بالمعادى، وهى منطقة بعيدة للغاية عن منزلها. رحاب لم يجبرها أهلها على ارتداء الحجاب، لكنهما يرفضان أن ترتدى الملابس المكشوفة التى ترغب فى ارتدائها فى المناسبات، لكن أكثر ما يضايقها أنها تشعر أن أسرتها لا تهتم بها، ولهذا تعتبر هاتفها هو صديقها،«أجلس مع هاتفى معظم وقتى خاصة فى الإجازة، حتى دروس السباحة أذهب إليها مع صديقتى، لأن والدتى تعود متعبة من عملها، وكذلك أبى وأخوتى فى عملهم طوال اليوم تقريبًا». لا تجد رحاب من يستمع إليها من أسرتها، فتحكى ما يضايقها إلى أصدقائها، رغم أن والدتها وأختها صديقتين، متسائلة «مش عارفة المشكلة عندهم ولا لازم آخد أنا خطوة ناحيتهم». روضة: أتمنى أن يموت أبى صديقتها «روضة وائل» لا تحتاج الاهتمام فقط من أهلها، بل تحتاج الرعاية أيضًا، لا تفارق نظرة الحزن عينيها، انفصل والداها منذ أن كانت جنينا فى رحم والدتها، وعاشت طفولتها بين أحضان والدتها، لكنها ليست متواجدة دائمًا، فأمها سكرتارية بأحد المستشفيات، وتبقى معظم الأوقات بالعمل حتى تكفل مصاريف الحياة لها ولابنتها، فالأب لا يلقى لصغيرته بالًا، وحين عرض عليها أن تعيش معه ومع إخوتها من زوجته الأخرى اشترط عليها عدم رؤية أمها أبدًا ما تبقى من عمرها وهو ما رفضته روضة. تقول روضة: لايوجد آباء لا يعنفون أبناءهم عن طريق «الزعيق والصوت العالى» لأنهم يظنون أن تلك هى التربية السليمة ، لكن أهلى يعنفونى طوال الوقت الذى يتواجدون فيه، أظل بمفردى بالمنزل معظم الوقت، إخوتى مع أبى ووالدتى فى العمل، وكل ما أتمناه ألا أعامل بالإهانة أو «الشتيمة». بحزن تقول عن والدها:أتمنى أن يموت، فهو لا يهتم بى، ولا أجده بجانبى عندما أحتاجه، فوقته كله لإخوتى يلبى كل طلباتهم، ولا يفكر فى أن يعطينى حتى مصروف يدى، أو حتى عيدية فى العيد مثل باقى أبنائه، حتى أننى أصبحت أكرههم أيضًا». هذه المشاعر المؤلمة دفعت روضة لأن تفعل أشياء غريبة: «قصيت شعرى من الزهق» قالتها وهى تضحك، دخلت الحمام ومعها مقص وقصت ثلاثة أرباع شعرها، وعندما شاهدتها والدتها ضربتها، ولكنها لم تندم على ما فعلته، فكانت قد طلبت من والدتها أن تقص شعرها بالكوافير لكنها لم توافق، لذا قصته بنفسها، فهى معترفة أنها أحيانًا «تعند» أمام والدتها، وأحيانًا أخرى تصبحا صديقتين. مقالب زياد وعناد سلمى مع أمهما سلمى وزياد، الأولى فى الثالثة عشرة من عمرها والثانى يكبرها بعام، طفلان لأم محاسبة السيدة هى ليلى، التى تشكى منهما الأمرين، تصف سلمى بأنها عنيدة وتحب ارتداء الملابس الكاشفة وترفض الحجاب رفضًا تامًا، ولكن لا تعد هذه مشكلة بالنسبة لأخيها، تعتقد ليلى أن ابنها زياد يعانى مرضًا نفسيًا، وقالت «أتمنى أحضنه لكن مش بيوافق» ويقترب من والده بعيدًا عنى، لمضايقتى. فى أحد الأيام ظلت تبحث عن زياد بالمنزل، ولم تجده وسألت الأقارب والجيران بلا نتيجة، وبنهاية اليوم بعد ساعات من التوتر والقلق والخوف عاد إلى المنزل وأخبرها أنه اختبأ فقط ليضايقها. فى رأى سلمى أن والدتها عنيفة فى التعامل معهما، وأحيانًا تجبرهما على تنظيف المنزل بالكامل هى وأخوها مع «الزعيق والشخط» وهو ما يخيفهما، كما أنها تلمزهما بالألفاظ وليس هذا وحسب بل الضرب بأى شىء فى يدها إذا غضبت منهما. وبالحديث مع زياد قال: إنه لا يتضايق من والدته أو المنزل فى أى شىء، فقط يرغب فى ألا يكمل تعليمه ويكتفى بالشهادة الإعدادية وينزل إلى سوق العمل ليكّون مستقبله ولكن طلبه قوبل بالرفض وهذا ما يضايقه. •