للوهلة الأولى قد تخال أن الشتائم والسباب هى ألفاظ تصدر من فئة معينة أو قد تصدر من الرجال فى عمومهم أكثر من النساء، أو قد نلجأ للشتائم فى أوقاتنا الصعبة ومواقفنا التى نعجز فيها وأمامها لتكون الشتيمة هى حيلة البعض الوحيدة للشعور بالانتصار أو الحصول على حق ما! والحقيقة أنه تظل الشتيمة هى ثقافة جمعية تتغير مفرداتها من زمن لآخر ومن بلد لآخر ومن فئة لأخرى ليبقى بعيدًا ذلك التصور الذى يقول إن السباب هو نتاج الغضب فقط لنتفاجأ أننا من الممكن أن نشتم فى عز الفرح والسعادة وقد نرحب بصديق غائب بشتيمة ما وقد نشتم أولادنا بألفاظ نسب بها أنفسنا ونخال أن ذلك تربية وتهذيب لأولادنا! ومن جيل إلى جيل تتغير لغة الشتائم وتتغير تلك المفردات التى نجدها شتائم خاصة بجيل من الشباب يبدأ فى نقلها للمجتمع رويدًا رويدًا، بينما ينقل هذا الجيل كلمات كانت فى الماضى «سباً أو شتيمة» لتصبح فى قاموس كلامه العادى بعيدًا عن أى غرض للإساءة أو التجريح! فنجد مثلاً أن كلمات قد تصف المرأة قديمًا بأوصاف سيئة مثل «مرة أو نسوان» نجدها اليوم تعود إلى مكانها الصحيح فى اللغة وتنتقل إلينا بشكل طبيعى من بيئات شامية ولبنانية لتدرج فى وصف الأنثى بعيدًا عن التجريح بين أوساط من الناس صاحبة ثقافة رفيعة إلى حد ما، بينما تظل نفس الكلمات ألفاظًا للتجريح والإهانة فى أوساط دنيا وبين العوام!! الأمر الأكثر إدهاشًا هو أن تتحول بعض الأسماء لبعض الشخصيات من المكروهين فى المجتمع وأصحاب شهرة ما فى مجال ما إلى «شتائم وسب» فى حد ذاتها ليصبح إطلاق اسم هذا الشخص مع شخص آخر هو سب للآخر نظرًا لتصرفات وأفعال صاحبها المشهور وبناءً على الانعكاس الحقيقى لدى المجتمع على ذلك الشخص!! لم تعد الشتيمة تلك الكلمات التى تقذفها فى الهواء بل باتت موقفًا وطريقة فى تعبير البعض عن رزية حتى وإن كان من النخبة المثقفة بل لعلك تستغرب لو علمت أن أغلب النخبة فى أى مجتمع تلجأ للشتائم فى معرض حديثها غالبًا أثناء برامج متلفزة أو إذاعية أضف إلى ذلك ما يحمل الفيس بوك وتويتر وباقى مضادات التواصل الافتراضى من سباب وشتم ليساعد فى ذلك اعتقاد من يشتم فى مواقع التواصل الاجتماعى بأنه بعيد كل البعد عن أى مساءلة قانونية أو أى مواجهة حقيقية مع الشخص الذى يشتمه وأن جدران الفيس بوك أو حوائط تويتر قد تكون حقيقية حوله فلا يطاله طائل أو يعرفه أحد! المرأة اليوم تجد فى السباب والشتائم تنفيسًا عن الغضب خاصة أن الكثير من النساء بدأن فى الحصول على مناصب مهمة ورفيعة، فلم تعد أغلب النسوة يخشين الطعن بالشتيمة بل فى بعض الأحيان قد يهاب المجتمع من المرأة الشتامة التى فى قرارة نفسها لا تخشى شيئًا وقد يفكر الرجل مرات عدة قبل أن يقف خصمًا أمام امرأة من السهل عليها أن تشتمه أو تسبه أمام الناس دون خوف أو رادع، أما المرأة فقد تلجأ للشتيمة «خاصة لو كانت من العوام» عندما تشعر بالقهر والظلم أو أنها سلب حق من حقوقها أو ظلمت من أى طرف من أطراف المجتمع، بينما المرأة صاحبة المكانة والمنصب فقد تلجأ للشتيمة فى السر وخلف الجدران ولو منحت قوة أكبر ربما تجدها تنطق بالشتيمة بين الناس من مبدأ الحرية والمساواة بالرجل فى مجتمع مازال تدهشه المرأة الشتامة على قدر خوفه أو ذعره منها. وفى النهاية تظل الشتيمة باللفظ أو بحركات معينة من الجسد هى لغة فى حد ذاتها وثقافة تتطور وتأخذ أشكالاً عدة تزداد مع الوقت فى شوارع الحياة التى فقدت الصبر أمام ضغوط الحياة!