روائح مختلطة بين مواد كيماوية وغازات، ومعطرات تحاول أن تمحو رائحة التجارب الصيدلانية، تستقبلك بمجرد مرورك من أبواب المبنى الزجاجى حديث التفاصيل والهيئة، بكلية الصيدلة، جامعة عين شمس. فى غرفة على يسار إحدى طرقات الكلية، تجلس الدكتورة رانيا حتحوت؛ الحاصلة على جائزة الدولة التشجيعية لعام 2014 فى مجال العلوم، أمام مكتبها المملوء بأوراق وأدوات بحثية وأجهزة إلكترونية، وعلبة حلوى زجاجية ملونة لاستقبال القادم، وتحية الذاهب.. «يجب أن تنقسم حياتنا بين وقت للبحث والمعرفة وآخر للترفيه».. هذا هو مبدأ أستاذة الصيدلة، قالته بابتسامة بشوشة، قادرة على تحويل التفاصيل العلمية بأسلوبها الشيق إلى متعة. د. رانيا، الأستاذ المساعد بصيدلة عين شمس، اختارت التخصص فى قسم الصيدلانيات والصيدلة الصناعية، وهو القسم المكلف بوضع العقار الطبى، فى «ناقلات» أشبه بالعربة التى توصله إلى المكان المحدد، الذى يحتاج للعلاج داخل الجسم، دون أن يذهب إلى أماكن غير مرغوبة ويؤثر فيها، أى أن مهمته هى علاج مشاكل الأدوية الناجمة عن الآثار الجانبية. حاملة الأمل حصلت د. رانيا على جائزة الدولة التشجيعية، عن أبحاثها فى مجال الأمراض المزمنة، كان أبرزها ما يتعلق بأمراض السرطان وهشاشة العظام وضغط الدم، وأبحاث خاصة بالجينات.. «نضع الجين على الحامل-العربة- ليصل إلى مكان المرض المحدد فى الجسم»، ونشرت هذه الأبحاث فى مجلات عالمية مرموقة، من أفضل عشر مجلات فى عالم الصيدلة. • ما أحدث طرق العلاج فى مجال بحثك؟ - عندما سافرت العام الماضى بمنحة علمية فى قسم الكيمياء بجامعة لانكستر فى إنجلترا، اكتشفنا أبحاثا جديدة تتمثل فى العلاج باستخدام الكهرباء، من خلال التحكم فى إدخال الدواء للجسم للتأثير على المنطقة المستهدفة، حين يشعر المريض بالتعب والحاجة إلى العلاج، ثم إيقاف تأثير الدواء حين يشعر المريض بالتحسن. وتوصلنا فى آخر أبحاثنا التى أجريت فى نهاية عام 2017 فى مجال الوراثة الطبية، إلى إمكانية حمل جين على ناقل وتوصيله إلى مكان المرض، «مما يساهم بشكل كبير فى علاج السرطان المنتشر عبر مُستقبل يتكون على سطح الخلايا السرطانية». تشرح رانيا: «نضع جينا مخصوصا لمهاجمة الخلايا السرطانية، على عربة تحتوى على مادة تجعل الجين يستهدف هذه الخلية، دون أن يتوجه إلى الخلايا الأخري»، وحصل البحث على جائزة الدكتورة إكرام عبدالسلام العلمية، والمخصصة للأبحاث الناجحة فى مجال الوراثة الطبية. • ما العوائق التى تواجهك فى إجراء أبحاثك العلمية؟ - لا توجد عوائق كثيرة، فالقسم بالكلية مدعوم بأجهزة حديثة، وأصبح هناك تطور مع مرور الزمن فى مجال البحث العلمى.. وفى بقية الأقسام حرص العمداء السابقون على إحضار أجهزة متطورة للمعامل والأقسام المختلفة. «نمتلك الكثير من الأفكار البحثية البسيطة وغير المكلفة، ويمكن تطبيقها، لكننا نحتاج فى نفس الوقت إلى تعاون مشترك بين الشركات والصناعة لتصل أبحاثنا إلى النور ويستفيد المرضى منها». • ماذا تعنى لك جائزة الدولة التشجيعية عام 2014؟ - أن يجرى العلماء أبحاثًا فى بلادهم ويتم تقديرهم وتكريمهم عليها، أمر له طعم مختلف تمامًا، فرغم حصولى على جوائز كثيرة من جامعات كبيرة على مستوى العالم، فالتقدير من بلدى يحفزنى على الاستمرار فى البحث العلمى، رغم المشاكل والصعوبات المادية والمعنوية التى يمكن أن تواجهنا.. وحصولنا العام الماضى على نوط الامتياز من الطبقة الأولى منحنا شعورًا كبيرًا بتقدير الدولة للعلماء واهتمامها بهم .. «كنا نظن هذه الأوسمة والأنواط تقتصر على المجال العسكرى، ولكن وصولها إلينا كعلماء مؤشر قوى على التقدم». من بين الجوائز أيضا، حصلت على جائزة أفضل بحث علمى مرتين من مؤسسة مصر الخير الداعمة للعلم، بحضور وزير البحث العلمى وشخصيات علمية بارزة، وعلى جائزة من المؤسسة الأوروبية للعلوم، بالإضافة إلى جائزة من إحدى أهم دور النشر الهولندية على مستوى العالم. • كيف نشجع الشباب على البحث العلمي؟ - من الضرورى أن نحرص على إبراز الإنجازات العلمية، ونعمل على تبسيط العلوم للشباب، ونجعل منها مجالا مشوقا يستمتع الشباب به، وبالفعل أجرينا مبادرة» منتهى العلم للاستمتاع»، شارك فيها علماء بشرح أفكار الأبحاث للطلاب بطريقة مبسطة، تشجعهم على العمل فى المجال.. و«يجب أن يكون للإعلام دور كبير فى تقديم العلماء كنجوم مثلما يحدث مع مشاهير الكرة والفن، ليتحولوا إلى قدوة يسعى الشباب لاتباع مسيرتها».•