تلك المسكينة التى تتنفس كذبًا تحكى أنه كافأها بعناق طويل وقبلة حانية ومساج لقدمها المتعبة البنت التى تسألها صويحباتها: «انتى مش بتلبسى غير الأسود ليه طول السنة»؟.. فترد: «معلش أصل عندنا حالة وفاة».. وهى لا تملك غيره. الزوجة التى لا تكف عن «شير» الأشعار والخواطر الرومانسية على «فيس بوك».. لتعطى صورة أنها تعيش سعيدة ومبسوطة «24 قيراط» رغم أنها أتعس أهل الأرض. الابن الذى يعتذر كل مرة عن عدم حضور والده للمدرسة بداعى أنه مريض خشية أن يصفعه ويقلل من شأنه أمام أصحابه. الابنة التى تنشر دوما أدعية لأبيها الميت على «الفيس بوك» وتطلب له الرحمة، بينما تتذكر سوط «حزامه» الذى كان يقطع جسدها فى حياته ولسانه البذيء الذى لم يكف عن إهانتها. الزوج الذى يسمى زوجته «نور عيني» على موبايله لمجرد أن يقنعها بأنه يحبها ويتخلص من اتهاماتها التى لا تنتهى بأنه «لا يقدر قيمتها». الأصناف السابقة قد تكون كاذبة «شرعًا».. لكنها «كذبة بيضا» ولولا هذا الكذب لفكروا فى الانتحار وخصوصًا «الجنس اللطيف». حواء تلك الروح المسكينة التى لا حول لها ولا قوة.. التى تنتظر طوال الوقت كلمة حلوة.. إشادة.. تقدير.. ليل نهار تشاهد مسلسلات وأفلامًا وترى تضحيات البطل الذى تتمناه لتلتفت فتجد «دكر بط» ينام بجوارها صعد شخيره إلى عنان السماء.. فتضيق عليها الأرض بما رحبت وتقرر أن تعيش فى عالم موازٍ نسجته بقلبها لا بعقلها! فى هذه اللحظة تستجمع كل مقومات أنوثتها قبل أن تندثر.. وتقرر أن تواجه العالم بشخصية خيالية فتقوم بنشر الصور الرومانسية الساخنة، وتذهب إلى «بيوتى سنتر» أو «حفافة» - بحسب بيئتها- لأنها قررت أن تتجمل لذاتها.. تضع العطر فى بيتها وزوجها ليس فيه لمجرد أن تستنشقه.. وقد يصل الأمر لأن تتخيله يقول لها كلامًا معسولاً هى تعلم أنه سيعيش ويموت ولن يقوله.. لكن عقلها الباطن يصر على أن يردده على مسامعها! تلك المسكينة التى تتنفس كذبًا، تجدها فى جلسات النساء لا تكف عن «النخع»، حتى تستطيع أن ترفع عينيها وسط أصحابها.. فتحكى تارة أنه كافأها بعناق طويل عقب غيابه عنها طوال اليوم، وبقبلة حانية قبل أن يغادر المنزل صباحًا، ومساج ليلى لقدمها المتعبة.. وتقسم أنه أول من لاحظ «تسريحتها الجديدة»، رغم أنه عندما سألته عنها نهرها قائلاً: «إيش تعمل الماشطة فى الوش العكر»! تتقنع نفسها أن الكذب - أخف الضررين - فهى لم تجد من تلجأ له بعد الزواج.. من يهتم بتفاصيلها الدقيقة، من يلاحظ البيجامة الجديدة التى اشترتها، من يشاركها آلامها قبل أفراحها.. من يمكن أن يكون صدره متسعًا لوجعها.. من تستطيع أن تحكى له بدون فواصل وهى تشعر بأمان الدنيا كله.. من يشكرها كل يوم على كل وجبة ويلعق أصابعها بدلاً من ال«dessert» لكنها تكتشف أنها تعلف «تيس»! والحقيقة أنها ليست وحدها الكاذبة.. فهناك الآلاف إن لم يكن الملايين من بنى جلدتها اللاتى يحتملن آلامًا تفوق التصور. واحدة تدعى أن العرسان لا يكفون عن طلب يدها.. ولم يمر عريس أمام منزلهم منذ أكثر من 5 سنوات.. «هل تنتظرون أن تقول لكم أنها عانس»؟.. دعوها تكذب.. اتركوها تتنفس وتخرج الشحنة التى بداخلها.. جبر الخواطر على الله.. أخرى «رفيعة» - معضمة، تتمتم ليل نهار: «أنا جسمى زى عارضات الأزياء» وكأنها باريس هيلتون.. اتركوها تكدب.. هى تعلم يقينا أن الفارق بينها وبين «هيلتون» مثل كفر الشيخ وشرم الشيخ.. لكنها تريد أن تصدق أنها «باليرينا» وليست «عصاية ومتعاصة لحم». ثالثة بدينة يتدلى «كرشها» تقسم أن زوجها يراها «كيرفي».. وهو ليل نهار يناديها بكل أسماء الحيوانات. اتركوا السمراء تهاجم «البيض» من قريناتها وتشارك أغانى «منير» على صفحتها.. دعوا القصيرة تسخر من الطويلة.. ولا تزايدوا على المطلقة التى تطنطن ليل نهار عن الحرية التى نالتها رغم أنها باتت «أضعف من العصفور »! دعوهم يكذبون.. اتركوهم يحلمون.. الحلم ليس حرامًا.