لن أنسى هنا موقف الضابط قابيل لأنه وقف يناور بفرقة مدرعة واحدة فى مسافة بين السويس والإسماعيلية تحتاج لثلاث فرق من الشمال إلى الجنوب حيث يثبت الإسرائيليون فى الجيب.. وكان يمكن أن يتغير الموقف لو أننا كنا ننوى خرق إطلاق النار بدلاً من الإسرائيليين، بحيث ينضم الجيشان اللذان كانا فى الشرق، ويضغطان على الثغرة التى تسلل منها الإسرائيليون إلى الغرب وهى 6.5 كيلو متر، فتنتهى فى الحال.. الإمضاء: الرئيس أنور السادات فى ص354 كتاب «البحث عن الذات» متحدثًا عن أحداث الثغرة. وفى سياق آخر كتب الرئيس: «بعدما اتضح الموقف لى جمعت القادة كلهم وكان معى الفريق أحمد إسماعيل القائد العام للقوات المسلحة والفريق الجمسى مدير العمليات والفريق حسنى مبارك والفريق محمد على فهمى قائد سلاح الصواريخ، وكانوا جميعًا من رأيى وهو أنه لم يحدث شيء يستدعى القلق.. فأعطيت الأمر الذى أعتبره أهم من قرار 6 أكتوبر.. بألا ينسحب جندى واحد ولا بندقية واحدة ولا أى شيء على الإطلاق من شرق القناة، وأنه علينا أن نتعامل مع الغرب حسب الأوضاع الموجودة ثم بدأت أتصل بنفسى بفريق المدرعة فى الغرب وكان يقودها ضابط اسمه قابيل وهو بطل من أبطال أكتوبر وقلت له: «ثبت الإسرائيليين ولا تجعلهم يتمكنون من التوسع وإياك أن تشتبك معهم إلى أن تصلك الإمدادات». هذا ما قاله الرئيس السادات عن البطل عبدالعزيز قابيل أحد أبطال وقادة حرب أكتوبر المجيدة وعبدالعزيز قابيل أحد نجوم مصر ونادى الزمالك فى كرة القدم بالخمسينيات حيث لعب لنادى الزمالك فى خط الدفاع وهو أحد النجوم واللاعبين أصحاب الجهد الوافر والعطاء المستميت فى خط الدفاع، مركز الظهير الأيمن جوار علاء الحامولى ويكن حسين وحمدى كروان وهمامى وأبو حباجة وحنفى بسطان صمام أمان الدفاع المصرى وأقوى الخطوط الخلفية أثناء عقد الخمسينيات الذين كان قابيل أبرزهم وأكثرهم إنكارًا للذات وقصة كروية إنسانية تستحق السرد بداية من ميلاده فى 14 مارس سنة 1927 بمنيا القمح شرقية، فى قرية العزيزة حيث شهدت شوارعها الخالية مداعبته للساحرة المستديرة، وأيضًا فى مدرسة الألفى الابتدائية بمنيا القمح، ثم الزقازيق الثانوية التى شهدت ميلاد نجوميته الكروية بحق، ولعب فى دورى المدارس وحين انتقلت أسرته للقاهرة التحق بمدرسة التوفيقية.. ثم انتقل لشبرا الثانوية بالقسم المخصوص «الداخلي» لتفوقه الكروى، ثم فى السنة النهائية التوجيهية انتقلت الأسرة إلى ضاحية حلوان وكان لابد من التحاق الكابتن بفريق المدرسة تسبقه شهرته، وفورًا قام نور الدالى كابتن حى حلوان بضمه إلى الفريق. شاهده حسين كامل كشاف الأهلى وكابتن مكاوى نجم وهداف الفريق فحصلا على توقيعه وضمه للأهلى عام 47 وهو فى التوجيهية وتألق فى صفوف الفريق الأبيض (الثاني). العام التالى مع انطلاق مباريات الدورى الممتاز موسم 47/ 48 خاض مع الفريق الأول بالأهلى اللقاء الأول بديلاً للظهير القوى همامى الذى كان يعد قابيل لخلافة همامى.. وبعد عدة لقاءات أعجب محمد حسن حلمى «مدير الكرة» بفاروق أداء هذا الظهير الذى تمت تزكيته لحيدر باشا رئيس النادى ووزير الحربية الذى التقى باللاعب صيف الموسم وعرض عليه الانتقال لنادى «فاروق» فرحب قابيل وخاصة أن وزير الحربية سيحقق له حلم حياته ومستقبله فى الالتحاق بالكلية الحربية.. وقد كان انتقل قابيل لنادى «فاروق» وانضم للكلية الحربية وتألق فى الاثنتين حيث أصبح أحد الطلاب المتفوقين فى الكلية، واللاعبين المتألقين فى صفوف نادى فاروق، وإثر ذلك انضم لمنتخب مصر الوطنى.. وكان ضمن التشكيلة المثالية التى سافرت للمشاركة فى الأوليمبياد بهلسنكى 1952، وأصبح لاعبًا أوليمبيًا.. وأثناء تواجد البعثة المصرية فى الأوليمبياد قامت ثورة يوليو 1952، وكان قابيل ومعه صديق العمر علاء الحامولى وأيضًا عصام بهيج زملاء الدفعة بالكلية الحربية وجيران الملعب فى فاروق.. ومنتخب مصر.. كما شارك قابيل فى إحراز مصر لذهبية البطولة العربية الأولى لكرة القدم التى استضافتها الإسكندرية.. وكذلك دورة ألعاب البحر المتوسط سنة 1953.. وساهم فى إحراز ثلاث بطولات لكأس مصر مع الزمالك. كما شارك ضمن صفوف المنتخب العسكرى لكرة القدم وكان أحد الركائز الأساسية فيه. عام 1955 أصيب فابتعد عن الملاعب وهو فى قمة مجده.. وكان يحمل رتبة نقيب فى سلاح الفرسان ولكنه انتقل للمدفعية.. وتم نقله إلى السويس، كقائد أورطة «سرية» تتكون من 17 دبابة واشتعلت نيران الحرب «العدوان الثلاثي» الغادر ولم يتدمر من دبابات سرية قابيل سوى دبابتين.. وظل فى الجبهة يترقى وحصل على دراسات أركان حرب حتى جاءت حرب 1967 وكان وقتها برتبة البكباشى «مقدم» قائد كتيبة باللواء الثالث المدرع، وشهد سنوات حرب الاستنزاف بكل ما فيها من شراسة وقوة فى القتال، وحتى جاءت أكتوبر حرب العزة والكرامة والأخذ بالثأر، وكان العقيد عبدالعزيز قابيل قائد الفرقة 19 مدرع وأبلى فيها بلاءً حسنًا.. والمثير أنه من القيادات القليلة التى تمت ترقيتها أثناء الحرب كما أبلغه بذلك القائد الأعلى للقوات المسلحة الباسلة. فى لحظات فارقة توقفت المعركة كلها على قابيل قائد الفرقة رابعة المقاتلة الذى أخذ يناور ويقتص من العدو الإسرائيلى الذى حاول بثلاث فرق أو لنقل بكل قواه الأساسية والاحتياطية اكتساب أى أرض «فى الثغرة» ولكن هيهات. إن الفرقة الرابعة المدرعة بقيادة العقيد عبدالعزيز قابيل سجلت بشرف وقوة إنجازها فى تاريخ العسكرية الحديث بعد تغلبه على ثلاث فرق من العدو دون أن تكون هذه المواجهة فى الحسبان لا من العدو الذى حمل بكل قواه بمساعدات خارجية الله أعلم بمداها، وسبحان الله القائل «كم من فئة قليلة هزمت فئة كثيرة». 22 أكتوبر توجه العالم بأكمله صوب «الدرفوسوار» فى انتظار ماذا سيفعل الجندى المصرى أمام هذه القوة الكاسحة التى أصبحت عفوًا «مكسحة» أمام جلد وإيمان وبسالة الجندى المصرى الذى حطم كل القيود والخطط الاستراتيجية وغيرها، وحافظت الفرقة 19 على مكتسبات الجيش المصرى بالكامل، نعم فالمعركة فى الثغرة كانت فاصلة احتار فيها القادة المصريون وأيضًا من إسرائيل الوحيد الذى فك شفرتها العقيد عبدالعزيز قابيل الذى اتصل به القائد الأعلى خمس مرات فى اليوم مشجعًا ومؤازرًا ومؤيدًا لخططه.. وكان هناك خط اتصال مباشر مع القائد العام الذى زاره فى الموقع.. وخط اتصال مع رئيس الأركان الذى وقف بجواره.. ورئيس جهاز المخابرات الذى أمر بترقيته أثناء المعركة التى دارت رحاها على مسافة 22 كيلو متر وغير ذلك الكثير.. عقب حفاظ اللواء 19 على المكاسب التى تحققت والصمود المدوى وانتهاء الحرب، كان العميد قابيل ضمن القادة الحاصلين على نجمة الشرف العسكرية أعلى وسام عسكرى، ثم فى العام 1976 تولى قيادة المنطقة العسكرية الغربية «الجبهة الأصعب» حتى عام 80 تم تعيين الملحق العسكرى لمصر فى واشنطن لأربع سنوات عاد بعدها لتولى رئاسة مركز الدراسات الاستراتيجية والعسكرية فى القاهرة بمدينة نصر حتى عام 1990 وكان هو خاتمة مناصب العسكرية. أما بالنسبة لمناصبه الرياضية بعد ذلك فقد تولى عام 1990 الإشراف العام على الكرة بناديه وبيته الزمالك ثم مديرًا عامًا للنادى عام 92، فنائبًا لرئيس النادى عام 96.. ثم أخيرًا نائبًا لرئيس اتحاد الكرة سنة 2000 وبها ونعمت. مازال يستمتع بدفء الوطن والأسرة والأحفاد وآلاف الجنود والتلاميذ الذين نهلوا من علمه واستمتعوا وتعلموا من قيادته وخبراته فى الحياة، إنه أحد رموز الحياة المصرية المعاصرة. «على...»