ثلاثة محاور جديدة اعتمدت عليها الولاياتالمتحدةالأمريكية والغرب لتنفيذ سيناريو ترسيم حدود الشرق الأوسط لتحقيق ثلاثة أهداف هى: «التحكم فى النفط، وإنهاء فكرة القومية العربية، وحماية أمن إسرائيل». وتتجاوز المحاور الثلاثة الأخطاء السابقة التى وقع فيها البريطانيون والفرنسيون فى التقسيم الأول «سايكس - بيكو» حيث يتم العمل على محاور «ثنائية الثروة والسكان، وتأجيج الانقسام بثالوث المذهبية والطائفية والعرقية، وأمن إسرائيل». وتشير التوقعات إلى أن إتمام تنفيذ السيناريو قد يستغرق نحو 25 عاماً يتم فيها تفتيت دول المنطقة إلى دويلات صغيرة ضعيفة تفتك بها الكوارث والصراعات والأزمات. أما المحور الأول «ثنائية الثروة والسكان»، فتسعى الولاياتالمتحدة من خلاله لإعادة ترسيم الحدود لعدم رضاها عن الحدود التى رسمتها إنجلترا وفرنسا لدول المنطقة فى أعقاب الحرب العالمية الأولى، لأن هذه الحدود حملت فى طياتها عدم مساواة فى توزيع الثروة. وفى هذا الصدد يشير الاقتصادى الفرنسى «توماس بيكيتى» إلى أن الثروة النفطية تتركز فى عدد قليل من البلدان ذات الكثافات السكنية القليلة، فمثلا دول (السعودية، والكويت، والبحرين، وقطر، وعمان، والإمارات) تسيطر على ما بين 60 و70% من الثروة، بينما يقدر عدد سكانها ب16% فقط من إجمالى 300 مليون نسمة يقطنون هذه المنطقة. ويضيف «بيكيتى» وهو مؤلف كتاب «رأس المال فى القرن الواحد والعشرين»، الذى يعد واحداً من أشهر الاقتصاديين فى العالم المهتمين بنظريات توزيع الدخل وتطور توزيع الثروة، إن مصر مثلا تحظى بأعلى نسبة كثافة سكانية فى المنطقة، والمقدرة ب27.4%، بينما تستحوذ على أقل معدل للثروة، وهو 9.4%، تليها إيران التى يبلغ معدل الكثافة السكانية بها 26%، وتسيطر على 18.2% من الثروة، لتأتى بعد ذلك دول العراق، وسوريا، والأردن، ولبنان، واليمن، مجتمعة بمعدل كثافة سكنية 30.5%، ومعدل ثروة يبلغ 13.4%. ويوجه «بيكيتى» نقداً لاذعاً للأنظمة الغربية، ويحملها مسئولية عدم المساواة فى توزيع الثروة بالمنطقة، لأنهم هم من أسسوا هذه الدول، ودعموا الأنظمة الحاكمة، مؤكداً أن تنظيم (داعش) نتاج مباشر لتفكك النظام العراقى. ويتضمن المحور الثانى الذى يجرى على أساسه تنفيذ سيناريو التقسيم تأجيج ثالوث المذهبية والطائفية والعرقية، الذى يعد البذرة الأولى لهذه الفكرة التى ظهرت عام 1957 على يد إسرائيل، وكان الهدف منها هو تفتيت لبنان، ومع مرور السنوات واندلاع الحرب الأهلية اللبنانية عام 1975 شرعت إسرائيل فى وضع استراتيجية هدفها تفتيت دول المنطقة على أساس دينى وطائفى وعرقى ونشر وباء «اللَبْنَنَة» فى المنطقة، الذى تعتبر الطائفية أول أعراضه، يليها عسكرة المجتمع مع العمل على تشابك الصراعات وتعدد الجهات الفاعلة به، بهدف إضعاف السيادة الوطنية، بحيث يكون الوضع مهيأ لنشر الفوضى، ومن بعده تفكيك الدولة لدويلات طائفية وعرقية. ومنذ بدء خطة التقسيم كانت أعين إسرائيل على تقسيم الدول العربية، حيث كانت تهدف إلى تقسيم العراق لثلاث دويلات: «سنية»، و«شيعية»، و«كردية»، وكذلك تقسيم سوريا إلى «علوية»،، و«درزية»، و«سنية»، أما الأردن فينقسم لقسمين: الأول للبدو، والثانى للفلسطينيين، مع تحويل السعودية لفسيفساء قبلية، إلا أن هذه الخطط لم يلتفت إليها العالم العربى، لأنه كان يرى أن هذه الدول أقوى وترتكز على دعائم صلبة. وفى هذا السياق سبق أن وصف وزير الخارجية الأمريكى الأسبق، «هنرى كيسنجر» العراق بأنها الخط الفاصل بين العالمين السنى والشيعى، وأن مصادر ثروتها لها تأثير بالغ على بلدان بعيدة، لذلك فإنه لم يكن غريباً أن تكون هى المحطة الأولى لتقسيم المنطقة عبر خفوت دور الدولة لصالح الأعراق والمذاهب والطوائف المتصارعة. ومع نجاح سيناريوهات نشر الطائفية بالمنطقة، لا سيما فى العراقوسوريا واليمن، يتساءل البعض عن المدى الزمنى، الذى ستحتاجه الأطراف المتصارعة للاقتناع بعدم قدرة أحد على الانتصار، لاسيما أن عمليات النزوح تتم بحسب الانتماءات المذهبية والسياسية ليس فقط داخل الدولة الواحدة، وإنما فى المنطقة ككل، ويرى خبراء أن هذه الأجواء الطائفية تساهم فى نشر الفساد فى المجتمع، لأن الفاسدين يستغلون الطائفية، بحيث يحتمون بطوائفهم فقط، ليتهربوا من المحاسبة، مستغلين هشاشة النظام، ليستمروا بالحكم وهم فى الواقع لا يقدمون لأوطانهم أو حتى لطوائفهم أى شىء سوى الشعارات. وعلى الرغم من قدم نظرية التقسيم على أساس طائفى، فإنها لم تظهر، ويتم تداولها على نطاق واسع إلا بعد أن تبنتها دوائر المحافظين الجدد فى عهد الرئيس الأمريكى جورج دبليو بوش، وهدف الطائفية الأبرز هو أن تتخلى المنطقة عن ثوبها العربى، وهو أمر تم تنفيذه فى سيناريو رسم الحدود الأول، حيث تم زرع الكيان الصهيونى بالمنطقة، التى تم تسميتها بالشرق الأوسط كبديل عن الشرق العربى، والآن يجرى العمل على قدم وساق لتحويل الشرق الأوسط إلى شرق أوسط كبير، ليمتد من حدود الصين شرقاً، حتى المغرب غرباً. ويتقاطع مع هذا التوجه ضمان أمن إسرائيل، فالغرب أعاد تشكيل الشرق العربى مطلع القرن الماضى، لزرع دولة إسرائيل بالأساس بالمنطقة، ومن ثم، فإن تكرار سيناريو رسم الحدود يعتبره البعض محاولة غربية جديدة لمساعدة دولة الاحتلال فى ظل عمليات الإنهاك تلك لشعوب وجيوش المنطقة لتكون هى المستفيد الأكبر، لأنها بمنأى عن تلك الصراعات، ولأن ما سيتفتق عنه ذلك الصراع من تقسيم طائفى للمنطقة سيخدمها من جهة إضفاء شرعية على وجود دولة يهودية بالمنطقة. وفى هذا الصدد، يتساءل الكاتب الأمريكى، توماس فريدمان: إذا كان الشرق الأوسط تأسس فى أعقاب الحرب العالمية الأولى على يد رئيس الوزراء البريطانى «ونستون تشرشل» وفقاً لمصالح بريطانيا المدنية والعسكرية ما ترتب عليه أزمات وصراعات دائمة لم تنتهِ، فهل من المنطقى أن يعاد تكرار السيناريو، لكن مع فارق طفيف، وهو أن الأمر لم يعد يأتى من أعلى، بل من خلال إضرام الصراعات فى صدور سكان الدولة الواحدة، وهو ما يعنى أننا سنكون إزاء صراعات أشد فتكا من سابقتها؟! •