المصريون على مدى سبعين عاماً مع الإنجليز هى سنوات الاحتلال فأخذ المصريون الكثير منهم.. وقد حرص الإنجليز أحيانا على أن يزرعوا فى المصريين الكثير من الأفكار الإيجابية أحيانا والسلبية أحيانا أخرى، ولم يستطيعوا أن يتخلصوا من الكثير منها حتى الآن.. البعض رأى أن اعتزاز المصريين بعروبتهم حال بينهم وبين الاستفادة من مزايا التقدم الحضارى لدى البريطانيين، والبعض رأى أن البريطانيين تعمدوا عدم إفادة المصريين من حضارتهم.. لكن السبعين عاما تركت الكثير من الأثر فى حياة المصريين.. حتى إن لم يدركوا ذلك. أخذتنا العزة بالقومية العربية إمبراطورية إنجلترا التى لا تغيب عنها الشمس، أصبحت مع بداية القرن العشرين تحتل أكثر من نصف كوكب الأرض، وكان لها دور فى التأثير فى تشكيل المنطقة بعد انهيار الدولة العثمانية.. الذى كان مختلفا من دولة لأخرى. وفى مصر، كما يقول الدكتور سعيد صادق أستاذ الاجتماع السياسى: «تعاملنا مع المحتل بعكس ما تعاملت الهند التى كانت «جوهرة بريطانيا» فقد أقر غاندى أنهم دولة متخلفة ولابد أن يستفيدوا من المحتل المتقدم، وبعكس ما استفادت الدول التى كانت تحت الاستعمار الفرنسى حيث أخذوا الثقافة واللغة الفرنسية. ومع أن تعليمنا كان ضعيفاً.. لكن أخذتنا القومية العربية وأخذنا «نقاوح» ونكابر ونحن نقول «متلويش لسانك وتتكلم زى الخواجة» فلم نأخذ من ثقافتهم أو علمهم وقت الاحتلال، وكان عدد السكان أقل والشوارع نظيفة والحال أفضل، ولكن لم نعد كذلك لأنهم هم من كانوا يتابعون الانضباط وكان فى كل وزارة مساعد أو مستشار أجنبى، فكان فيها انضباط لكن بعد ذلك وللأسف ما استمر هو الثقافة الريفية والقبلية. لا يوجد سوى الشاى هو ما أخذوه عن الإنجليز عندما كانت تجلبه من الهند فيمر على مصر. فانتشر بين الأغنياء ثم الفقراء ووضع الفلاح المصرى بصمته عليه ب 8 ملاعق سكر!! ويتفق مع هذا الرأى الدكتور محمد عفيفى رئيس قسم التاريخ بآداب القاهرة، قائلا: الإنجليز لم يؤثروا فى المصريين اجتماعياً، لأن طباع الإنجليز وعاداتهم تختلف جذرياً عن طباع المصريين، فلم يقلدوهم حتى فى أسمائهم ولم يتكلموا بلغتهم وتوقف تأثيرهم اجتماعياً على المصريين عند شرب كوب الشاى!! كانوا فى برج عاجى على الجانب الآخر ترى أستاذ علم الاجتماع بجامعة قناة السويس نادية رضوان: أن من الطبيعى أن يكون هناك تأثر بثقافة البلاد الأخرى، فالآن على الرغم من بعد المسافات وآلاف الأميال التى تفصل بيننا وبين أوروبا فالتأثير موجود فما بالك بالاحتكاك الثقافى المباشر. وتضرب المثل بالبسطاء من السائقين الذين عملوا لدى الإنجليز فلم يأخذوا منهم أو من عاداتهم شيئاً، سوى شرب الشاى، فقد كانوا يعيشون عيشة بسيطة جداً فى غرف ملحقة بالبدروم. لكن الشرائح الأعلى ثقافياً أخذت من الإنجليز تعليم البنات الكروشيه والخياطة وتعلم الفنون والموسيقى كدروس البيانو، فقد كانوا فى أبراج عاجية لا يؤثرون إلا فيمن يتعامل معهم من البشوات والتجار. ولو نظرت للحى الأفرنجى فى الإسماعيلية وبورسعيد وبور فؤاد تكتشف الاهتمام بالفيللات والمستعمرات الخاصة بسكن الإنجليز، بطراز مميز يتميز بالأناقة والجمال، وعلى بعد 100متر أزقة شعبية. الإنجليز لم يحتكوا بالفلاحين ولم يذهبوا لعششهم، فاقتصر تأثيرهم على الطبقات العليا، الذين كانوا بالفعل متأثرين بسفرياتهم لأوروبا ورؤيتهم للطابع الإنجليزى فى عقر دارهم، وهى الطبقة التى تملك المقدرة على المحاكاة لعمل حفل كوكتيل ولبس السواريه. فى رأى د. نادية أن الإنجليز استنزفوا مصر خلال فترة احتلالهم، فالأحياء الراقية كانت لهم كجاردن سيتى. والسكة الحديد التى كانت ثانى أفضل خطوط حديد فى العالم بعد بريطانيا، لم تكن لأجل عيون مصر بل لنقلهم ونقل بضائعهم من المدن للموانئ من أجل تجارتهم، واقتصرت إفادتهم للمجتمع على وجود مدرس إنجليزى ليدرس اللغة فى مدرسة، أو استشارى إنجليزى فى بعض الوزارات. عقدة الخواجة الدكتور حسام أبوالعلا أستاذ الدراما بالمعهد العالى للسينما، له رؤية ومحاضرات قيمة حول امتزاج الحضارات والثقافات يقول عن التأثير البريطانى فى الشعب المصرى: «هناك مبدأ أساسى أنه طالما حدث تعايش فمن المؤكد حدث تأثر بين الثقافتين، فالثقافة نأخذ ونعطى، فنحن المصريين نعمل بقلبنا وتتحكم فينا عواطفنا لكن المحتل كان له منهج عقلى فى العمل فوجد الصراع بين العقل والقلب.. وأثر فينا هذا المنهج العقلى، فخرج طه حسين وعباس العقاد ومحمد عبده وكان هذا هو التأثير الإيجابى، أما السلبى فقد ظهرت قلة الثقة فى أنفسنا وإيماننا بذواتنا لوجود فكرة الخبير الأجنبى دائماً وربوا فينا «عقدة الخواجة» ورسخوا فكرة الإعجاب بكل أجنبى والتقليل من كل ما هو محلى. ظاهرة أخرى سلبية كان الإنجليز هم السبب فيها هو غياب العقلية التجارية وروح المغامرة وزرع الخوف والميل للاستكانة رغبة فى الاستقرار والأمان حتى «يسوقونا» حتى يكونوا هم أصحاب المشاريع وظهر شعار «إن فاتك الميرى اتمرمغ فى ترابه» ليظل المصريون مستخدمين وتابعين لهم، عكس ما كانوا ينفذونه فى بلادهم فكل المشاريع لديهم غير تابعة للحكومة وملك أفراد.•