الأزهر.. حكاية ألف عام من النضال لرفع راية الإسلام الوسطى من التصدى للحملات الفرنسية إلى كبح أطماع الانجليز وكشف الصهاينة تصدى الأزهر الشريف عبر تاريخه الطويل الممتد لأكثر من ألف عام للعديد من الحملات التى كانت تسعى للنيل منه وهدم قيمة وقامة إسلامية كبرى فى العالم، وخاض الجامع العريق العديد من الحروب والمواجهات التى كان يشنها الغزاة والمستعمرون، الذين جاءوا من أجل تقسيم البلاد ونهب خيرها وثرواتها، وجاء اليوم الذى يقف فيه الغزاة الجدد فى خندق واحد مع الاستعماريين وحملات طمس الهوية الإسلامية عن مصر، وينادون بهدم المؤسسة العظيمة وتقليص دورها، ولا يخفى على أحد أن الحرب المعلنة على الأزهر الآن هى حرب على الإسلام؛ لأنه الحصين الأخير فى العالم الاسلامى للدين السمح والصورة الوسطية الصحيحة عن الإسلام، ومن يروج لهذه الحملة يسعى بكل قوة إلى تصدير صورة واحدة عن الإسلام صورة العنف والإرهاب ونشر الفكر بالسيف تماما كما يريد الدواعش ومن صنعهم تصديرها للعالم. يقف الأزهر الشريف اليوم فى مواجهة حرب شعواء يشنها الدواعش الجدد والموالون لهم وصانعوهم، تماما كما وقف فى وجه الاستعمار الفرنسى ونابليون بونابرت، وفى وجه الاحتلال الإنجليزى ومحاولات النيل من عنصرى الأمة فى ثورة 1919، وفى وجه الصهاينة وصد العدوان الثلاثى، فليس بالجديد علية خوض المعارك والحملات لإعلاء كلمة الإسلام، وراية الدين الوسطى الصحيح، فتلك هى رسالته التى ظل ولا يزال يكافح ويناضل من أجل إرسائها على مر العصور حتى اليوم. تاريخ طويل من النضال كان الأزهر ولا يزال كعبة يحج إليه طلاب العلم من كافة بلدان العالم يقتبسون من نوره ومقامه العظيم، وكان إنشاؤه عام 972 ميلاديًا جامعًا كبيرًا يجتمع فيه المسلون لصلاتهم ويدعون إلى شئونهم من فوق منبره، ومنذ إنشائه حتى اليوم أسهم فى تخريج العلماء والفقهاء والمحدثين ونشر العلم فى بلدانهم عن طريق سفرائه من طلبة العلوم الشرعية والفقهية. يقول الدكتور ثروت مجدى أستاذ التاريخ بجامعة عين شمس: منذ النشأة الأولى للأزهر وهو يتمتع بمكانة كبرى وشهرة ذائعة الصيت حول العالم وتم تدريس علوم القرآن والحديث والفقه إلى جانب علوم اللغة والنحو والصرف والبلاغة والأدب، ثم أصبح مدرسة حرة تدرس فيها العلوم العقلية والمدنية بجانب العلوم الشرعية، وكانت من بين محطات النضال للجامع الكبير تلك الوقفة التى وقفها أمام الاستعمار الفرنسى، وقيادة شيوخ الأزهر لثورتى القاهرة الأولى والثانية ضد الفرنسيين، فعلى الرغم من محاولة قادة الحملة الفرنسية التملق إلى الأزهر وعلمائه فإن بعض المشايخ قاموا بدعوة الناس لحماية الأزهر من الغزاة، وبدءوا ينادون فى المدينة لحثهم على ذلك، وتحول الأزهر إلى مقر قيادة الثورة. وتم تشكيل مجموعات مسلحة ببنادق عتيقة وبالعصى والسكاكين وأخذت تقيم المتاريس وتقف من خلفها،وقد أحس الفرنسيون بالخطر منذ الساعات الأولى للصباح وأبلغوا نابليون، واحتشد بالأزهر العلماء والجموع الغفيرة وعمت الثورة أنحاء القاهرة فى لمح البصر،ولما اشتد غضب الثوار ضد الفرنسيين حاول نابليون وقف الثورة وأرسل مشايخ الديوان والعلماء الكبار ليطلبوا من الثوار وقف الثورة فرفضوا، لكن الفرنسيين اقتحموا الجامع الأزهر بخيولهم، وأعدموا ستة من مشايخ الأزهر مما زاد من حماس المصريين وقرروا استكمال مسيرتهم حتى انتصروا. وينقلنا المؤرخ محمد علم الدين إلى مرحلة أخرى من كفاح الأزهر ونضاله لطرد المستعمر الأجنبى من خلال موقف الأزهر من الإنجليز: فقد كان لشيوخ الأزهر دور كبير فى إشعال الروح الوطنية ضد المحتل الانجليزى، خاصة عندما حاول المحتل الإنجليزى زرع الفتنة الطائفية بين المسلمين والأقباط فى مصر، فكان الأزهر صمام الأمان الذى فطن لمحاولات المحتل، وتعاون شيوخ الأزهر والقساوسة الأقباط، وخطبوا فى الأزهر والكنائس ضد المحتل الإنجليزى، ولا ننسى دوره فى ثورة 1919م، أذكى الأزهر روح الثورة ضد الاستعمار البريطانى، وكان الأزهر معقلًا للحركة الوطنية تنطلق منه جماهير الشعب، حتى إن المندوب السامى البريطانى طلب من شيخ الأزهر أبى الفضل الجيزاوى آنذاك إغلاق الأزهر، ولكنه رفض، وبقى الأزهر يتحدى السلطات الاستعمارية، وفى ثورة 1952 بارك الأزهر تحرك الضباط الأحرار ضد الطغيان ولا أحد ينسى موقف الجامع الكبير من التحالف الفرنسى البريطانى الإسرائيلى عام 1956م، وكان هدفهم إصابة المصريين بالصدمة والخوف من مواجهة ثلاث دول، فذهب جمال عبدالناصر للخطابة من فوق منبر الأزهر كرمز تاريخى، وخطب خطبته التاريخية التى كانت علامة فاصلة فى الأحداث وقتها، ليعلن عدم استسلام مصر ووقوفها صامدة مقاومة ضد العدوان الثلاثى. الحرب على الوسطية يرى الشيخ جمال عبد الناصر عبد العزيز من علماء الأوقاف أن علماء الأزهر كانت لهم الريادة فى إرجاع الكثير من المتشددين عن الفكر التخريبى الإرهابى؛ لأنهم استخدموا معهم الفكر الإسلامى الوسطى الصحيح فى شئون حياتهم كلها، فلا إفراط ولا تفريط، وهذا الدور الذى يسعى وبقوة أعداء الإسلام إلى نفيه عن الإسلام ولا يقوم به فى تاريخنا المعاصر إلا الأزهر الشريف، وهو أمر مهم جدا وضرورى؛ لأن غياب الوسطية والصبر والحلم فى الدعوة إلى الله، واستخدام الأساليب الحكيمة فيها من أهم أسباب انتشار الغلو والتطرف فى المجتمعات، وبيان مبدأ اليسر والسماحة فى الإسلام من أهم الأمور التى تعالج ظاهرة الغلو والتطرف، ولا بد من تضافر جهود المسلمين جميعًا على مختلف مراكزهم ومسئولياتهم، وبخاصة العلماء منهم على محاربة الغلو والتطرف بالتحذير الدائم منه، وهذه رسالة الأزهر والأوقاف فى الوقت الراهن مما يجعله فى مرمى نيران أعداء الإسلام. ويضيف عبدالناصر أن تصحيح المفاهيم الخاطئة التى يحملها المتطرفون، ويظنون أنهم يحسنون صنعًا بالعمل وفقها، تجعلهم لا يريدون لمثل تلك المؤسسات أن تظل تقف على قدميها، ولا بد من الوقوف إلى جانب الأزهر فى هذه الحرب الشعواء التى تسعى للنيل من الإسلام ولابد من إعلان المواقف الواضحة. ويروى الدكتور مصطفى عبد الرحمن أستاذ الشريعة بكلية الحقوق أن الأزهر فى حربه اليوم يواجه عدوًا منتشرًا فى كافة بلدان العالم وليس فى بلد واحد؛ لأنه يحمل على عاتقه حماية الهوية الثقافية العربية الإسلامية، والدفاع عن قيم الوسطية والاعتدال فى الفكر الإسلامى، ونشر العلوم الشرعية واللغة العربية، والتصدّى لتيارات التطرف التى تشذ عن صحيح الدين وتنحرف عن الحق. ويؤكد د. عبدالرحمن أن الأزهر مؤسسة تعليمية ثقافية علمية ومجمع للعلوم الإسلامية والبحوث والدراسات تعمل على خدمة الثقافة والفكر الإسلاميين، وتقدم زادًا معرفيًا روحيًا للمسلمين فى كل مكان، وهو أيضا منبر لإعلام الدعوة وشيوخ العلم وأقطاب الفكر والثقافة الإسلامية، فمن هيئاته الرئيسَة مجمعُ البحوث الإسلامية، وهيئة كبار العلماء، والمجلس الأعلى للأزهر، إلى جانب جامعة الأزهر، التى تضم أكثر من خمسين كلية تستوعب الآلاف من الطلاب، وشبكة واسعة من المعاهد الأزهرية، وهى المدارس الدينية التى منها ينتقل الطلاب إلى جامعة الأزهر، ويبلغ عددها المئات من المعاهد، تغطى مختلف أنحاء مصر. وللأزهر حضورٌ واسعٌ فى عدد كبير من دول العالم، فى آسيا وأفريقيا وأوربا والأمريكيتين وأستراليا من خلال المبعوثين من الوعاظ والأئمة والمدرّسين الذين ينقلون ثقافة الاعتدال والوسطية إلى العالم، وينشرون التعليم العربى الإسلامى على نطاق واسع. لهذا يقف فى مقدمة الدفاع عن مبادئ الشريعة الإسلامية السمحة والفكر المستنير وعن القيم الراقية، أى يقف فى وجه الاستبداد سواء أكان ذا طابع سياسى أم فكرى ثقافى، وفى وجه الهجمات التى تستهدف تمزيق النسيج الوطنى المصرى ونشر الفتنة الطائفية، ويقوم بدور بالغ الأهمية فى مقاومة الفكر المضلل الذى ينشر المبادئ الطائفية المتعصبة؛ لهذا كله يتعرض لهذه الحملة التى سينتصر فيها كما عودنا على الانتصار على كل فكر ضال أو مستعمر ظالم.