الملكة فريدة // منصور حسن الوزير... والملگة! تخرجت من كلية فكتوريا أرقي وأغلي كلية في مصر وفي الشرق الاوسط وأفريقيا والكلية كان لها فرعان: فرع في الاسكندرية وفيه درس وتخرج منها جلالة الملك حسين ملك الأردن الراحل والمخرج المصري العالمي يوسف شاهين: وفرع آخر في شبرا بالقاهرة تخرج منها الفنان العالمي عمر الشريف وتوأمه الروحي أحمد رمزي. ثم انتقلت الكلية علي مساحة 25 فدانا في صحراء جبل المعادي وكانت تضم ستة ملاعب لكرة القدم وأربع ملاعب تنس وملعبين لكرة السلة الي جانب جمنازيوم وحمام سباحة كبير ومدرسة لتعليم ركوب الخيل فقد كان للرياضة اهتمام كبير من الكلية التابعة لجامعة أكسفورد بانجلترا وكان بها أيضا قسم داخلي يسع لحوالي 20 طالبا معظمهم من جميع أنحاء الوطن العربي وقد تخرج منها كثير من الوزراء والرؤساء في بلادهم. وفي كلية فكتوريا بالمعادي بدأت مشوار رحلتي مع العلم والتعليم والثقافة.. علمونا أن لا نصم المقررات بل نفهمها علمونا ان نناقش ونحترم الرأي الآخر. وفي الصيف كانت الكلية تنظم لنا دراسات صيفية في جامعة أكسفورد بانجلترا لمدة ثلاثة أسابيع تشمل حضور المهرجان السنوي الكبير لوليام شكسبير في بلده (ستراتفورد) وكان والدي حريصاً علي إشراكي في هذه الدراسة الصيفية كل عام والتي عمقت معرفتي بالأدب الإنجليزي في كل عصوره وخاصة اعمال العبقري شكسبير الذي جعلني أعشق المسرح والتمثيل منذ سنواتي الأولي في الكلية وقد قمت بتمثيل معظم مسرحيات العظماء أمثال شكسبير وبيرنارد شو وسومرست موم حيث كان من ضمن دراستنا تمثيل هذه الاعمال الدرامية كل أسبوع ومناقشتها. ومن كلية فكتوريا تخرج رجال سياسة عظماء في مصر وفي جميع أنحاء العالم العربي ومنهم الأستاذ منصور حسن الذي علمت عند دخولي الكلية انه قد تحدي الإدارة الانجليزية وتزعم ونجح في إنهاء الدراسة يوم الجمعة ظهراً في الحادية عشرة حتي يستطيع الطلبة أداء صلاة الجمعة في مسجد بالمعادي قبل ان يتبرع المرحوم والده ببناء مسجد بالقرب من المدرسة وكان الطلبة يتحدثون عن هذا الثائر المتدين الذي استطاع تحدي إدارة الكلية الإنجليزية في عصر كانت المشاعر كلها ملتهبة ضد الاستعمار بجميع أشكاله في أفريقيا واسيا بقيادة الزعيم جمال عبد الناصر.ولم يسعدني الحظ للقاء الأستاذ منصور حسن فقد تخرج قبل مني بسنوات الي ان أصبح منصور حسن وزيراً للإعلام في وقت قمة تألق برنامجي النادي الدولي.وذات صباح قرأت ان الملكة فريدة ملكة مصر استقبلها الرئيس السادات هي والأميرات بناتها وأعطاهن جوازات سفر مصرية.. وكالعادة فوراً فكرت في خبطة جديدة للبرنامج.. (حوار مع ملكة مصر فريدة) وبالبحث علمت انها تسكن بجواري في الزمالك فأخذت كاميرا تلفزيون وذهبت إليها وطرقت باب الشقة ففتحت لي سيدة ترتدي بلوفر صوف أبيض وبنطلون أسود.. قلت مندهشاً: جلالة الملكة فريدة! قالت: ده كان زمان أنا دلوقتي الفنانة التشكيلية صافيناز ذو الفقار أي خدمة؟ قلت: ممكن أعمل حوار مع حضرتك للتلفزيون المصري؟ قالت: إتفضل وعلي مدي ساعتين دار بيني وبينها حوار رائع بهرتني بساطتها وإبتسامتها التي لا تفارقها والرقي والصراحة في كل كلماتها. قالت: أنا بشكر الرئيس السادات الذي جعلني أري مصر وكأنني أراها لأول مرة فقد عشت 41 سنة سجينة في القصور الملكية وحوالي مؤامرات الحاشية التي أفسدت الملك فاروق أبو بناتي وحبي الأول.. فقد أحببته فعلاً وأحبني هو أيضا ولكن والدته الملكة نازلي وتصرفاتها والحاشية التي كانت تحيط بالملك أبعدوه عني وساعد ذلك عدم إنجابي لفاروق ولياً للعهد.. وأوعي تصدق ما كتب أو قيل من مبالغات عن فاروق فهو لا يشرب الخمر ولا يطيق رأحتها.. وكان يعشق مصر ويكره الإنجليز الذين حاولوا إغتياله عدة مرات.. أشهرها حادثة السيارة في القصاصين وقطع حديثها دخول الأميرة فريال كبري بناتها ومعها صينية عليها أكواب شاي وبعض قطع الكيك وأخذت توزع الشاي علي الطاقم الفني المصاحب لي قبل ان تقدمه لوالدتها أو لي بمنتهي الشياكة ومنتهي البساطة ومنتهي الرقي.. حقيقي أميرة وبنت ملك! وبعد تناول الشاي أكملت الملكة فريدة حديثها معي وقالت: عارف يا أستاذ سمير بناتي سافرن مع أبوهم سنة 52 وقعدت سنين طويلة محرومه منهن ومن رؤيتهن وممنوعة حتي من السفر ولما مات فاروق سمحوالي بالسفر لرؤية بناتي.. كنت غريبة عنهن كن ينادينني يا مدام.. والكلمة دي كانت بتموتني.. لحد ما جه يوم كنت ماشيه في الشارع مع فريال بنتي وكان الجو شتا والثلوج تغطي الشارع والرصيف وفجأة كدت أنزلق فصرخت فريال وقالت حاسبي يا ماما.. وكانت دي أحلي كلمة سمعتها في حياتي بنتي بتقولي يا ماما وأحتضنتها بقوة وأخذت أبكي بشدة وهي في حضني!ورأيت الدموع في عين جلالة الملكة وكأنها تعيش تلك اللحظة مرة أخري وتناولت فنجان الشاي وشربت منه وأكملت حديثها معي: عارف يا أستاذ سمير أنا دلوقتي عايشة أحلي أيامي لأني في بلدي ومعايا بناتي وبشوف مصر بعيون تانية.. أنا رحت الموسكي ومشيت هناك وزرت سيدنا الحسين والسيدة زينب أنا دلوقتي حاسة أني حرة نفس الاحساس الجميل اللي حسيت بيه وانا في باريس لما عرفت ان الجيش المصري عبر قناة السويس أكتوبر 73 ولقيت نفسي بسقف وببكي وانا ماشيه في الشانزلزيه وأخذت أقول لكل العابرين بجواري أنا فرحانه أنا مصرية أنا منتصرة!وإنتهي حديث الملكة معي وجريت علي التلفزيون عشان أعمل مونتاج علي الحلقة بدون حذوفات ولكن السيد الرقيب الذي شاهد هذه الخبطة الإعلامية كان له رأي أخر حيث قال لي الحلقة لا تذاع يا أستاذ! قلت له: ليه يا أستاذ؟ قال الست دي بتتكلم كويس قوي قلت له: وحضرتك متخيل ان الملكة فريدة ملكة مصر 41 سنة ابنة ذو الفقار صبري باشا التي تربت في أعرق مدارس سويسرا حتتكلم وحش ما هي لازم تتكلم كويس يا أستاذ قال: جري أيه يا أستاذ سمير إنت بتدعو لعودة الملكية لمصر ولا ايه؟ فقلت له: هو انا لما أحترم التاريخ وأقدم للمشاهد صوت وصورة من اللي عاشوه ده في نظرك غلط؟ قال: يا أستاذ سمير لما التلفزيون الحكومي.. تلفزيون الدولة.. يقدم الملكة فريدة بالشكل ده معناه أنه بيقوم بتوجيهات لتلميع الملكة وده ممكن يثير ويغضب السيدة حرم الرئيس من فضلك مش عايزين وجع دماغ! ولم أقتنع بكلام الأستاذ الرقيب وقررت أن أصعد للدور التاسع لمقابلة الأستاذ منصور حسن الذي استقبلني ببساطة ورحب بي أيضا لأنني من خريجي كلية فكتوريا التي تخرج منها وطلب مشاهدة شريط الحلقة في مكتبه وجلست بجواره نشاهد البرنامج ودخل علينا الأستاذ صفوت الشريف رئيس هبئة الاستعلامات في ذلك الوقت وأخذ يشاهد الحلقة معنا وعند انتهائها قال لي الوزير: رائع كالعادة يا أستاذ سمير انا مش فاهم ازاي الاستاذ الرقيب معترض علي هذا السبق الاعلامي الجيد وهنا تدخل الاستاذ صفوت الشريف قائلا: انا يا فندم لي رأي الحلقة ممتازه فعلا بس بلاش الكلام اللي قالته الملكة فريدة عن الملك فاروق لان ده مختلف ومغاير لكل اللي إحنا قلناه عن الملك! وحسم الوزير المثقف منصور حسن الموقف: بالعكس يا صفوت تصحيح التاريخ مهم جداً وده دورنا دور الاعلام والكلام ده بتقوله زوجته اللي عاشت معاه 41 سنة ولما تم طلاقها من الملك خرجت الجماهير في مظاهرات في شوارع مصر حباً فيها.. أنا مش معاك يا صفوت الحلقة تذاع بدون حذف لأنه مش عيب إن إحنا نصلح أي تحريف للتاريخ! وتم إذاعة الحلقة كاملة وإزداد رصيدي من الخبطات التلفزيونية النادرة المليئة بالنجاحات وهي تواجه حالياً بإهمال شديد في مخازن التلفزيون. ومنذ ذلك اليوم وأنا أحترم جداً عقلية الوزير المثقف منصور حسن!