يكتبها ويرسمها: مصطفى بكير اجتمعنا صحبة كبيرة فى حب سيناء.. وأخذنا نتحدث عن سيناء الأرض والإنسان والتاريخ.. الكل يناقش ويدلى بدلوه فى معشوقته سيناء.. واستغربت أننا نعرف عن سيناء القليل، وهنا كان قرارى «رحلة إلى أعماق سيناء على ظهور الجمال»! أجرت جملين ومعهما سالم دليل الرحلة.. على الجمل الأول حملت فرشاتى وأدوات الرسم والجمل الثانى يحمل الماء والزاد والزواد من دقيق ومأكولات محفوظة وكميات من الشاى والسكر والقهوة. مع إشراقة يوم جديد قصدنا رحلتنا بعيدا عن الطريق المعبد هدفنا أعماق سيناء الصحراء.. ركبت الجمل ولبست زى البادية جلبابا أبيض وعليه «نبط» أى بالطو صوف وعمامة بيضاء على الرأس. ركوب الجمل شاق خاصة أننى أركبه لأول مرة فى حياتى وبدأنا الرحلة بعد الفجر عبر وادى العريش، تحفنا على الجانبين غابات الزيتون الكثيفة كأنها تعلن للعالم أن سيناء أرض السلام ومهبط الديانات. وصلنا إلى منطقة لحفن.. وهناك أطلال لدبابة إسرائيلية ضربتها المدفعية المصرية عام 48.. تحوطها مساحات كبيرة من حقول القمح والشعير وتعلوها سحب تعلن بهطول أمطار بكميات كبيرة.. واتجهنا إلى منطقة بغداد وسميت بذلك كنقطة لقواتنا المسلحة.. والجفجافة وجبال لبنى وجبال أخرى هى التى تخبئ فى جوفها كنوز مصر التعدينية.. ثم اتجهنا عبر الجبال والفيافى والوديان إلى منطقة فحم المغارة بمعسكراتها البيضاء، وأبناء مصر يستخرجون كميات كبيرة من الفحم لمزيد من الطاقة للتصنيع. والجبال المحيطة الشامخة تحكى للإنسان تاريخ سيناء وقدسيتها.. ومع مشقة السفر ووعورة الطريق وآلام الظهر المبرحة وحرارة الشمس وبرودة الليل الذى يقطع سكونه صوت الذئاب ونباح الكلاب.. كنا نشعل كميات كبيرة من الحطب لتشعرنا بالدفء، ومع كوب الشاى الذى له مذاق ونكهة خاصة ومع اللبة وصوت مذياع صغير يبعث بعض الموسيقى الشرقية كان كل ما يربطنا بالعالم الحديث. صورة رائعة للصحراء بمناظرها الخلابة وقدسيتها وتاريخها.. ومن منطقة المغارة إلى الجفجافة والحسنة ونخل وأطلال قلعة نخل القلعة العثمانية التى كانت تحمى قوافل الحجيج بين المشرق والمغرب العربى وبقايا آبار رومانية وعدد كبير من الهربات وهو مكان تتجمع فيه مياه الأمطار وتخزن للاستفادة بها طيلة العام ووادى الخفة فى وسط سيناء والقسيمة. وتطلعت هنا وهناك حيث آثار معارك 56 و67 و73 وشواهد انتصارات رجالنا فى حرب التحرير الكبرى عام 73 وكيف أن الجندى المصرى قهر الصحراء وسحق العدوان وطهر الأرض ورفع الأعلام. كنا نتبادل أطراف الحديث أنا ودليلى الذى كان يعرف كل شبر فى سيناء، كنا نسير فى الليل ونكن فى النهار خوفا من شدة القيظ ولهيب الصحراء.. كنت أتمنى أن أرسم بريشتى كل رؤية لهذه الملحمة التاريخية ولكنى بين العشرة والسعادة استطعت أن أرسم بعض الملامح لعادات وتقاليد وأفراح بدو سيناء الذين غمرونا بالكرم، وهذه من صفاتهم وبالشهامة فهم يتغنون بالجود والكرم والشهامة وقداسة العرض والفروسية، فهم قبائل عربية أصيلة وافدة من شبه الجزيرة العربية وأصول هذه القبائل فى شبه الجزيرة العربية. البدو فى أعماق الصحراء طوعوا البيئة لخدمتهم وأوانيهم الخشبية أو الفخارية غاية فى الدقة والإبداع، واشتهر صناع كثيرون بصناعة احتياجات الزراعة والحياة اليومية من البادية، فمثلا هناك «الباطية» إناء ضخم مصنوع من جذع شجرة يكفى لعشرين رجلا وهم يأكلون بأيديهم اليمنى ولا يعرفون الملاعق، ويقولون لقد أعطانا الله أيادى لنأكل بها ولايشربون المياه أو الشاى أو القهوة باليد اليسرى فهذا عيب وحرام ويدربون أطفالهم على ذلك. ومن الأوانى الخشبية «القدح - والكرمية - والهنابة»، أما الصناعات الفخارية فللشرب أو لحفظ السمن والمش والعسل فى «الجرة - والقدرة - واللجان - والكراز - والإبريق - والذبذبة والكشكولة - والمحلبة». لكل قبيلة مكان يتجمع فيه الرجال عند صلاة العصر وتمتد الجلسات حتى المساء يسمى «المقعد» وهو عبارة عن بيت من الشعر كبير، وهناك بعض النباتات التى ظهرت حديثا، يحضر أفراد القبيلة لتناول القهوة والشاى ويقود الجلسة شيخ القبيلة وهو دائما يكون الرجل المهاب والشخصية القوية التى تتصف بالحكمة والورع والقيادة، الكل يحترمه ويسمع كلامه وحكمه نافذ محترم والكل يتعاون فى تكاليف البن والشاى والسكر حتى جمع الحطب ويتم تقديم وجبات الضيافة بالتناوب ويسمى ذلك «القروة». والمقعد مكان لحل المشاكل والمنازعات وطرح القضايا والعمل الجماعى والمشورة، تنطلق منه الحلول لخدمة القبيلة وتعاون القبائل وملتقى للضيوف ومكان للمبيت والراحة. الشيخ سويلم «110 أعوام» تجاعيد وجهه تحكى للزمان قصة تاريخ سيناء، يحدثك كيف عمل مع القوات التركية وماذا فعلت فى سيناء، ثم كيف كان حكام سيناء من الإنجليز «باركر ورفس وهمرسلى» يحكى قصة عظمة الإنسان فى سيناء وصموده وتشبثه بالأرض ويستعرض بطولات شعب سيناء فى التصدى للاحتلال الإسرائيلى، وكيف استدلت البادية على الكثير من معدات الجيش الإسرائيلى وكم استشهد من أبناء سيناء. يحكى هذا وهو يشرب الدخان العربى الأخضر «التتن» فى غليونه الموروث من والده الذى صنع فى إسطنبول يحكى كيف كان يصطاد الصقور النادرة ويبيعها إلى دول الخليج بآلاف الجنيهات وكيف كانت تأخذه قبائل الخليج العربى لحل المنازعات بحكمته الفائقة فى تطبيق القضاء العرفى سواء كان فى منافع الدم وهى الضرب أو القتل، وكذلك قاضى الديار وهو الذى يقوم بحل مشاكل الأراضى، بالإضافة إلى قاضى المناشد يسمى «بالمنشد» وهو الذى يقوم بحل مشاكل الأعراض والوجوه. البدوى فى سيناء يفخر باقتنائه، الجمل الجيد الصافى ويعتز ويعتنى به فهو صديقه ويسميه بأجمل الأسامى «عرفان - أوضيحان - أزريقان» والجمل الجيد له شهادة ميلاد تذكره حتى جده السابع وهو يسابق العربة الجيب، وتشتهر قطعان الإبل بأعدادها الكبيرة فى سيناء وكل قبيلة لها علامة تسمى «الوشم» تضعها إما على عنق الجمل أو رجله أو بطنه والهدف منها أن الصحراء واسعة إذا فقد جمل وذهب إلى قبيلة أخرى ترجعه إلى القبيلة التى يتم التعرف عليها من الوشم وإذا ضرب أو اقترب منه أحد يعطى الحق فورا من صاحبه. وتعتبر إكسسوارات الجمل تحفة فنية نادرة لأنها مصنوعة من الصوف الخاص بوبر الجمال ومن أهم هذه الإكسسوارات الخرج والغبيط والميركة والمزودة والغرضة والريش والحزام. كما يعتنى البدوى بتربية الحصان العربى الأصيل، حيث توجد لدى بدو سيناء شهادات ميلاد للخيول الأصيلة يذكر فيها الأب والأم وتباع بأغلى الأثمان وتستخدم فى السباقات والزيارات - وهى رمز الفرسان وتدل على الاعتزاز والمقدرة والقوة. ومن أشهر قبائل سيناء فى تربية الخيول والتى ذاع صيتها فى شبه الجزيرة عائلة أبوصفرا من قبيلة الرميلات فى منطقتى الشيخ زويد ورفح. • المرأة.. والزواج المرأة البدوية تقطع الفيافى سيرا على الأقدام، فليست هناك مواصلات فى الصحراء إلا الجمل والحصان لمسافات طويلة جدا وعندما تسأل أحدا: أين القبيلة الفلانية يقول لك على قرطة عصا يعنى المسافة قصيرة وهذا بمعناه أن تمشى ثلاث ساعات أو أربعا أو يوما بأكمله، فعندهم المسافات الطويلة شىء عادى، والغريب أن تقابل المرأة فى الصحراء تحمل طفلها الرضيع فى شىء يسمى «المزفر» وهو عبارة عن قطعة قماش ممسوكة من حافتيها بقطعتين من جريد النخل يوضع فيها الطفل ويعلق فى رأس المرأة.. ولقد شدنى هذا المنظر الغريب ورسمته، ولا تجلس المرأة للرسم وإنما كنت أرسم الاسكتش بطريقة سريعة ثم أكمله فى طيتى. والمرأة تضع على رأسها غطاءً أسود به مجموعات كبيرة من الطرازى يسمى «الوجاية» أو «القنعة» وترتدى ثوبا أسود به مجموعات كبيرة من الموتيفات الشعبية الموروثة وحزام دم الغزال وفى يدها حلى من الفضة والضفائر المزركشة بالعملات الفضية والخرز الملون، والمرأة تقوم بالطهى والرعى وتورد المياه وتساعد الزوج فى الزراعة والرعى فهى تعمل ليل نهار لا تكل ولا تمل وتصنع الفطائر التى تسمى «الفراشيح»، كل وجبة بوجبة.. والزواج عندهم أن يرى الشاب عروسه فى السامر أو الرعى أو عندما تورد الهرابة لتسقى أغنامها وإبلها، يتقدم الشاب ومعه كبار العائلة وأقاربه لخطبة الفتاة فى المقعد، وعند الموافقة يقال له: «هات قصلتها» وهى قطعة من نبات أخضر وتقرأ الفاتحة، وهذا معناه أنه تمت الموافقة.. وتخطر أم الفتاة ويتحين العريس فرصة وجود الفتاة فى الرعى ثم يختطفها بعد أن يستأذن من ولى أمرها على جمله تاركا خبرا أنه اختطفها ويذهب بها إلى قبيلته ويقوم شيخ القبيلة المضيف بذبح شاة تكريما للعروسة وتقام له الأفراح ثم يدخل على عروسه وفى الفجر ليلة الصباحية يقوم العريس بتوصيلها إلى أهلها فورا، وذلك تعبيرا عن تمسكها بأهلها.. ثم يذهب العريس ومعه عدد كبير من أصدقائه ومعه الهدايا إلى والد العروس لإرجاعها لتستقر فى خيمتها.. ولا تزور أهلها إلا فى حالتين: الأولى عند وضع أول مولود.. أو بعد عام من الزواج. • جنة الله فى أرضه بعد صلاة الفجر ومع إشراقة يوم جديد أيقظنى العم سالم رفيق الدرب قام وهب النار ووضع عليها قرصا من العجين تسمى «اللبه» ومع قليل من المش والزعتر والدقة تناولنا إفطارنا ثم كوبا من الشاى وركبنا جملنا واتجهنا جنوبا إلى محافظة جنوبسيناء الأرض المقدسة ذات الطبيعة الخلابة والقبائل العربية ضاربة جذورها فى الأرض وعاداتها وتقاليدها وكرم الضيف والشجاعة.. وبعد أن نهبنا مسافات كبيرة من الأرض مع آلام فى الظهر وصلنا إلى مدينة تسمى «رأس سدر» مدينة صغيرة بها عمران واضح وقرى سياحية حديثة على شاطئ البحر الأحمر سكانها طيبون استقبلونا بترحاب شديد وقدموا لنا وجبة الغداء فى أحد دواوين القبيلة وتسمى «جراه» وتذكرت بعد عام 73 وبعد نصر أكتوبر المجيد عندما كنت مديرا للعلاقات العامة لمحافظة سيناء قبل تقسيم المحافظة إلى محافظتين فى الشمال والجنوب، ومع اللواء محمد عبدالمنعم القرمانى رحمة الله عليه كان محافظا لسيناء واستلمنا المدينة من القوات الإسرائيلية وكانت مدينة صغيرة بها عمال حقول البترول وبعض سكان من البادية يقطنون على مساحات شاسعة.. ثم ركبنا جمالنا وبعد الوداع والترحاب اتجهنا إلى «حمام فرعون» والجبال البنية الشاهقة وتنحدر على شاطئ فيروزى هادئ كأنه يحتمى، فى حضن هذه الجبال مغارة كبيرة تخرج منها مياه كبريتية ساخنة يرتادها المرضى، وكلما تدخل فى عمق هذه المغارة تزداد درجة الحرارة وتشفى أمراض الروماتيزم والأمراض الجلدية وتقام بجوارها أحدث قرية سياحية للاستشفاء وتتبع حمام فرعون مدينة أبوزنيمة وبها كنوز مصر التعدينية - الفوسفات - ورمال الزجاج - وخامات الأسمنت. • حمام موسى وسط غابة من النخيل تحيطها من كل جانب يوجد «حمام موسى» ويتبع مدينة الطور عاصمة جنوبسيناء «مياهه دافئة تشفى جميع الأمراض»، وبجواره كافتيريا حديثة لتقديم كل ما يحتاجه السائح.. ويرتاد هذا المكان التاريخى الأجانب وخاصة من الجنسيات الأمريكية والألمانية والفرنسية واليابانية. • الطور وبعد رحلة شاقة على ظهر الجمل والعم سالم يغنى «حداء الإبل» ويقدم الطعام والشراب وصلنا مدينة الطور.. مدينة صغيرة هادئة يتسابق فيها المعمار يقودها محافظ نشط محبوب جماهيريا اللواء خالد فودة.. الطرق فسيحة.. الكهرباء فى كل مكان.. المساحات الخضراء.. انتشار المدارس والنوادى.. الكرم شيمة البادية قدموا لنا واجب الضيافة القهوة العربى والترحاب، وبعد صلاة الظهر جماعة قدم لنا طعام الغذاء على الطريقة البدوية «المنسف» وهى عبارة عن قطع من اللحم المسلوق المطهية على نار الأحطاب والشربة وتوضع على صوانى كبيرة محملة على طبالى خشبية وبجوارها كميات من الفطائرالذى يسمونه فى البادية «بالفراشيح». • شرم الشيخ مدينة رسمها وخططها فنان مبدع على الطريقة الأوروبية.. المبانى باللون الأبيض المستويات الجبلية تحتضن القرى التى تغازل شاطئ البحر الفيروزى والسماء الصافية «المدينة تحفة معمارية حديثة» صرفت عليها مئات المليارات، طرق المرور متسعة ونظيفة والالتزام بالمرور شىء مقدس.. المحلات مملوءة بتحف سيناء من ملابس وأشغال إبرة وكنڤاه وهى لوحة لفنان مبدع، ويرتاد هذه المدينة ذات الشهرة العالمية فى مجالات السياحة خاصة الإيطاليين والألمان واليابانيين والإنجليز وهواة الغطس لمشاهدة أعماق البحر ذات الطبيعة الخلابة الساحرة. وفى المساء وعلى أنغام «السمسمية» والأغانى السيناوية الشهيرة وعلى دقات الجراكن ورقصة الدحية والمهباش والقهوة العربى قضينا ليلة رائعة وتناولنا العشاء من لحم الغزال المشوى على النار ونحن قابعون فى خيمة بدوية مفروشة بالأثاث والمفروشات السيناوية ودقات الدفوف وأنغام الشباب والأرغول. • محمية رأس محمد طوينا مسافات طويلة وسط الجبال الشاهقة عبر ممرات ودروب مع خبرة الدليل الذى يعرف كل شبر فى سيناء، وصلنا إلى محمية رأس محمد وهناك وجدت أعدادًا كبيرة من السياح وعندما علموا أننى فنان أصروا أن أرسم لهم بورتريهات بالقلم الفلوماستر وتلقيت العديد من القبلات والهدايا التذكارية وعناوين للتواصل.. المحمية تنعم بالشمس الذهبية والمناظر الطبيعية الخلابة والغريبة غابات من أشجار «المنجاروف» وهى أشجار تنبت فى المياه المالحة جذورها وأوراقها كثيفة وهى تحفة إلهية وتعتبر من معالم المحمية. • السفاري أصر أبناء سيناء على أن نقوم برحلة سفارى.. ارتدينا ثيابًا خفيفة وكوتشات وعلى ظهور الجمال وفى الصحارى قمنا بهذه الرحلة الممتعة الجبلية المنتشرة فى جنوبسيناء.. منطقة معدة وسط جبال شاهقة الارتفاع مناظر حبا الله بها سيناء وفى خيمة بدوية مضاءة بالشموع وطرق وقمم جبال مضاءة أيضا بالشموع لوحة فنية رائعة قدمت لنا كرم الضيافة قليل من اللبن والتمر ثم القهوة العربى ثم قدم لنا طعام العشاء ذبائح محشوة بالأرز والمكسرات.. ثم شربنا الشاى الأخضر والأحمر ثم ودعنا برقصات السيوف والدعاء بعودة لنفس المكان وقد أهدونى «غترة» غطاء للرأس وجلبابًا أبيض وسيفًا صغيرًا ومريرًا تذكارًا من جنوبسيناء جنة الله فى أرضه. • سانت كاترين بعد صلاة الفجر والإفطار كما تعودنا عليه اتجهنا إلى «دير سانت كاترين» جبال فى كل مكان وشعرت أن أذنى قد شدت فقال دليلى نحن الآن فوق سطح البحر ب 2000 قدم، وقدم لى عم سالم الخبير قطعة لبان لأمضغها لتخفيف الضغط.. الطريق طويل.. وعلى جانبيه نباتات البشران والشيح مما أعطى رائحة جميلة للمكان والمنحدرات والسيول كأنها أوردة فى تناغم وفى الطريق فتيات صغيرات بدويات يحملن البيض ومشغولات الإبرة السيناوية يتسارعن للبيع للسائحات.. طبيعة ساحرة وناس طيبون.. وصلنا إلى جبل «الراحة» نحن الآن فى مدينة «سانت كاترين» يقول الرواة إن القديسة «كاترين» كانت جميلة ومن عائلة أرستقراطية تعيش فى مدينة الإسكندرية عاصمة مصر فى ذلك الزمان أيام الاحتلال الرومانى جاءها فى المنام هاتف يخبرها بأن السيد المسيح خطبها ووضع فى يدها دبلة فاعتنقت المسيحية ودعت لها وحاول الإمبراطور الرومانى أن يثنيها عن ذلك فأبت وكلما أرسل لها مجموعة اعتنقوا هذا الدين الجديد فصنع لها مقصلة خاصة وضع فيها جسمها فقطعها إربا.. إربا فجاء هاتف لرهبان الدير الهاربين من بطش الرومان ابحثوا عن رفات القديسة كاترين على رؤوس الجبال، وبالفعل وبعد البحث وجدوها على قمة جبل ووضعوا هذه الرفات داخل تابوت خشبى موجود حتى الآن وسمى الدير اعتبارا من ذلك «دير سانت كاترين» تحيطه الجبال من كل مكان وهى من الرخام والجرانيت ورمال الزجاج ويقبع فى حب وسطها دير سانت كاترين.. يفتح أبوابه من إشراقة الشمس ويغلق أبوابه مع غروب الشمس، وفى حالة الظروف الطارئة يقرع جرس ومن داخل الدير ينزل كشك خشبى صغير يوضع فيه الإنسان أو الأشياء ويتم سحبها بواسطة الحبال، ومن هناك يقولون أول أسانسير تم اختراعه فى الدير والغريب أن الجبال تكتسى بحلة بيضاء من الثلج فى شهر يناير وفبراير من كل عام. الدير عبارة عن مجموعة من المبانى محاطة بسور كبير وله باب ضخم من الحديد تحرسه قبيلة تسمى «الجبالية» يعيشون فى أحضان الجبال المحيطة بالدير ويحملون مفاتيح الدير وهم طيبون ومخلصون وأوفياء وأمناء لا يعرفون الضغائن والغدر والرهبان يحبونهم ويثقون فيهم.. استقبلنا الرهبان فى محبة ومودة ورافقونا داخل الدير.. به رفات القديسة كاترين وتوابيت وأيقونات وهدايا ذهبية ولوحات ومخطوطات نادرة مهداة من القياصرة والأباطرة والملوك، وداخل الدير الكنيسة تحتضن المسجد الصغير والعديد من الغرف بها رفات الرهبان خدمة الدير وبه مخبز ومطعم وأماكن للعبادة والنوم ومن معالمه «شجرة العليقات» وهى تضىء مساء وتنوير المكان وتعتبر أحد معالم جنوبسيناء السياحية الدينية ويزوره المرتادون من كل بقاع العالم وتديره بعض البوتيكات لبيع الكروت ومنتجات سيناء التذكارية. • دهب مدينة صغيرة على شاطئ الخليج بها العديد من الموتيلات البيضاء الأرضية.. أقمت فيها ليلة واحدة حيث الإرهاق والتعب بدأت أستريح به وخاصة فى الظهر ذهبت إلى كافتيريا «القمر البدوى» وتناولت طعام العشاء على الطريقة البدوية، الجلوس على الأرض مفروشة بالأكلمة مصنوعة من صوف الأغنام وتقدم القهوة فى فناجين صغيرة وبكاريج عربية أصيلة ثم قدم الشاى وله مذاق خاص يضيفون عليه نباتًا يسمى المرمرية.. والمنطقة واعدة ولها مستقبل كبير وخاصة بعد استقرار الأرض وعمل الدعاية العربية والعالمية ستكون أحد معاقل السياحة السيناوية. • نويبع تقدمت شرقا من مدينة دهب للوصول إلى آخر مدينة فى جنوبسيناء «نويبع» عبر وادى وتير» والذى يخافه السائقون والزائرون حيث درجة الانحدار فيه تصل إلى 23 كيلو وبه منحنيات كثيرة وسط الجبال الشاهقة والذين يرتادون هذا الطريق سائقون مهرة.. يوجد الكثير من العيون الطبيعية وغابات النخيل فى أحضان الجبال ورغم أنه مكان موحش فى نهايته «وادى وتير» والذى تصل فيه السيول إلى ارتفاع كبير ليصب فى البحر بعد مشقة وبطء فى الحركة لوعورة وخطورة الطريق، وصلنا إلى مدينة نويبع كمدينة صغيرة ازدهرت وعاشت مع العمران بعد التحرير وعودة الدولة المصرية، قرى سياحية كبيرة منتشرة كأنها حبات لؤلؤ منثور على شاطئ الخليج الهادئ الفيروزى وهناك العبارة التى تنقل العاملين المصريين والحجاج إلى ميناء «العقبة» الأردنى الشقيق ومن أهم معالم مدينة نويبع «جزيرة فرعون» وهى جزيرة فى وسط الخليج شاهقة الارتفاع وبها «قلعة صلاح الدين الحربية» لحماية القوافل التجارية والحجيج من المغرب العربى إلى المشرق العربى والعكس، وفى قرية طابا الشهيرة التى عادت إلى أحضان الوطن الأم مصر بعد ماراثون من المفاوضات والتحكيم الدولى «قطعة من أوروبا بطابع شرقى ومنفذ رائع حتى الجبال شاهقة الارتفاع وعليها علامات حدودية دولية مرفوعة عليها أعلام مصر خفاقة عالية صواريها وشعرت بالفخر لجند مصر «خير أجناد الأرض» وشعب مصر العظيم الذى حرر الأرض وصان العرض وكتب تاريخه بدماء شهدائه الأبرار، أما فندق «هيلتون» الذى عاد إلينا بعد شرائه من إسرائيل فتحفة حضارية معمارية امتدت له يد الإرهاب وفجرت العديد من أجزائه الهدف هو ضرب السياحة والخير لمصر.. ولقد شدتنى كثيرا شجرة تاريخية «شجرة دوم» الشهيرة التى أثبتت حقنا فى طابا، حيث كانت إحدى علامات الحدود التاريخية فى الوثائق الدولية موجودة حتى الآن تحكى للزمان والأجيال قصة أرض مصرية خالصة مقدسة رائعة الجمال جنة الله فى أرضه.. أرض التاريخ ومهبط الرسالات.. أرض المستقبل المصرى الواعد.. خمسة عشر يومًا قضيتها على ظهر جمل مع رفيق الرحلة الشاقة المضنية العم سالم الذى كان نعم الرفيق.. وعدت إلى بلدى مدينة العريش ومعى مئات الاسكتشات لأحولها إلى لوحات زيتية لعرضها فى معارض محلية وقومية ودولية عن معشوقتى سيناء.. وأحببت أن أسجل بقلمى مع ريشتى هذه الأهازيج بهدف أن يقرأها محبو المعرفة عن سيناء مصر.. الأرض الوحيدة فى العالم التى تجلى عليها الخالق سبحانه وتعالى على جبل موسى حيث قدسية وعظمة هذه الأرض وليناجى موسى عليه السلام ربه فى هذا المكان. إن ما قمت به هو عمل صغير فى حب سيناء.. لأن سيناء محتاجة منا الكثير وإن شاء الله ما حييت سأعطى سيناء بريشتى وقلمى وفكرى لأنها وطن تعيش فينا. •