بقلم - محمد عبد القدوس ذكرى رحيله يوم 11يناير 1990 يعنى منذ 27 عاما أقدم لكم صورة قريبة عنه وباختصار : 1-لا يكتب أبدا إلا وهو يرتدى حلته كاملة حتى وهو داخل بيته.. بدلة وكرافتة وآخر شياكة.. وعندما سئل عن ذلك قال: إننى ذاهب إلى لقاء حبيبتى - يقصد الكتابة - فلابد من الأناقة. 2-كان المقربون منه ينادونه دوما باسم (سانو).. أما (إحسان) فلم يكن مطروقا كثيرا فى أسماعنا ! كذلك أمى رحمها الله.. اسمها (لواحظ) لكن الجميع كانوا ينادونها (يا لولا) بضم اللام.. ولواحظ كلمة غير متداولة أبدا. 3- شريكة عمر والدى أو (لولا) كانت تتحمل مسئولية المنزل كاملة وتريبة الأولاد وكان (سانو) يسميها رئيس مجلس إدارة منزلنا. 4- ورئيس مجلس إدارة إحسان عبدالقدوس السيدة (لولا) هى المسئولة عن ملابس (سانو) وأناقته وطعامه وشرابه وكل ما يتعلق به، أما (سانو) فمهمته الوحيدة فى الدنيا هى الكتابة والإبداع. 5- ورغم كثرة المترددين على قلب أبى فإن حبه الأكبر كان لشريكة العمر وأم الأولاد. 6-لم يكن متحمسا للمرأة العاملة واقرأ قصصه لتتأكد من ذلك، لأنه بحكم واقعه يرى أن المرأة داخل بيتها التى ترعى أولادها وزوجها لابد أن تكون مشغولة جدا.. وأخطر ما يمكن أن يهدد أى امرأة هو الفراغ. 7- نوم الظهر عنده مقدس لا يتخلى عنه أبدا حتى يستطيع أن يسهر ليلا. 8- وقته فى الكتابة مقسم بين المقالات السياسية والصحفية صباحا والإبداع القصصى ليلا (فى الليل لما خلي). 9- كان يحب السهر والحفلات أيام الشباب، لكن بعدما تجاوز الستين من عمره لم يكن يخرج إلا قليلا وقعدته المفضلة داخل بيته. 10- أيام السهر والشباب كان هناك يومان فى الأسبوع لشريكة العمر.. السبت والأربعاء.. واليوم الأول مضمون دوما لأنه كان بعد طبع المجلة، أما الثانى فهو على كف عفريت فى وسط الأسبوع وعز الشغل. 11- وقبل ظهور التليفزيون فى مصر عام 1960 كانت السهرة المفضلة ل (سانو) و(لولا) هى السينما وبعد ذلك تناول الطعام فى أحد المطاعم الفاخرة أو قضاء بقية السهرة فى فندق سميراميس.. واستمر هذا النظام طيلة فترة الأربعينيات والخمسينيات من القرن العشرين الميلادى. 12- والدى من مواليد 1 يناير لكنه كان يحتفل بعيد ميلاده دوما يوم رأس السنة فى سهرة رائعة داخل منزلنا لم تنقطع أبدا حتى وفاته وكنت تجد أشهر الشخصيات من الفنانين والأدباء والسياسيين يأتون إليه ليقولوا له : (كل سنة وأنت طيب يا سانو). ولذلك لم يحتفل أبدا بالعام الجديد وبعيد ميلاده خارج بيته. 13- أصدقاؤه خليط من الشخصيات العامة والفنانين والسياسيين وفاتن حمامة هى الأقرب من الممثلين وفى مجال الغناء كان موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب أستاذه القديم فى الموسيقى الأقرب إلى قلبه ويوسف السباعى من الأدباء والدكتور مصطفى خليل رئيس الوزراء الأسبق من السياسيين. والدكتور مصطفى محمود من المفكرين. 14- أصدقاؤه فى مؤسسة روزاليوسف التى أنشأتها والدته وكان رئيسا لتحريرها لسنوات كانوا من الفنانين بالدرجة الأولى.. وأقربهم إلى قلبه جمال كامل ولكن لا يمكن أن أنسى أبوالعينين وبهجت وصلاح جاهين وحسن فؤاد وجورج بهجورى ورجائى وحجازى وغيرهم من عمالقة الزمن الجميل. 15-وكان أيضا رئيساً لتحرير أخبار اليوم لسنوات لكن علاقة من يعملون معه كانت علاقة عمل بالدرجة الأولى وأقربهم إلى قلبه كان مدير التحرير المرحوم سعيد سنبل. وكانت علاقته وطيدة بمؤسس أخبار اليوم مصطفى أمين رحمه الله. 16- فى عام 1976 انتهت مسئوليته الإدارية وآخرها رئيس مجلس إدارة الأهرام وتفرغ للكتابة وانتقل مكتبه إلى برج المشاهير بالدور السادس بالأهرام وكان جيرانه فى هذا الدور توفيق الحكيم ونجيب محفوظ ويوسف إدريس وصلاح طاهر وغيرهم من جيل كبار الصحفيين والأدباء الذى لا يتكرر. 17- بدأ كتابة القصص بعدما أوشك أن يكمل الثلاثين سنة من عمره وتحديدا فى سنة 1948 عندما نشر أولى مجموعاته القصصية صانع الحب ثم أكملها بمجموعة بائع الحب وجميع انطباعاته عن أوروبا التى زارها لأول مرة بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية.. وقبل ذلك أراد أن يثبت وجوده كصحفى أولا وينهض بمجلة روزاليوسف التى تولى رئاستها فى أغسطس من عام 1945. 18- اعترضت والدته صاحبة المجلة فى بداية الأمر على حبه للأدب والكتابة القصصية قائلة : خليك واقعى مثلى واوعى تبقى خيالى زى أبوك !! لكنه احترف الأدب عام 1954 بعدما سجنه عبدالناصر وتأكد من أن حرية الرأى قد ضاقت تماما فأراد التعبير عن نفسه بطريقة أخرى تتمثل فى الأدب. 19-أجمل ما قيل فى وصف شخصيته تعبير أخته آمال طليمات (عمرها حاليا 92 عاما وأمد الله فى عمرها) قالت إنه يفكر بعقلية العباسية وهى البيئة المحافظة التى تربى فيها ويكتب منطلقا من بيئة أمه المتحررة والمتمردة.. وهذا صحيح إلى حد بعيد : بيتنا له تقاليد وأصول وليس سداح مداح : أبى فى النهاية رجل شرقى ولكن بعقلية متحررة فلا تستطيع أن تقول عنه أبدا إنه رجل خواجة. 20- وفى النهاية أقول إن محور قصصه كانت المرأة المصرية ليكتب عنها فى وقت مناسب تماما حيث كانت فى مرحلة انتقالية تعمل على إثبات ذاتها والمطالبة بحقوقها.. أبى رحمه الله «قاسم أمين الأدب» وكان يدعو إلى الحرية التى تعنى المسئولية وليست «سداح مداح» وأعتقد أن سر براعته فى الكتابة عنها أنه تعرف عليها عن قرب فى حياته.. بيئة العباسية حيث كانت ترعاه عمته (نعمات هانم) وبيئة أمه فاطمة اليوسف.. وربنا يرحم الجميع. •