كتبت: فاطمة ناعوت وريشة: أسماء النواوي بالحِبالِ شدّوا وثاقَه وقيّدوا جناحيه بجنازيرَ غليظةٍ لأنه شَدَا، والصيّادونَ -كما تعلمونَ- يكرهون الشدوَ والطيرانْ. عصفورٌ حُرٌّ لا تَحُدُّه سماءٌ ولا تُظلّلُ هامتَه كواكبُ ومجرّاتٌ ولا غيومٌ سوداءُ الدُّجَى تُظلِمُ ساحتَه. ليحطَّ فوق أيكتِنا ويعلّمَ أولادَ حارتِنا كيف يَخرجون من غَيمةِ الحارةِ نحو نورِ اللهِ الأبهرْ. لكنَ شيوخَ القبيلةِ القنّاصينَ أفظاظٌ لا يحبّونَ الموسيقى رصدوا زقزقتَه فتكدّرتْ مسامعُهم التى يُؤلمُها النَّغَم فكادوا له واجتمعوا تحت سقيفةِ البَّرِية يُضمرونَ الوعيدْ. غمسوا كفوفَهم فى صحنِ الدم فكان العهدُ وكان النذيرْ. كمنوا خلفَ الشجرِ فى ليلةٍ من دون قمرْ وصوّبوا نبالَهم نحو الأغاريدِ التى نثرَها العصفورُ فى فضاءِ الكونْ ولمّا لمحوا ظلَّه يقتربُ من سماءِ حارتِنا أطلقوا وابلَ الحصواتِ صوبَ جناحيه الأعزلين فسقطَ العصفورُ يرفرِفُ. شيّدوا قضبانَ فولاذٍ وكوّموا صخورًا فوق صخورٍ فوق صخورْ ثم غرسوا بين ثناياها سيوفَهم ورِماحَهم لكيلا يحلُمُ العصفورُ بفرارْ. لكنّ العصفورَ مشغولٌ يفكّرُ فى شىءٍ آخرَ. من بين عطفاتِ الصخرِ كانت تَنبُتُ براعمُ نحيلةٌ راحَ يرويها كلَّ فجرٍ بقطراتٍ يحملُها بمِنقارِه من ندَى الصبحِ الوثير المنثورِ فوق قضبانِ الحديدْ حتى أورقتِ البراعمُ وصارتْ زهورًا يانِعاتٍ تميلُ فوق أغصانِها. كان يعلمُ أن الزهورَ لا تُشرِقُ إلا على صوتِ الموسيقى فلم يكفّ عن الشدوِ كلّما أطلّتْ زهرةٌ من غِمادِها. كان الحديدُ رؤوفًا حانيًا يميلُ مع شدوٍ ويخجلُ أن يقسوَ قسوَ فولاذٍ أصمّ إن صدحَ الصدحُ وشَدَتِ العصافيرْ. قالتِ القضبانُ للعصفورِ: أيها الغِرّيدُ لكَ منّا العهدُ بالبراءْ ولكَ علينا أن نذوبَ من الشجوِ كلّما شدوتَ فإن تفرّقنا انطلقْ فى رحابِ اللهِ ولن يقتفى أثرَكَ سهمٌ فإنَّ الحُرّاسَ ينامون إذا أشرقَ الصبحُ على صوتِ أغاريدِكْ. قالَ العصفورُ: أمهلونى يا رِفاقَ السَّجنِ حتى يكتملَ العامُ فيُكملُ الشيوخُ نِصابَهم وأُكمِلُ أنا إكليلَ الزهرِ الذى سأُكلّلُ به هامةَ والدتى الَملكةِ الحَزْنَى التى تقفُ عند ناصيةِ الرجاءِ تنتظرُ أنْ يخرجَ إليها عصفورُها مُكّللاً بالحريّة مُكلّلاً بالفرحْ.