متى تنتهى سنوات الجامعة وأتخرج وأشتغل وأقبض فلوس واعتمد على نفسى وأبنى حياتى ومستقبلى وأرد جزءا من مصاريف أهلى.. هذا هو لسان حال الكثير من الشباب.. وبعد مرور أربع سنوات مذاكرة وسهر و«تمقيق» عين فى الملازم والملخصات والحصول على تقدير عالى، وحفلات التخرج.. لم يتبق سوى تحقيق باقى الحلم على أرض الواقع «الواقع العملى وليس النظرى». لتبدأ مرحلة الإنترفيوهات للتقدم للعمل فى أكثر من مكان، والتى دائما ما تنتهى بالجملة المعتادة «سيبلنا رقمك وهنكلمك».. ويطول الانتظار مع هذه الجملة، أسبوع، شهر، 5 شهور، سنة، ولم يحدث فى الأمر أمر.. حتى يبدأ التنازل عن الحلم تدريجيا، وينخفض معه سقف الطموحات والأحلام الوردية.. ليصل فى نهاية المطاف إلى التخلى عنه وتركه، للبحث فى مجال عمل آخر بعيد كل البعد عن المؤهل وتحقيق الحلم الذى ظل مرسوما لسنوات طويلة أمامه.. ليكتشف فى النهاية أن كل ما درسه حمادة والواقع العملى ال.... حمادة تانى خالص.. • عشان أشتغل بشهادتى اتنصب عليا رامى رفيق- خريج الأكاديمية البحرية- كان حلم حياته أنه يصبح قبطانا فى يوم من الأيام، وبعد ما حقق نصف هدفه واتخرج فى الكلية البحرية، سعى بعدها كثيرا من أجل العمل بمؤهله، ولكن للأسف الحظ لم يكن حليفه فى كل مرة.. حيث يخبرنا قائلا: حاولت أشتغل بشهادتى لمدة 3 سنوات، وفى آخر محاولة اتنصب عليا.. دفعت 20 ألف جنيه لصاحب مركب، عشان أشتغل قبطان عليها.. والراجل أخذ منى أنا واتنين أصحابى الفلوس وظل يماطل معنا فى الشغل، ولما طلبنا فلوسنا قالنا «ملكوش عندى حاجة»، وطردنا من على المركب.. وقدمنا بلاغا فيه.. ودلوقتى فتحت شركة سياحة صغيرة أنا وأصحابى، وبنسفر فيها أفواجا سياحية لدهب.. أما بالنسبة لحلم القبطان، فقد دفنته.. وفقدت معه الأمل إنى أشتغل بشهادتى.. والشىء الوحيد اللى ندمان عليه هو إن أهلى صرفوا عليا كل هذه المصاريف.. ولو كنت أعرف اللى هيحصل كده من البداية كنت دخلت كلية التجارة أو الآداب.. لكن للأسف تأتى الرياح بما لا تشتهى السفن. • التقدير خسرنا كتير.. أسماء أحمد - خريجة تجارة- كان كل طموحها هو أنها تعمل بمؤهلها، ولكن بعد المقابلات العملية الكثيرة التى أجرتها، وانتظار الرد عليها وضياع الوقت.. قررت أن تنمى موهبتها وتكون هى مجال عملها.. فتخبرنا قائلة: بعد ما خلصت الجامعة بتقدير جيد جدا.. قدمت بعدها فى كذا بنك، وفى كل مرة يقولوا «هنرد عليكى خلال إسبوع»، وبصراحة كنت بصدقهم وأفضل مستنية الرد!! وفضلت فى القصة دى لمدة سنة.. وبعدها عرفت إن فى واحدة صاحبتى أقل منى فى التقدير بتشتغل فى بنك أجنبى.. فعرفت إن الموضوع لا بالتقديرات ولا بالشهادات وحسيت إنى ضيعت وقت كتير، فركنتها بصراحة على جنب.. ونزلت أخذت كورس فى الكروشيه لأنى بحب المشغولات اليدويه جدا.. ودلوقتى بشتغل وبعملopen day فى النوادى وبعرض فيها شغلى.. وبقى ده مجال عملى.. وبترحم على أيام الجامعة والحضور والالتزام والتركيز عشان التقدير العالى، لكن للأسف كل ده طلع فنكوش!! • كان نفسى أكون فى بلدى.. تامر محمد- مهندس اتصالات- فقد الأمل فى تحقيق حلمه فى بلده.. فقرر البحث عنه فى الخارج، فيخبرنا قائلا: أنا بشتغل من وأنا فى الجامعة customer service فى إحدى شركات الاتصالات وهى بعيدة كل البعد عن دراستى.. فكنت صريحا مع نفسى، إن مش من السهل أنى هتخرج وأشتغل فى مجالى.. وكانت الرؤية واضحة بالنسبالى من وأنا طالب .. فقررت إنى أشتغل فى مجال خدمه العملاء، بجانب البحث عن فرصة تناسب مؤهلى.. وقدمت فى إحدى الدول العربية عن طريق صديق لى، وتم قبولى للعمل فى وظيفة كمهندس اتصالات.. وأنا الآن أسير فى إجراءات السفر.. وخلال شهرين سأتسلم الوظيفة الجديدة كمهندس وليس موظفا فى خدمة العملاء. • سمك لبن تمر هندى.. سلمى جمال- خريجة آداب- وتعمل فى بنك.. بدأت كلامها معى ضاحكة: مفيش حد بيشتغل بشهادته فى مصر.. لأننا مش بلد الشهادات.. إحنا تعليمنا بيقول حاجة وسوق العمل بيقول حاجة تانية خالص.. وكل اللى درسناه فى الجامعة ليس له علاقة خالص بالواقع العملى.. فأنا خريجة آداب ودراستى ليس لها علاقة بشغلى.. فالحياة العملية تسير بمبدأ سمك لبن تمر هندى.. وإحنا مضطرين أننا نواكبها عشان نعرف تعيش. • شهادات مهنية هناك مثلث متساوى الأضلاع يجب تحقيقه لتأهيل الطالب لسوق العمل.. تحدثنا مع الدكتور عمر حسن- أستاذ بالأكاديمية البحرية - عن الفجوة التى تحدث بين طموحات الشباب ومتطلبات سوق العمل.. والمواصفات التى يجب توافرها فى الطلاب الخريجين لمواكبة سوق العمل.. فيقول: أى طالب بيؤهل ويأخذ شهادة جامعية، سواء «بكالوريوس أو ليسانس»، يحتاج إلى عدة دورات تسمى «بالدورات التأهيلية، والتى من خلالها يستطيع الانتقال إلى المرحلة التالية، وهى سوق العمل.. فمثلا طالب بكالوريوس الهندسة الميكانيكية، يدرس خلال مراحل الجامعة المواد التى تؤهله أن يكون مهندسا.. ولكن هذا وحده لا يكفى، فهناك دورات أخرى يجب أن تأخذ تسمى «بالشهادات المهنية»، وهذه الشهادات تحتاجها سوق العمل.. وأيضا تميز كل مهندس عن الآخر.. فهذه الكورسات تفرق كثيرا فى السيرة الذاتية لأى مهندس.. فكل ما تفعله الجامعة هى أنها تدرس للطالب الأساسيات التعليمية فقط بالطريقة النظرية، وهو عليه أن يثقل نفسه بالدورات التدريبية بعد ذلك.. لكن للأسف نعانى الآن من ركود تام فى سوق العمل هذه الأيام. ثم يضيف قائلا: الشباب لديه أحلام وطموح كبيرة لكن ينقصهم توفير الفرصة لهم لتحقيق أحلامهم على أرض الواقع وتحفيزهم واستيعابهم وفهم لغتهم.. فبمجرد أن نفهم لغتهم نستطيع أن نتجاوب معهم بسهولة.. ونتلاشى هذه الفجوات التى تحدث بين الشباب وسوق العمل. • مثلث متساوى وعندما قاطعته قائلة «أترى أن الشهادة الجامعية وحدها لا تكفى لمواكبة سوق العمل؟»، فأجاب الدكتور قائلا: سوق العمل مثلث متساوى الأضلاع الجامعة يليها الشركات ثم الدولة.. هذا المثلث يجب أن يكون متكاملا ومتصلا ببعضه.. بمعنى أن الجامعة مرتبطة بتأهيل الأستاذ الجامعى والطالب لسوق العمل وعلى الدولة أن تقوم بعمل خطة تتناسب مع احتياجاتها، فمثلا لو طلبت 10000 مهندس، المفروض أنا كوزارة تعليم، أوفر لهم 10000 ألف مهندس فقط وليس مئة ألف.. لكن ما يحدث على أرض الواقع عكس ذلك. أما بالنسبه للفنيين فيقول: أنا أرى أن المشكلة الأكبر فى هذه الفجوة، هو غياب الفنيين، فنى الصنايع أو دبلوم صنايع أو دبلوم تجارة.. فنحن للأسف لدينا فى مصر نظرة غريبة، وهى النظرة الدونية.. وهذه النظرة الدونية للفنيين هى السبب الأساسى للمشكلة.. ففى الخارج لا توجد هذه النظرة بالمرة، فالفنى فى الخارج مرتبه أعلى بكثير من مرتب المهندس فى بعض التخصصات.. خاصة فى الحاجات المهنية العالية مثل اللحام.. فهؤلاء الفئة «فئه الفنيين» سواء كان فنيا ممرضا أو فنيا فى المعمل، هم عصب البلد والشركات والمصانع كلها.. أيضا كما جرت العادة على الدكتور البيطرى ويقال عليه دكتور «بهائم».. فهذه المسميات والنظرة الدونية للمجتمع تنم عن جهله وتخلفنا وعدم تقدمنا وتطورنا.. لذلك يجب أن تكون نظرة المجتمع لكل هذه المنظومة نظرة شاملة كلنا نحترم فيها بعضنا.. كما يجب أن نستغل طاقات الشباب ونقوم بتفريغها وتوظيفها بشكل صحيح فى البلد، كى ننهض بالبلد وشبابه نهضة كبيرة متقدمة.•