بعد حالة من الشد والجذب خرج قانون الخدمة المدنية إلى النور بما فيه من أسئلة مثيرة للجدل التى تحمل بعض الانتقادات بشأن إمكانية أن يفتح الباب أمام حالة الكثير من الصراعات بين الرؤساء فى العمل ومن يعملون تحت قيادتهم. بعد موافقة 401 عضو بمجلس النواب أصبح قانون الخدمة المدينة معدا للتطبيق بعدما جرى نشره فى الجريدة الرسمية، ولكن هناك الكثير من الأسئلة والأزمات التى ينتظرها من يعملون فى الدولة لتنجح الحكومة فى تمريره بعد أن جرى رفضه فى دور الانعقاد الأول بسبب حالة السخط الشديدة من الموظفين. أزمات القانون هناك الكثير من الأزمات التى يشكلها القانون وأولها أنه لن يطبق على جميع العاملين فى الدولة، حيث ستكون بعض الفئات مستثناة، وهو عامل لن يساوى بين الموظفين خاصة فى المميزات والرواتب ومنها على سبيل المثال الهيئة العامة لسكك حديد مصر وهيئة قناة السويس واتحاد الإذاعة والتليفزيون وهيئة النقل العام. ويشعر كثير من الموظفين أن القانون جاء خصيصا لهم لأنه لن يطبق إلا على فئات بعينها، مع أنه من المفترض أن يساوى بين جميع من يعملون فى الدولة وهو ما منحه شبهة عدم الدستورية.. وفى الوقت نفسه فإن قانون الخدمة الجديد أجاز أن تكون العلاوة الاجتماعية 7% على الأقل من الأجر الوظيفى بعدما كان فى النسخة السابقة من القانون المرفوض من مجلس النواب تمثل 5% فقط.. وتمثل هذه النسبة أزمة كبيرة حاليا وذلك لأن نسبة التضخم وصلت لأكثر من 16%، وبالتالى فإن الرقم الذى ستنفقه الحكومة لن يصل إلى نصف معدل التضخم وارتفاع الأسعار الرهيب الذى شهدته مصر فى الفترة الأخيرة، مما سيترك الموظف البسيط الذى يتقاضى أجرا محدودا سيتحمل وحده الارتفاع الكبير فى ثمن السلع والخدمات التى يحصل عليها. وكان هناك اتجاه بألا يجرى تحديد العلاوة الاجتماعية للموظفين إلا من خلال ربطها بمعدل التضخم وارتفاع الأسعار بحيث يتقاضى أجرا عادلا يساعده فى تحمل نسبة الإنفاق ولكن ذلك لم يحدث.. وفى الوقت نفسه وضع قانون الخدمة المدنية بعض الضوابط التى تعيق حركة الموظف فى الحصول على مصدر رزق آخر بداية من ضرورة الحصول على موافقة جهة العمل على أن يلتحق بعمل آخر حتى ولو كان قد حصل على إجازة بدون راتب مما يزيد من تضييق الخناق عليه. وكشف القانون عن إمكانية إحالة الموظف إلى وظيفة أخرى إذا ما حصل على تقرير ضعيف فى أدائه الوظيفى وإمكانية الخصم من الراتب بعد ذلك إذا استمر تقاعسه، مما يساهم فى زيادة حالات التذمر بين المدير فى العمل ومن يعملون تحت قيادته وتزداد المشاحنات الشخصية وإقحامها فى العمل، مما يزيد من حالات التوتر وليس الاستقرار الذى يهدف إليه القانون. ولم يضع القانون التزاما بالحد الأدنى أو الأقصى للأجور وهو ما يفتح الطريق للتفاوت فى الأجور بين موظف يتقاضى عشرات الآلاف وآخر يتقاضى بضعة جنيهات، كما فتح القانون الطريق أمام تعيين موظف واحد لكل عشرة يخرجون على المعاش، وهو ما يهدف إلى تقليل عدد الموظفين فى الجهاز الإدارى للدولة للحد من حجم الإنفاق على بند الأجور فى الموازنة العامة للدولة. وفتح القانون الباب أمام خروج الموظف على المعاش المبكر بداية من سن الخمسين عاما بشرط ألا يكون قد جرى توقيع أى جزاءات تأديبية عليه مع فتح الباب لترقيته للوظيفة الأعلى اعتبارا من اليوم السابق لخروجه على المعاش، وذلك إذا استوفى مدة الخدمة التأمينية والبالغة 20 عاما. أما بند الإجازة المرضية فقد قلص قانون الخدمة المدنية الجديد من مميزاته، حيث سمح فقط للموظف الذى يطلب الحصول على إجازة مرضية بأن يتقاضى الأجر الكامل لمدة ثلاثة أشهر فقط وبعدها يحصل على 75% من الأجر عن الثلاثة أشهر التالية وبعدها يحصل على 50% من الأجر لمدة ستة أشهر كاملة، كما يحق للموظف طلب الإجازة بدون أجر بعد ذلك لظروف مرضه وفقا لما يحدده المجلس الطبى المختص. تمييز واضح أكد الدكتور صلاح الدين فهمى أستاذ كلية التجارة بجامعة الأزهر أن قانون الخدمة المدنية يميز بين الموظفين وبعضهم بسبب بند الفئات المستثناة أو التى لديها لوائح خاصة تنظم العلاقة بين الموظف وجهة الإدارة، وهو ما يجعل الموظف يشعر بالتمييز بينه وبين غيره. وأضاف فهمى أن القانون سيطبق على بعض الفئات بينما لن يخاطب فئات أخرى ستحظى بلوائح خاصة سواء بشأن العلاقة فيما بينها والأجر الذى يحصلون عليه.. وقال فهمى: إن الوقت الحالى كان من الصعب أن يجرى ربط العلاوة الاجتماعية التى يحصل عليها الموظف بالتضخم، وذلك لأن هناك أكثر من جهة تقوم بحساب معدل التضخم وتختلف الطريقة وفقا لبنود مختلفة، فقد تكون النسبة 16% فى جهة و13% صادرة من جهة أخرى، وبالتالى من الصعب وضع هذا المعدل، ولكن يجب التشديد على أن هناك ارتفاعًا كبيرًا فى الأسعار سيتأثر به قطاع عريض من محدودى الدخل.. واختتم فهمى حديثه بأن معدل التضخم يجرى حسابه وفقا لسلة من السلع فأحيانا يجرى استبعاد السلع الأساسية وأخرى يجرى ضم السلع ذات الأسعار الثابتة، وبالتالى من الصعب وضع معيار واحد للتضخم. إجراءات صعبة اعتبر رضا عيسى الباحث الاقتصادى أن قانون الخدمة المدنية كان أحد أولويات الحكومة للحصول على قرض صندوق النقد، ولكن سيكون الضحية فى ذلك هو المواطن البسيط الذى يخاطبه القانون.. وأشار عيسى إلى أن قانون الخدمة المدنية يدخل ضمن سلسلة من الإجراءات التى تهدف إلى إرضاء المؤسسات الدولية من أجل الحصول على قروض دولارية إضافة إلى تطبيق قانون القيمة المضافة ورفع أسعار الكهرباء. وأوضح عيسى أن الهدف الرئيسى من القانون هو تضييق الخناق على الموظفين وتقليص بند الأجور فى الموازنة العامة للدولة وليس إصلاح الجهاز الإدارى فقط.. واستكمل عيسى حديثه بأن الموظف الحكومى الذى يتقاضى أجرا ضعيفا سيكون الضحية الحقيقية من قانون الخدمة المدنية الذى يهدف فى النهاية إلى تقليص بند الأجور فى الموازنة فى ظل الارتفاع الكبير فى الأسعار خاصة أن معدلات التضخم فى ارتفاع مستمر. واتفق عبد الغفار مغاورى أحد المحامين المهتمين بالدفاع عن حقوق شركات قطاع الأعمال التى وقعت ضحية للخصخصة بشأن اتجاه القانون إلى صناعة أزمات جديدة من الرؤساء فى العمل ومن يعملون تحت قيادتهم وأنه من المنتظر أن يسفر عن مشاكل كثيرة لاسيما أن هناك شبهة عدم دستورية واضحة.. وأضاف مغاورى أن شبهة عدم الدستورية واضحة بشأن تمييز القانون بشأن الفئات المستثناة منه فكيف يمكن لموظف أن يخاطب بقانون الخدمة المدنية الجديد وآخر لن يطبق عليه لأن لديه لائحة خاصة. وأوضح مغاورى أن هناك تفاوتا فى الأجور بين وزارة وهيئة وأخرى، والمفترض أن يكون جميع العاملين فى الدولة يخاطبهم ويطبق عليهم قانون واحد.. وقال مغاورى: إن من مساوئ القانون هو فتح الباب أمام المعاش المبكر ليعود إلى النور من جديد بعدما تسبب فى ضرر بالغ بالنسبة للعمال فى السابق وكان عاملا رئيسيا فى خروج الكثير من أصحاب الخبرات سواء بإرادتهم أو مجبرين من الخدمة بسبب الصعوبات التى تواجههم فى الوقت الذى كان يمثل ذلك بابا من أبواب تدمير الشركات الحكومية التى كانت تزخر بالصناعات الوطنية فى الستينيات والسبعينيات من القرن الماضى والتى تحقق الاكتفاء الذاتى فى كثير من السلع عكس الوقت الحالى الذى نلجأ فيه إلى الاستيراد من الخارج وإهدار ما تمتلكه الدولة من نقد أجنبى. •