أفادت تقارير الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء بأن نسبة سكان الحضر فى مصر حوالى 43% بينما بلغت نسبة سكان الريف 57% وأن البحث الذى قام به على صعيد التوزيع الجغرافى للأسر المصرية أظهر أن مصر وصلت إلى مرحلة يتساوى فيها تقريباً هذا التوزيع بين الحضر والريف، فهناك الآن 10.8 مليون أسرة تعيش فى الريف مقابل 9.3 مليون أسرة فى الحضر، أى بنسبة 54% و46% تقريباً على التوالى.. وذلك بعد أن كان سكان الريف قبل عقود قليلة أكثر بكثير ممن يعيشون فى الحضر، بل لم يكن الحضر سوى هامش فى مجتمع ريفى بالأساس فيما قبل ذلك. لكن الواضح أن هذا التغير الكبير لم يؤد إلى النتائج الإيجابية التى ترتبت على مثله فى كثير من البلاد الأخرى، فى إطار ما نسميه التطور الحضرى. فقد نتج هذا التغير فى معظمه عن هجرة عشوائية من الريف هرباً من الفقر والبطالة، بعد أن تسببت السياسة المتبعة منذ الستينيات فى تدمير الزراعة المصرية، فلم يعد معظم أبناء الأجيال الجديدة فى الريف منذ السبعينيات يجدون مكاناً لهم فى ريف اكتظ بسكانه وتقلصت خيراته نتيجة عشوائية السياسة الزراعية وآثارها الفادحة. وأكدت الإحصاءات أن نسبة مساهمة الزراعة فى الناتج القومى نحو 14.7% ومعدل نمو النشاط الزراعى 3% وقدرت نسبة المشتغلين بالزراعة بحوالى 27.4% من إجمالى المشتغلين. وقد أدت عشوائية الهجرة من الريف، فى الماضى والحاضر، إلى ترييف المدن، وليس إلى توسع نطاق المناطق الحضرية، فلم تعد المدن فى مصر حضراً بالمعنى المعروف فى العالم، بل فقدت طابعها الحضرى وصارت هجيناً يجمع نقائض اجتماعية فى حالة عشوائية، وأدى ذلك إلى أن أصبحت عشوائيتها هى نفسها أكثر خطراً من المناطق العشوائية التى تكاثرت على أطراف بعضها، بل فى قلبها، وخاصة فى القاهرة، كما أن القرى لم يعد لأغلبيتها الساحقة من اسمها نصيب، فلا هى بقيت ريفاً كما كانت، ولا تحولت إلى مدن، بل أصبحت هجيناً لا تعرف له طابعاً ولا معنى.. وقد أكد محافظون وأعضاء بالبرلمان أن هناك خطوات يجرى تنفيذها على أرض الواقع للحد من هذه الظاهرة، ونحن نحاول فى هذه السطور معرفة أسباب تفاقمها وطرح الحلول لعلاجها. • وعود زائفة فى البداية، قال إبراهيم عتمان، تاجر ملابس: إهمال تنمية مناطق الريف والصعيد جعل هجرة أهلها للقاهرة حلما يراود مواطنيها للهروب من الفقر والمرض وتحسين مستوى معيشتهم، وتوفير لقمة العيش، وليظل فى موطنه الأصلى ليربى أبناءه، متمنيا أن يجد تعليما وصحة تليق بالإنسان فى وطنه. وأكد «عتمان»، أن أهالى محافظات الريف والصعيد تعودوا على وعود زائفة من الحكومات المتعاقبة ولم يشاهدوا أى تنمية حقيقية على أرض الواقع، فلا مصانع شيدت ولا تعليم ولا مستشفيات تم إصلاحها، فالحال محلك سر ومازالوا ينتظرون تنفيذ الحكومة لجزء صغير من وعودها دون جدوى، وحتى نواب البرلمان لم ينجحوا حتى اليوم فى جلب أى استثمار حكومى أو مشروعات صغيرة لأبناء دوائرهم، بالرغم من أن تلك المحافظات بها خيرات كثيرة من محاجر وأراضٍ زراعية وآثار ومناطق ساحلية تبهر العالم، فالحكومة لم ترغب بعد فى استثمار الموارد لتعود بالخير على أبنائه وعلى مصر كلها. الخسارة دائما للفلاح!! وقال الدكتور نادر نور الدين أستاذ الأراضى والمياه بجامعة القاهرة: تفاقم الظاهرة يعود لإهمال الحكومات المتعاقبة ل 4726 قرية يتبعها 26757 كفرا ونجعا وعزبة، إضافة إلى وجود 359 قرية بالظهير الصحراوى لم يتم الاستفادة منها، والزراعة أصبحت مهنة طاردة بسبب الخسائر المتتالية وزيادة مديونية المزارعين وترك الدولة للتجار لتنهش فى جسد الفلاح والتنافس فى الإعلان عن خفض أسعار الخضروات والفاكهة، بحيث أصبح المكسب للتاجر والخسارة دائما للفلاح.. حتى فى الحاصلات التى تحقق ربحا مثل القمح والأرز وقصب السكر فلا تزيد على ثلاثة آلاف جنيه بعد الزرعة فى مدة ستة أشهر أى 500 جنيه شهريا وبالتالى فمن الأكرم له أن يعمل بواب عمارة بألف جنيه شهريا.. الأمر أدى إلى أن كل فلاح أصبح لا يتمنى لابنه أن يعمل بالفلاحة، بل أصبح يبحث له عن واسطة ليعمل فى أى مصنع أو متجر، وبالتالى فنحن فى طريقنا لأن نفقد العاملين بالمهنة.. ولابد من العمل فى أقرب وقت على عودة الزراعة مهنة مربحة كما كانت وألا تترك الحكومة الفلاح لجشع التاجر للحفاظ على الأراضى الزراعية وإنتاجنا من الغذاء.. كما يجب الحرص على ألا يقل دخل الفلاح عن 1200 جنيه شهريا مثل الحد الأدنى للأجور فى الوظائف. • دلالة خطيرة جدا وقال الدكتور سرحان سليمان، الخبير الاقتصادى: إن السبب الرئيسى لهجرة أهل الريف للمدينة هو انخفاض مستوى الدخل فى الريف، مضيفا أننا لدينا 52% يسكنون فى الحضر و48% يسكنون الريف، والمؤشر يتزايد دائما نحو الحضر، وهذه دلالة خطيرة جدا، لأن معظم دول العالم المتقدمة كلما تزيد المدنية فيها يلجأ الناس للسكن خارج المدينة على عكس مصر، والسبب الرئيسى لهروب المواطنين من الريف للمدينة هو انعدام فرص العمل، ففى فترات السبعينيات وما بعدها كانت فرص العمل كثيرة خاصة فى المناطق الساحلية، فالأعمال اليدوية بدءا من العمل فى النخيل والتقفيص وغيره بدأت تنحدر، إضافة إلى أن مستويات الدخل فى هذه المشروعات بدأت لا تناسب الشاب المصرى حتى يعمل بها، إضافة إلى أن أهل الريف أصبحوا ينظرون لهذه الأعمال نظرة دونية. • تشغيل الشباب وطالب سليمان بوجود دور للصندوق الاجتماعى فى تشغيل الشباب فى الريف والحضر، مضيفا أن انخفاض الطموح والأمل لدى الشباب جعلهم يبتعدون عن العمل فى المشروعات الصغيرة، مؤكدا أنهم يقيمون مشروعا ضخما حاليا عن الاقتصاد الأخضر والتسويق الأخضر حتى نقلل من المنتجات الملوثة لننتج منتجا نظيفا يتم تصديره لأن المنتجات المصرية يتم رفضها نتيجة ارتفاع نسبة التلوث بها، مشيرا إلى أن ظاهرة الهروب من الريف للمدن تفاقمت فى الصعيد عن الدلتا، فعلى سبيل المثال محافظة دمياط كانت نسبة الفقر المرتبط بالتشغيل والعمالة بها صفرا قبل عام 2010، ثم تحركت النسبة الآن وأصبحوا يشكون حاليا من قلة تسويق منتجاتهم، وظهرت حالة من الركود، وفى محافظة سوهاج كانت نسبة الفقر فيها من 20 إلى 25% الآن وصلت حاليا إلى أكثر 40% والفقر يقاس بعدم القدرة على الحصول على الملبس والمسكن والغذاء، فالصعيد كان مهتما بالمشروعات الريفية كالألبان وتربية المواشى والماعز والصوف وكل هذا تغير ليترك بلده ويذهب للعمل بالقاهرة فى أى عمل. • تنمية مجتمعية وأكد الخبير الاقتصادى، أن ما أنشأته الحكومة من مدن صناعية لم تثبت كفاءتها فى تشغيل العمالة والحد من البطالة، وهذا يحتاج تنمية مجتمعية، فمثلا بحيرة البرلس بها 20 ألف مركب يعمل بها 60 ألف مواطن وهؤلاء المواطنون أصبحوا يهاجرون إلى القاهرة ويتركون أعمالهم، رغم أن هذه البحيرة تنمى خمسة مراكز وهى البرلس وسيدى سالم ومطوبس والحامول والرياض.. فعلى الحكومة أن تنزل للواقع وتنمى المشروعات التى تستوعب الشباب وتعطى لهم فرصة القيادة، إضافة إلى تسهيل القروض بضمانات مخفضة لإقامة المشروعات من الصندوق الاجتماعى وإعادة الثقة فى هذه الصناديق، وأيضا أن تنزل الحكومة الصعيد وتقيم مشروعات تنموية ومقنعة فلن يخرج أحدهم للقاهرة وسيعمل فى بلده. بينما قال اللواء مصطفى هدهود، محافظ البحيرة السابق: أبرز الحلول لمواجهة تلك الظاهرة، هو التوزيع العادل للنشاط الاقتصادى، فالمواطن مرتبط بموطنه الذى ولد وتربى فيه ولا يغادره إلا لظروف ملحة بسبب قلة فرص العمل وتآكل الأرض الزراعية يوما بعد يوم، فيهاجر المواطنون إلى أماكن بها فرص استثمار. زيادة الرقعة الزراعية أضاف «هدهود»، أنه لا توجد مشروعات تحقق فرص عمل مباشرة لإفادة المواطنين منها، فمصنع سكر جرجا، هو آخر مشروع كبير أنشئ بالصعيد من 35 عاما لاستيعاب البطالة، رغم أن الصعيد زاخر بإمكانات غير محدودة مطلوب سرعة استثمارها.. ولكن فى السنوات الأخيرة تحققت إنجازات كانت أحلاما كمطار سوهاج والمناطق الصناعية فى سوهاج وباقى محافظات الصعيد والطريق الشرقى الصحراوى الذى يصل القاهرة بالصعيد، وجارى البدء فى إقامة مدن متكاملة يمكن الانتهاء منها خلال عامين تقريبا، وقريباً سيتم افتتاح أكبر مصنع للأسمنت والرخام فى مصر ببنى سويف. كما تم الانتهاء من بعض مراحل إنشاء الريف المصرى الجديد «المليون ونصف المليون فدان»، الذى يهدف إلى زيادة الرقعة الزراعية لمصر وإقامة مجتمعات عمرانية جديدة متكاملة لمنع التكدس السكانى بالوجه البحرى والصعيد وتوزيع السكان، وتوفير فرص عمل آمنة ومستقرة، وتشجيع فرص الاستثمار والتنمية بالمحافظات الجديدة بالمساحة القريبة من البنية الأساسية والمتوفر لها مصادر مياه جوفية. ويتم تنفيذ المشروع على ثلاث مراحل، تشمل الأولى والثانية مليون فدان بالفرافرة القديمة والجديدة، وامتداد الداخلة والمغرة وقرية الأمل وتوشكى وغرب المراشدة، وغرب كوم أمبو، والمراشدة بقنا، وغرب المنيا، ومناطق امتداد جنوب شرق المنخفض بالوادى الجديد، وشرق سيوة، وتشمل المرحلة الثالثة منطقة الطور بجنوب سيناء وغرب المنيا وامتداد جنوب شرق المنخفض ومناطق أخرى. وعدد الآبار بالمشروع 5114 بئرا بتكلفة حوالى 19.8 مليار جنيه، وإجمالى ما تم التعاقد عليه حتى 3 ديسمبر2015 «1417» بئرا بتكلفة حوالى 2.3 مليار جنيه، وتم تنفيذ 658 بئراً، وجارى تنفيذ 38 بئراً، كما تم حفر 500 بئر بالفرافرة القديمة والجديدة والمغرا ضمن المشروع «الوادى الجديد - مرسى مطروح» بتكلفة 435 مليون جنيه. شبكة طرق تنموية واستطرد قائلا: ويبلغ طول الخطة القومية لشبكة الطرق التنموية 3200 كم، يضيف طرقاً جديدة بنحو 15% لشبكة الطرق السريعة البالغة 26 ألف كم، أبرزها مشاريع إنشاء المرحلة الأولى من الطريق الدائرى الأوسطى بطول 22 كم وتكلفة 536 مليون جنيه، وطريق الصعيد / البحر الأحمر قطاع «1» بسفاجا بطول 30 كم وتكلفة 185مليون جنيه، والصعيد / البحر الأحمر قطاع «2» بطول 50 كم وتكلفة 213مليون جنيه، والصعيد / البحر الأحمر قطاع «4» بطول 80 كم وتكلفة 401 مليون جنيه، ووادى النطرون - العلمين «القطاع الثالث» بطول 35 كمزدوج و10 كم مفرد بتكلفة 640 مليون جنيه، وجنوب الفيوم / الواحات بطول 125 كم عدا قطاع الدير بتكلفة 557 مليون جنيه، وجارى تنفيذ الطريق الدائرى الإقليمى من بنها حتى طريق الإسكندرية الصحراوى «القطاع الرابع» «15 كوبرى ونفق» بطول 10 كم وتكلفة مليار جنيه، ومن بنها حتى طريق الإسكندرية الصحراوى «القطاع الخامس» «30 كوبرى ونفق» بطول 17 كم وتكلفة 1.9 مليار جنيه. المثلث الذهبى وأضاف هدهود: كما يوجد مشروع إنشاء المليون وحدة سكنية والذى يهدف إلى توفير وحدات إسكان اجتماعى للمواطنين ذوى الدخل المنخفض فى جميع المحافظات، وقد تم الانتهاء من تنفيذ 148 ألف وحدة، وجارى تنفيذ 264 ألف وحدة، والتجهيز لطرح 102 ألف وحدة بالمحافظات والمدن الجديدة، وكذلك حصر الأراضى اللازمة لإنشاء 110 آلاف وحدة بالمرحلة الثالثة بالمدن الجديدة والمحافظات. وكذلك المثلث الذهبى، وإنشاء منطقة اقتصادية جديدة بصعيد مصر، بإنشاء مركز عالمى متكامل «صناعى - اقتصادى - تجارى - لوجستى - سياحى - سكنى ...إلخ» يخدم مصر وإفريقيا وجميع أنحاء العالم، بما يحقق التنمية المستدامة بمنطقة الصعيد ودفع حركة التنمية فى مختلف مدنه، بالإضافة إلى توفير حجم استثمارات ضخم وفرص عمل كبيرة لأبناء الصعيد على وجه الخصوص وأبناء الوطن على وجه العموم فى كل التخصصات والكفاءات الفنية المختلفة. ويقع المشروع فى المنطقة المحصورة بين محافظتى قنا من الجهة الغربيةوالبحر الأحمر من الجهة الشرقية، ومدينتى سفاجا شمالاً والقصير جنوباً، وتقدر المساحة الإجمالية المستهدفة للتنمية حوالى 1.5 مليون فدان. تنمية مستدامة وقال النائب جمال عباس عمر، عضو مجلس النواب عن دائرة أسيوط: إن الصعيد كان له النصيب الأكبر من خطة التنمية المستدامة بعد ثورة 30 يونيو. والمشاريع التى دخلت حيز التنفيذ كثيرة منها إقامة مدن سكانية جديدة وتطوير محطات إنتاج الكهرباء، بالإضافة إلى إقامة قناطرأسيوط الجديدة لتحسين الرى فى 5 محافظات وتوليد 32 ميجاوات من الكهرباء بجانب المساهمة فى توفير المياه لأكثر من مليون و650 ألف فدان، وخلق 3 آلاف وظيفة مباشرة. وأضاف «عباس»: استطعنا تحقيق جزء كبير من خطة التنمية المستدامة عبر المشروعات القومية الكبرى من شبكة الطرق القومية، وحلم المليون ونصف المليون فدان، ومشروعات الإسكان الاجتماعى، والبدء فى القضاء على العشوائيات. وقد تم البدء بتنفيذ نظام للتأمين الصحى على الفلاحين، عن طريقه تسجيل 330 ألف فلاح فى الكشوف التى تم تسليمها لهيئة التأمين الصحى، وجارى حالياً تدقيق بيانات 141 ألف فلاح. ويتم حاليا تنفذ أكبر مشروع قومى للحفاظ على جودة الأقماح والحد من المهدر منها، حيث يتم إنشاء61 صومعة لتخزين الأقماح بسعة تخزينية تبلغ حوالى 2 مليون و780 ألف طن قمح. كما تم تطوير 105 شونات ترابية لحفظ الأقماح وذلك فى 79 موقعا بعشرين محافظة وقامت بتنفيذهما شركة بلومبرج الأمريكية بالتعاون مع الهيئة الهندسية للقوات المسلحة •