منذ أكثر من مائة عام ذهب فنان مصرى شاب إلى إيطاليا ليتعلم فن النحت وعمل التماثيل فى كبرى الكليات هناك.. وعندما سأله أستاذه عن بلده قال له: مصر.. فرد عليه مندهشا: أنت جئت من بلد أصل فن النحت فى العالم لتتعلم هنا!.. عد إلى بلدك وانظر لأى تمثال من أعمال أجدادك وتعلم منهم وبعدها ستكون فنانًا عظيمًا، وبالفعل أصبح (محمود مختار) من أكبر وأعظم الفنانين الذين تزين أعمالهم الميادين وأشهرها تمثال نهضة مصر العظيم.. فى المقابل وبعد 5000 سنة نجد أحفاد الفراعنة العظام يشوهون ميادينهم بأيديهم وأصبحت مصر وبشكل متعمد مع سبق الإصرار والترصد ساحة للقبح والتشوه البصرى.. مع كل مشكلة نعانى منها نتيجة العشوائيات فى المبانى والميادين والشوارع وإذا سألت عن الأسباب تجد الرد: اذهب للمسئول فى المجلس المحلى ورئيس مجلس المدينة، وللأسف منذ عشرات السنين الكل يعرف أن الفساد الأكبر داخل المجالس المحلية، ولكن يهمنى فى هذا الآن ما أراه من تشويه متعمد وأنا أؤكد على أنه متعمد لعمل البديل من الطريقة التى نراها فى تزيين الميادين بالمدن الجديدة، وهى عبارة عن كتل خرسانية ليس بها أى بعد جمالى وأهم ما فيها اسم الشركة التى قامت شاكرة ببنائها، والبديل الآخر أنك تقيم تماثيل مشوهة بعد هدم التماثيل الأخرى الأكثر فنا وجمالا فهى حرام مثلما تم هدم تمثال عميد الأدب العربى طه حسين فى مسقط رأسه بالمنيا.. وسيدة الغناء العربى أم كلثوم فى موطنها المنصورة.. وتماثيل أخرى مدينة الشيخ زايد بمدينة 6 أكتوبر.. التى تم هدمها وهى من أعمال كبار فنانى النحت بسمبوزيوم أسوان التى أهدتها وزارة الثقافة إلى مدينة الشيخ زايد الجديدة.. وبالطبع كان لابد من البحث عن المسئول عن كل هذه المهازل والعشوائية التى نعيشها وكانت البداية من رئيس هيئة التنسيق الحضارى المهندس محمد أبوسعدة الذى أجاب قائلا: للأسف نحن ملتزمون بقانون المحليات ودورنا تحول إلى دور استشارى وأعضاء المجالس المحلية أصحاب قرار التنفيذ الذى قد يوافقون عليه أو لا يوافقون.. بعد هذا الكلام كان لابد من الذهاب لأحد مسئولى المحليات فى إحدى المدن الجديدة الذى رفض ذكر اسمه سألته قائلة: سيادة اللواء لديكم مكتب فنى للقيام بأعمال التجميل والتزيين للميادين هل هم من الفنانين التشكيليين ومن المهندسين المعماريين؟ أجاب قائلا: ليس جميعهم لأننا نعتمد فى تزيين الميادين وتجميلها على الشركات ورجال الأعمال كتر خيرهم بتزيين الميادين وكمان حنشترط عليهم (!) قلت: لماذا لا تستعين بكبار الفنانين من كليات الفنون الجميلة أو حتى بمشروعات طلبة كليات الفنون أو قسم العمارة بكليات الهندسة وما أكثر هذه المشاريع من الطلبة المتفوقين والمتميزين؟! رد عليّ برد صادم قائلا: يا أستاذة دول بيطلبوا فلوس كتير وكتر خير رجال الأعمال والشركات بتزين لنا الميادين على حسابهم و(يعلنوا) عن شركاتهم فيه.. كمان حنشترط ونثقل عليهم! قلت: لا كتر خيرهم فعلا واحنا نرى القبح والتشوه البصرى! لملمت أوراقى وأنا أقول فى نفسى: طيب نعمل إيه أكثر من ثورتين لإصلاح أحوال بلدنا وإنقاذه من الخراب والتشوه والفساد؟! •
