قد يرى البعض فى السطور التالية مجرد تجربة شخصية لكاتبتها لكنها فى الحقيقة قد تمثل وكتابات الزملاء خيوطا من حرير تغزل بها لوحة فنية تحمل بعضا من ملامح شخصية قريبة ذات قيمة وقامة على المستوى الصحفى والفنى والإنسانى ومهما اجتهدنا فى التعبير عنها سيظل الأصل دوما أصدق.. وأروع. تشرفت بمعرفة الأستاذ رءوف قبل أن أراه بسنوات.. فمنذ صغرى وأنا أتابع مجلتى المفضلة صباح الخير كقارئة مبهورة بكتابات الأستاذ رءوف عن السينما ومن خلال تحليل ونقد الأفلام بقلمه تعلمت كيف أشاهد الفيلم السينمائى وأستشعر قيمة الحوار.. وأتذوق لغة الكاميرا.. وأتفاعل مع الموسيقى التصويرية.. وأتأمل فكرة الفيلم وأداء الفنانين وتمكن المخرج من أدواته. كنت أقرأ المقال أكثر من مرة وأحتفظ به لأعود إليه عند مشاهدة الفيلم لأرى من خلال عيون أستاذ رءوف وقلمه صورة أعمق وأشمل وأكثر عذوبة للشريط السينمائى.. فأنت مع كتاباته الفنية فى رحاب عاشق للفن السينمائى يبث عشقه لقرائه بأسلوب راق ويشرح أصعب المصطلحات الفنية بسلاسة مثيرة للدهشة فيخلق لدى القراء وعيا فنيا وسياسيا واجتماعيا من خلال الفن السابع.. التحقت بكلية الإعلام وأنا لا أرى نفسى إلا صحفية فى بلاط صاحبة الجلالة صباح الخير.. التى فتحت لى أبوابها بلا كارت توصية ولا واسطة فى عهد المعلم الأكبر لويس جريس.. وكانت قمة سعادتى أن أرى وأتحاور مع الأساتذة الذين قرأت لهم وتعلمت منهم وعلى يديهم فعليا الصحافة.. كانت حجرات صباح الخير بمثابة صالون ثقافى مفتوح يضم كبار الأدباء والشعراء والكتاب والصحفيين ولكن كانت هناك حجرتان لم أجرؤ على الاقتراب منهما.. حجرة الأستاذ رءوف المفتوحة دائما.. وحجرة الأستاذ مفيد المغلقة دائما.. ورغم كل هذا الانبهار والإعجاب بكتابات الأستاذ رؤوف لم أكن أجرؤ على التحدث معه، فقد كنت أستشعر نحوه رهبة.. وإجلال. فصمته.. وشروده.. وملامحه الجادة الرصينة كانت حاجزا لا يمكن تجاوزه بسهولة. عندما تولى الأستاذ رؤوف رئاسة تحرير صباح الخير عام 1994 كنت أنا مثل حالة خاصة شديدة التعقيد.. والخصوصية!! كنت أعمل بمجلتى المفضلة منذ عشر سنوات بلا تعيين! مسجلة رقما قياسيا ربما على مستوى العالم، فقد كانت التعيينات متوقفة تماما بالمؤسسة طوال هذه السنوات خاصة للبنات وتطوع أهل الخير «!!» وبشرونى أنه بتولى الأستاذ رؤوف لرئاسة التحرير سيتم وضع نهاية غير سعيدة لحالة العشق الذى عايشتها لمجلتى من وأنا فى العشرين من عمرى فالأولوية ستكون فى النشر والتعيين لأبناء المرحلة الجديدة.. فأنا ابنة مرحلتين سابقتين «5 سنوات فى عهد الأستاذ لويس و5 سنوات فى عهد الأستاذ مفيد» ولن تشفع لى مئات التحقيقات الصحفية التى نشرت على مدى السنوات العشر وحظيت بالاحتفاء بها من الكتاب والقراء أن يكون لى مكان على خريطة الزملاء الجدد الذين التحقوا بالمجلة مع تولى الأستاذ رؤوف مسئولية رئاسة التحرير.. فالأب دائما ينحاز لأبنائه وليس لأبناء الآخرين. ولا أنكر أننى عشت فترة صعبة من الإحباط، فقد كنت عاشقة متيمة لمجلة صباح الخير التى بخلت على بشرعية الاعتراف والانتساب الرسمى لها.. لكن شيئا ما داخلى كان يؤكد لى أن الأستاذ رؤوف الذى أعرفه من كتاباته من هؤلاء الذين يصدق فيهم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم فى وصفه للنجاشى ملك الحبشة «هذا ملك لا يظلم عنده أحد» وهذا كاتب رفع شعارا لبابه أنه لا يصح إلا الصحيح، فصدقت يقينى وظنى به فاستعنت بالله وبدأت من أول السطر.. كلاكيت ثالث مرة.. مكتفية بالتقدير الذى يعاملنى به حالمة وراجية من الله أن يتحمس لى يوما. إلى أن تم تعيين الأستاذ محمد عبدالمنعم كرئيس مجلس إدارة مؤسسة روزاليوسف وتم فتح باب التعيينات لم يكن اسمى فى المجموعة الأولى يومها قال لى أستاذ رؤوف دون أن أعاتبه.. «هذه المجموعة هى الأكثر إنتاجا حاليا تأكدى أننى لن أظلمك وسيكون اسمك فى القائمة التالية».. وهذا بالفعل ما حدث بعد 6 شهور وتم تعيينى بعد 14 سنة خدمة فى صباح الخير!! إلى أن جاء يوم فوجئت بالأستاذ يطلبنى بعد تسليمى لتحقيق صحفى عن «رحلة بحث عن فتاة منتحرة» ويقول لى وهو يرفع عينيه عن موضوعى بتمهل « مها انت كاتبة موضوع جوايز» أنت تملكين قدرة هائلة على التعبير عن المشاعر الإنسانية بشكل مؤثر ودقيق. يا إلهى لا أصدق أخيرا رآنى.. أخيرا تكلم.. أخيرا تحمس لى أستاذ رؤوف لمن لا يعرفه هو إنسان قليل الكلام نادر الإطراء فإذا ما حدث فأنت بالتأكيد قد فزت بفوز عظيم.. فما بالك وهو يكشف النقاب عما خفى من نفسك أمام نفسك فتتعرف على ذاتك من خلال رؤيته.. وبالفعل أتقدم بالموضوع فى مسابقة التفوق الصحفى بنقابة الصحفيين فأفوز بالجائزة الأولى فى فرع القصة الإنسانية.. ويتوالى الدعم الإنسانى من الأستاذ لتلميذته.. فذاكرته لا تزال تحتفظ بكلماته فى خزانة النفائس. أنا باستمتع بقراءة الموضوعات اللى بتكتبيها عن رحلاتك بالخارج.. اهتمامك بالتفاصيل يدهشنى. خدى راحتك فى كتابة هذا الحوار.. لا تتعجلى شغلك يستحق التأنى. «اسمحى لى أغير العنوان الفرعى ده.. أنا أقترح... إيه رأيك؟ يا الله أكاد أطير فرحا.. الكاتب الكبير.. والصامت الأعظم لا يبخل بالثناء والتوجيه والاكتشاف.. بل وبالنصيحة المخلصة حتى بعدما ترك منصبه لم يبخل على وأنا أشكو له يوما ضيقا وقلة حيلة ويأسا أصابنى قائلا فى أبوة.. «لا تستسلمى سيتساقطون وتنجحى.. لا تتراجعى ولا تيأسى» وعملت بالنصيحة وصدقت نبوءة الأستاذ. 3 جوائز صحفية فزت بها كان أستاذ رؤوف أول من أحرص على إعلامه وكانت تهنئته هى جائزتى الحقيقية. الأستاذ روؤف.. وأنا.. أستاذ عظيم ومعلم كبير وتلميذة تشرفت اليوم بالكتابة عن علاقة امتدت سنوات من المد والجذر امتزجت فيها الرهبة بالانبهار والفتور بالامتنان لكن كان عنوانها الرئيسى دائما هو الاحترام.. لذلك الكاتب الكبير.. والإنسان النبيل.. حضرة المحترم.. رؤوف توفيق.•