كتب: ورد الغنام إن كانت سيدة الغناء أم كلثوم استطاعت أن تلعب دوراً ريادياً فى خدمة الأدب العربى خاصة فى مجال الشعر، وأن تأخذ بيد أكثر من أربعين شاعراً مصرياً وعربياً نحو الشهرة والمجد من خلال رحلتها الطويلة التى امتدت لأكثر من خمسين عاماً.. فإنها لعبت دوماً هذه الفنانة المعجزة دوراً غير مسبوق فى توحيد العرب حولها بما شدت من كلمات وألحان انطلقت من حنجرتها واستقرت فى وجداننا. بمناسبة الذكرى الواحدة والأربعين لوفاة كوكب الشرق أم كلثوم، التقينا ببعض من الشخصيات العربية التى تأثرت بفن وإبداع سيدة الغناء العربى أم كلثوم. • أم كلثوم تبقى فوق رأس الجميع يقول معالى محمد سعد العلمى سفير المملكة المغربية بالقاهرة عن أم كلثوم إنها إحدى العلامات البارزة فى سماء الفن العالمى وهى سميت كوكب الشرق لأنها منارة تنويرية لا يختلف عليها كل العالم.. أم كلثوم الفنانة الوحيدة التى أسهمت فى توحيد العرب حولها.. فهى من الظواهر التى تحدث فى العالم ولا تتكرر.. فهى الوحيدة فى العالم أيضاً التى كان ينتظر المستمع العربى من المحيط الى الخليج موعد حفلها فى بداية كل شهر للاستماع إلى صوتها الذهبى وما تشدو به من فن رفيع.. وهكذا الوجدان العربى توحد حول محبة أم كلثوم وحول التقدير لفنها الرفيع.. وفى المغرب لا ننسى زيارة أم كلثوم وسهراتها الرائعة التى أحيتها فى المغرب.. وكيف أنها غنت قصيدة «الأطلال» كما لم تغنها من قبل ولا من بعد، والتسجيلات مازالت تشهد على ذلك، فهناك تسجيلات تليفزيونية وإذاعية تعتبر من الوثائق التى تحافظ عليها المملكة المغربية. وهذه الزيارة كانت بدعوة من الملك المغفور له الحسن الثانى الذى كرم كوكب الشرق أم كلثوم واستقبلها على الشكل الذى يليق بمقامها الرفيع كإحدى قامات الفن العربى الأصيل. ومعروف أن الملك الحسن الثانى إلى جانب أنه رجل دولة مرموق، فهو كان كذلك يحب الفن الجميل ويعشقه، وعلاقتة بالفنانين المصريين مشهورة خاصة القامات الفنية فى فترة الستينيات والسبعينيات.. ولكن تبقى أم كلثوم فوق رأس الجميع، ويمكن أن أقول إن هذه الفنانة العظيمة سيظل اسمها خالداً، كما أن محبة الشعب المغربى لها والعرب كافة ستظل مستمرة وأغانيها وفنها الذى طبع فى قلوبنا سيبقى محفوراً، ليس فى قلوبنا فقط، بل فى قلوب ووجدان عشاق الفن الرفيع فى مختلف أنحاء العالم. • أنا كلثومى النشأة والمولد بهذه الكلمات بدأً معالى السفير الدكتور سعود عبدالعزيز الزبيدى مستشار الأمين العام لجامعة الدول العربية ومدير عام صندوق المعونة الإفريقية والأديب والشاعر السعودى، من لم يسمع أم كلثوم لا يعرف السمع.. من يوم أن ماتت كوكب الشرق فقدنا المشاعر والأحاسيس وفقد الفن دوره الحقيقى.. إننا نعانى الآن هزيمة حضارية كبيرة نحن كعرب.. هذه الهزيمة سببها تخلف الثقافة عن دورها.. الثقافة ما هى؟!.. هى أسلوب حياة.. ماذا نسمع، ماذا نرتدى، كيف نعيش.. التخلف الثقافى معناه تخلف الفنون والعلوم وبالذات الفن بكل مؤسساته فالفن هو القوة الناعمة.. مصر عبدالناصر استطاعت أن تفسح مجالا لهذه القوة الناعمة التى كانت على رأسها سيدة الغناء العربى أم كلثوم، والدليل أن كثيرا من العرب كانوا يأتون بالطائرة إلى حفلات أم كلثوم، وإن دل هذا على شىء فيدل على مدى وقوة تأثير هذه السيدة العظيمة.. علاقتى بكوكب الشرق بدأت منذ عام 1955 وكنت طالباً بالمرحلة الابتدائية، عندما أرسلنى والدى وأخى للدراسة فى مصر، لأنه لم تكن هناك مدارس فى السعودية.. وطبعاً كنا نستمع إلى أم كلثوم فى الراديو.. وكانت والدتى تأتى إلينا فى شهور الصيف وفى الخميس الأول من كل شهر كانت تصطحبنى إلى حفلة أم كلثوم فهى من عشاق أم كلثوم وأذكر أول حفلة حضرتها.. وكانت كوكب الشرق تشدو وتقول: ما بين بعدك وخوفى عليك.. وبين قربك وشوقى إليك.. دليلى احتار». وفى إحدى الحفلات وكانت تقام فى سينما الأوبرا وبين الوصلة الأولى والثانية جاء «للست» - يقصد كوكب الشرق خبر وفاة الموسيقار الشيخ زكريا أحمد.. وكان مقررا أن تغنى فى الوصلة الثانية أغنية «عودت عينى».. وبدلا منها قررت «الست» أن تغنى هو «صحيح الهوى غلاب» كلمات بيرم التونسى وألحان الشيخ زكريا أحمد وغنت كما لم تغن من قبل.. شوفى العظمة.. ودور الفن والفنان وولائه ووفائه وأخلاقة.. قيم إنسانية للأسف تلاشت من مجتمعاتنا. ويستدعى معالى السفير الأديب والشاعر سعود الزبيدى ذكرياته.. ويقول: مرة ثانية كنت مع أمى فى سينما قصر النيل وكانت لدينا رغبة شديدة أن نسلم على «الست» واصطحبنا أحد العاملين فى مسرح السينما.. وسلمت عليها أنا ووالدتى.. والتقطت لنا صورة معها وقالت لى «إنت صغير قوى» ولا أستطيع أن أصف شعورى عند سلامى عليها وشعورى أيضاً بالندم عندما ضاعت هذه الصورة. لقد كانت أم كلثوم بناء موسيقيا متكاملا من حيث الكلمات واللحن والصوت، لذلك كان لها هذا التأثير غير المسبوق فى عقل وقلب ونفس كل إنسان كان يستمع إليها.. كانت تختار الكلمة وتعرف من يقوم بوضع لحنها، فاستطاعت أن تنقل القصائد وحتى التى كانت تتميز بالصعوبة من الأوراق إلى الأفواه. ويسترسل: اسمعى مثلاً هذا البيت من شعر شوقى قصيدة سلو قلبى الذى يقول: والدين يسر والخلافة بيعة.. والأمر شورى والحقوق قضاء.. كلام مش ممكن يتغنى.. ولكن هذه المعجزة الفنية سيدة الغناء العربى أم كلثوم استطاعت أن تغنيه ويتردد على ألسنتنا. • وحدة ما يغلبها غلاب هذا المعنى جاء عبر كلمات الأديبة والمحامية السورية ريتا بدر الدين التى بدأت كلامها قائلة: أول شىء يخطر على بالى عند الحديث عن سيدة الغناء العربى أم كلثوم هو قدرتها على توحيد العالم العربى كله على حبها.. حب هذه القمة المصرية العربية.. هى قوة ناعمة فعالة.. تربينا على صوتها وشكلت وجداننا وتكويننا الروحى.. ومازالت تعيد تذكيرنا بأننا قوة عربية.. أم كلثوم مؤسسة عربية عظيمة انطلقت من الريف المصرى.. أنها امرأة استثنائية ليست كفنانة فقط ولكن رفعت مستوى الفن وصنعت له مكانة تستمع له وتستمتع به، أخرجت أصعب الأشعار والكلمات من الأفواه ليرددها أبسط الناس، أى عامل بسيط يغنى ويترنم بأغانى أم كلثوم فارتقت بمشاعرنا جميعاً.. واستطاعت أن تحقق الوحدة الفنية والأدبية من خلال استقطاب شعراء مصريين وعرب وغير عرب.. بعد أم كلثوم، لم يعد يعجبنى أحد.. فهى تسرى مثل الماء الزلال، حتى الملحنين الذين لحنوا لها كانت تختارهم بدقة وإحساس يفوق الوصف.. إنها امرأة ذكية استطاعت أن تطور وتتطور وتساير الزمن فاستطاعت أن تصل إلى أعلى القمة، بتأثيرها القوى والفعال من الملوك إلى أرق الطبقات المجتمعية ولا يمكن أن ننسى دورها الوطنى الكبير عندما تبرعت بأجور حفلاتها للمجهود الحربى.. أم كلثوم ظاهرة لا تتكرر. وفى نهاية كلامها عن كوكب الشرق.. تشير الأديبة والمحامية السورية ريتا بدر الدين إلى متحف كوكب الشرق وضرورة تفعيله ووضعه على الخريطة السياحية لمصر، فنحن مقصرون فى حق أم كلثوم هذه القيمة الحضارية المصرية العربية والقوة الناعمة المرتبطة بالسياحة أيضاً ومتحفها الذى تعتبره السيدة ريتا أنه ثروة سياحية مثل النفط فى البلدان الأخرى.. وتستطيع أن تكافح الإرهاب والفكر المتطرف بأم كلثوم.. مستحيل شخص يسمع أم كلثوم وكلماتها وموسيقاها ويروح يفجر.. لأن الموسيقى والغناء الراقى يسمو بالمشاعر والسلوكيات.. الشىء المتفق عليه أنها شخصية عالمية استثنائية تجسد الفن العربى الأصيل.. أنها جسدت عصرا من الزمن.. رحلة تاريخية توثق حركة الزمن والانتقال من وقت إلى آخر. •