للفنان جورج بهجوري- رسام الكاريكاتير والفنان التشكيلى المعروف - طلة خاصة تميزها هذه الضحكة الثابتة التى ورثها عن أجداده وأهله جعلت الكثير يصفونه بالفنان الساخر، ولكن ابن منطقة بهجورة الذى ترعرع على صور الأرض وألوان الطبيعة فى الصعيد المصرى لم يكتف بفن السخرية والكاريكاتير وإنما باتت له لوحات ومنحوتات وفنون تشكيلية مختلفة وضعته فى مصاف الفنانين الكبار، لا تكفى سطور قليلة لرصد مسيرة الفنان صاحب ال 83 عاما والتجربة الواسعة، ولكنها محاولة منا لواحد من أميز أبناء «روزاليوسف»، وبالتحديد «صباح الخير» التى بدأ مسيرته منها • بداية الحكاية - ولد الفنان جورج بهجورى فى عام 1932 لعائلة مصرية - فى قرية بهجورة بصعيد مصر والتى تستمد عائلته لقبها منها. وكان أبوه مدرساً للغة الإنجليزية وانتقل بعائلته إلى منوف فى منطقة الدلتا، حيث تقلد منصباً فى التدريس فى مدرسة إنجليزية. - وأطلقت رحلته فى صباه من صعيد مصر إلى الدلتا إلى القاهرة خيالاً اشتهرت به رسوماته الكاريكاتيرية ولوحاته فيما بعد. - والغريب أن هذا الفنان الملسوع بالفن كان يريد أن يصبح طبيبا لسبب وجيه من وجهة نظره حيث يقول جورج: «وأنا عندى 16 سنة كنت عاوز أعرف أسرار الجسم اللى أنا ربنا أعطاه لنا عاوز أعرف أسرار كل دقيقة فيه وكل تفاصيله». - لكن لما دلوقت بقيت بأعرف روح الإنسان فهو أنا باعتبر إن أنا نقلت من بحث فى الجسد إلى بحث الروح». - والأغرب أن مَن يبحث فى تاريخ عائلة جورج لا يجد شخصا انتقل إلى الفن بهذه السهولة إن كان الفن التشكيلى أو الرسم الكاريكاتيرى إذن ما الذى دفعه لهذا الاتجاه فيما بعد؟ - يجيب جورج بهجورى بطريقته: «مش عارف لغاية دلوقتى يعنى وأنا طفل كانوا يطردونى من قعدات الكبار يقولوا ما يصحش تقعد مع الكبار وأنا أتفرج عليهم وأضحك فى سرى ألاقى شكلهم يضحك اللى هم قادمون من بهجورة فى الصعيد عند عمى عطا الله البهجورى برضه وملامحهم متشابهة فى الأنف الكبيرة والعمة والقفطان وكده تصرفاتهم فيها فطرة ولطيفة وإنسانية، ولكن أنا كنت الطفل المشاغب اللى عاوز يعاكسهم فكنت أكتم الضحك عليهم، لكن أدخل غرفتى وأعمل لهم شخبطة كده صغيرة إنهم شكلهم كده من هنا بدأت السخرية». - ربما تكون هذه البداية غير المباشرة لجورج الذى التحق بكلية الفنون الجميلة فى القاهرة عام 1949، ومنذ عام 1953 حتى عام 1975 عمل فى مجال رسم الكاريكاتير فى رسوم الصحافة فى »روز اليوسف»، ولكن كيف تم ذلك؟ - نستمع إلى الحكاية من جورج نفسه الذى يحكيها بطريقته المميزة أيضا: «أنا قابلت فنانًا رائعًا جدا اسمه أبو العينين وهو من خلاله خلانى فى فترة قصيرة جدًا نجم كاريكاتير فى الصحافة من «روزاليوسف» وصباح الخير، خصوصاً لما قدمنى لإحسان عبدالقدوس، وكانت أول رسمة رسمتها مناخير عبد الناصر من أول الصفحة على الغلاف لحد الآخر وفضلت أطوِّل فيها وبعدين يأتى أبوالعينين يقول لى لا يا إما نقُصّ المناخير يا إما أنت تصغرها شوية هى دى أول غلاف، كان مهمًا جداً لأن أول مرة الرئيس يشوف نفسه كده. - وكان الفنان المصرى جورج بهجورى من أوائل الفنانين الذين رسموا الرئيس المصرى الراحل جمال عبد الناصر الذى كان يضحك فى بعض المرات على الرسوم ويغضب فى مرات أخرى ، ولكن بعض القيادات حول الزعيم الراحل هى التى كانت تحاول منع الرسوم خصوصا حين انتقل بهجورى إلى صحيفة الجمهورية». - ويعترف جورج بهجورى : «أنا ناصرى وأحب عبد الناصر وأعتقد أنه هو لو كان قاعد معانا لغاية دلوقتى كانت مصر تغيرت للأحسن، نظرات عينيه قوية جدا لدرجة أنى لما رسمت عينيه وهو أمامى ما قدرتش أكمل». - ولم تمنع له رسومات فى العهد الناصرى بعكس أيام السادات التى شهدت صدامًا بين البهجورى والنظام وقتها خاصة بعد كامب ديفيد التى أدت لخلافات كبيرة بين السادات وعدد كبير من المثقفين والفنانين وبينهم جورج. • الرحيل إلى باريس وفى عام 1969 قرر البهجورى الانتقال إلى باريس. - وقد منحته عاصمة النور الحرية التى طالما بحث عنها، حيث كان بمقدوره هناك أن يرسم بحرية كل جوانب الحياة اليومية، وهذا هو ما أبقاه فى فرنسا على امتداد ما يزيد على 35 عاماً، عاد بعدها إلى مصر. - وقد استمد الكثير من الإلهام من أعمال فنانين كثيرين خاصة بيكاسو، الذى منحه حرية أن يكون فناناً طليعياً، ولذلك أشار نقاد إلى البهجورى على أنه «بيكاسو المصرى ». وقد مزج أسلوب البهجورى بين التعدد من الفن الأوروبى وتراثه المصرى الفرعونى والعربى ما منحه خصوصية فى أعماله. - ويؤكد البهجورى فى حواراته دائما أهم محطات حياتى هى مغامرتى فى باريس، فحين كنت طالباً فى كلية الفنون الجميلة عملت رساماً فى مجلة «روزاليوسف» ووقتها طلبت من أحمد بهاء الدين أن أذهب إلى أوروبا، قلت له: «أنا عاوز أشوف الفن على حقيقته، فى المتاحف والميادين، وليس فى الكتب والمجلات»، وبالفعل سافرت إلى فرنساوإيطاليا، واكتشفت أن هاتين الدولتين «غارقتان» فى الفن، وفكرت فى جدى الذى وُلد وعاش ومات فى قرية (بهجورة) بالصعيد، فهو كان يرى أن العالم كله هو هذه القرية، وقررت أن أعيش فى مدينة أختارها بنفسى ، مادمت ولدت فى «بهجورة»، وعشت 35 سنة فى القاهرة، فيجب أن أعيش 35 سنة أخرى فى مدينة من اختيارى ، وذهبت فى رحلة من تلقاء نفسى إلى باريس، أعطيت نفسى منحة للتعليم والدراسة، وحتى الآن تشكل لى باريس أعظم مغامرات حياتى ، فهناك ولدت من جديد، وللمرة الثانية». • عالم جورج - وينظر إلى جورج بهجورى أيضاً على أنه واحد من رواد الكاريكاتير المصرى ، وقد نشرت رسوماته الكاريكاتيرية السياسية فى الصحف العربية على امتداد عقود من الزمن. - وتعد لوحاته الكاريكاتيرية والتشكيلية معا تجسيدات بديعة لأبناء شعبه وللتراث المصرى وللفولكلور. - وتشكل المقاهى وتدخين النرجيلة ولعبة الطاولة والطقوس الشعبية خاصة الموالد والأعياد الشعبية والدينية جزءاً لا يتجزأ من هذه اللوحات الإبداعية التى قدمها البهجورى . - والواقع أننا يمكن أن نقول: إنه يرسم كل شيء يقع تحت نظره ويمضى نهاره يرسم ومَن يزوره فى معارضه أو مرسمه سيجد أن مصر عنده حاضرة فى كل شيء حتى فى لوحات زوجته التى صورها على طريقة الرسوم الفرعونية القديمة، مصر التى أحبها جورج بهجورى ولجأ إلى تاريخها القديم ينهل منه أيقونات أو لون الأرض أو الطبيعة تحفظ هى الأخرى له مكاناً كبيراً فى قلوب شعبها، وهو يطوف شوارع القاهرة المزدحمة، يسرق الحياة من هذه الشوارع إلى أعماله ولوحاته وكراريسه التى يحملها معه أينما ذهب ليرقب الناس فى الشوارع والأزقة والحوارى والطرقات، سوف تصادفه يجلس فوق أى رصيف ليرسم بائع الفول أمام عربته ومن حوله يأكل الناس بمختلف فئاتهم: المدرسون والطلبة، العمال والأفندية، بنات الجامعة وبنات الشوارع، كل شيء ينم عن الحياة فى لوحات «بهجورى » وهو برغم مشواره الطويل فى الفن، لم يزل يدخل إلى كل لوحة من لوحاته بروح رجل يمسك الفرشاة للمرة الأولى فى حياته، كطفل وضع والداه قلماً ملوناً بين كفيه فراح يرسم ما يراه بشكل تلقائى وفطرى . - وقد تعلم الفنان المصرى جورج بهجورى النحت أيضا على يد لاجئ سياسى رومانى فى فرنسا، أما من تعلم منهم فى مسيرة رحلته للفن فهو يقدر كلًا من: حسين بيكار، إحسان عبد القدوس، أبوالعينين، نرمين القوصى ، بهجت عثمان، صلاح جاهين، كمال أمين، سمير السبع، ممدوح عمار، نادية لطفى . - ولما سئل جورج فى أحد حواراته الإعلامية: «خايف على لوحاتك أنه فيما بعد لا يهتم بها أحد، وهل الدولة فى نيتها التعامل مع التراث الضخم الذى قدمته عبر سنين تجربتك الإبداعية؟ - أجاب بوضوح: «هيعملوا معايا زى ما عملوا مع سمير رافع». - أستاذنا اللى هو مات فى باريس لم يهتموا بأعماله وهو عايش ولما مات نقلوا لوحاته وعملوا له معرض كبير! حاولنا فى السطور السابقة أن نقدم نبذات سريعة وخاطفة من سيرة فناننا الكبير جورج البهجورى أطال الله فى عمره ليمتعنا بأعماله المدهشة الطازجة دائما. • المراجع: - قطاع الفنون التشكيلية وزارة الثقافة - حوارات سابقة مع الفنان فى صباح الخير وصحف مصرية - حلقة مسجلة مع الفنان بقناة الجزيرة - موقع الوعى المصرى «حوار مع الفنان» البهجورى فى سطور المراحل الدراسية - دبلوم الفنون الجميلة بالقاهرة مرسم بيكار قسم التصوير 1955. - مدرسة الفنون الجميلة بباريس مرسم يانكيل - فرنسا 1971. - دبلومة فى لوس أنجلوس. المؤلفات والأنشطة الثقافية • كتاب بورسعيد 56 • السادات 80 • باريس 1990. • أيقونة فلتس • بهجر فى المهجر • من بهجورة إلى باريس -الرسوم الممنوعة الجوائز الدولية: - جائزة شرفية للرسم الهزلى العربى بدمشق - سوريا 1979. - جائزة للكاريكاتير من إسبانيا عن شخصية فرانكو. - جائزة من بينالى إيطاليا للكاريكاتير. - الجائزة العالمية الأولى فى الكاريكاتير فى روما فى عامى 1985 و1987. - جائزة الملك عبد الله الثانى للإبداع والآداب والفنون. مقتنيات رسمية: - متحف الفن المصرى الحديث بالقاهرة. - متحف لومانسى فرنسا. - متحف الشونة بالإسكندرية. - متحف الفن الحديث -عمان. بيانات أخرى : - متحف لأعماله فى الأردن. - أصبح المصنف رقم (1) فى العالم من إيطالياوفرنسا وإسبانيا فى مسابقات فن البورتريه. - أبحاثه فى رسالة دكتوراة بالسوربون لم تتم لأنها تأملات مستمرة أثناء الإبداع (الخط المصرى فى أعمال بيكاسو) بإشراف البروفسور الناقد(MARC. LE. BOT). •