واحدة من المحطات الرئيسة فى حياة الفنان الكبير «نور الشريف»، كانت فى أوائل الثمانينيات من القرن الماضى - وتحديداً عام 1982- عندما وقع عليه اختيار المخرج العالمى الراحل «يوسف شاهين» لبطولة فيلم (حدوتة مصرية)، وهو العمل الثانى فى سلسلة أعمال السيرة الذاتية لشاهين التى بدأت بفيلم (إسكندرية ليه) ثم (حدوتة مصرية) ف(إسكندرية كمان وكمان) وأخيراً فيلم (إسكندرية - نيويورك). جسد «نور الشريف» مرحلة عمرية مهمة من حياة شاهين ولعب دور (يحيى شكرى مراد)، إلا أنه وضع لمساته الفنية على هذا الدور. ورغم أن الفيلم لم يحظ باحتفاء الجماهير ولم يحقق النتيجة المرجوة فى شباك التذاكر، فإن النقاد احتفوا به احتفاء شديداً، باعتبار أن «شاهين» قام بنقد نفسه ذاتياً لأول مرة فى تاريخ السينما المصرية، فى الوقت الذى تفوق فيه «نور الشريف» على نفسه فنيا. وباعتبارى أحد المتابعين والمهتمين بسينما شاهين بكل تفاصيلها، فقد أتيحت لى أكثر من فرصة لحضور الكثير من اللقاءات والندوات والمؤتمرات الصحفية التى أقيمت على هامش أسابيع سينمائية قدمتها المراكز الثقافية وبعض الكليات الجامعية لمناقشة أعمال شاهين والاحتفاء بها، وكان من بينها - بطبيعة الحال - فيلم (حدوتة مصرية) باعتباره من الأعمال التى أثارت كثيراً من اللغط، ربما أكثر من فيلمه الأول (إسكندرية ليه) بسبب تعرية المخرج لأسرار عائلية وإجراء محاكمة لهم بالتوازى مع ظروف المجتمع فى ذلك الوقت، إضافة إلى الخلاف الذى نشب بين شاهين والكاتب الكبير «يوسف إدريس» الذى تنصل من العمل ولم تعجبه معالجة شاهين السينمائية للقصة، وبالتالى حظى هذا الفيلم وأبطاله - دائماً - بالتركيز والاهتمام، ومن بينها اختيار شاهين ل«نور الشريف» تحديداً للقيام بتجسيد شخصيته على الشاشة - بعد «محسن محيى الدين» - فى مرحلة شديدة الحساسية من مسيرته الفنية، وربما يكون اختياره لنور نابعاً من رؤية خبير قادر على تطويع إمكانيات أى فنان لصالح العمل وهو ما راهن عليه شاهين بعد متابعته ل «نور» فى أعمال جادة مثل (الكرنك) لتلميذه على بدرخان فى منتصف السبعينيات، وأذكر أن «شاهين» تحدث مراراً وتكراراً عن سبب اختياره لنور لبطولة (حدوتة مصرية) منها أنه أكد أن أختياره له كان نابعاً من إيمانه بقدراته الفنية وتجسيده لشخصيات متنوعة فى أعمال مختلفة، كما أنه كان يبحث عن شخص يشبهه إلى حد ما من ناحية الشكل لإقناع المشاهد، وهو ما لاحظه الناس من نجاح «نور الشريف» فى أداء بعض الحركات الشاهينية المشهورة خلال الفيلم. شاهين لم يتخل عن صراحته المعهودة فى أحد اللقاءات وقالها لجمهور الحاضرين: «نور الشريف» ممثل ممتاز ولهذا السبب اخترته لأداء شخصيتى، وأعترف أنه لفت نظرى فى بداية مشواره الفنى فى أدوار مهمة جادة، إلا أنه أهدر موهبته بقبوله أدواراً هابطة المستوى، ثم تدارك ذلك ليصبح واحداً من أعظم الفنانين فى الثمانينيات والتسعينيات والذى يسعد أى مخرج بالعمل معه. أما نور فقد قبل التحدى ليدخل مرحلة وتجربة جديدة فى حياته الفنية واضعاً نصب عينيه أنه يتعامل مع مخرج وممثل - فى آن واحد- وبالتالى التجربة ستكون مثيرة وثرية جداً وربما مرهقة للغاية، ومن المؤكد أن نور كان يحلم طوال مشواره بالجمع بين الموهبتين - مثل «شاهين» - وهو ما تحقق فيما بعد من خلال فيلم (العاشقان). نجح «نور الشريف» فى كسب ثقة شاهين وإقناعه بموهبته الفذة، وكانت الجلسات الطويلة التى جمعت بينهما أثناء التحضير لحدوتة مصرية وأيضاً خلال التصوير سبباً فى تقاربهما فكرياً بعد أن لعب المكياج دوره فى تقريب الشبه بينهما مع إبداع «نور الشريف» فى تحريك النظارة كما يفعل «شاهين» . بعد 15 عاماً وتحديداً عام 1997، كان اللقاء الثانى بين شاهين ونور من خلال فيلم (المصير) الذى جسد خلاله دور الفيلسوف الأندلسى ابن رشد ومواجهته لتوغل قوى الرجعية والمتشددين الدينيين فى بلاط الحاكم، ليتفوق «نور» على نفسه فى هذا الدور ويكون الفيلم رسالة للعالم ضد الإرهاب والتخلف. وأخيراً كان اللقاء - بين الاثنين- فى الفيلم القصير (11 سبتمبر) والذى أنتج عام 2002 تذكاراً لمرور عام على أحداث 11 سبتمبر والهجوم على برجى التجارة فى نيويورك، وكان الفيلم معروفاً أيضًا باسم «11 دقيقة، 9 ثوانى .. صورة واحدة» وكان جزءًا من مشروع بدأه منتج فرنسى، وضم 11 مخرجًا من مختلف أنحاء العالم، حيث أعطى لكل مخرج ما يزيد قليلاً على 11 دقيقة لتقديم رؤية سينمائية حول ما حدث فى نيويورك وواشنطن فى سبتمبر 2001، وقد كانت مساهمة شاهين من أكثر الأعمال القصيرة ال 11 إثارة للخلاف، حيث اتهمه العديد من النقاد فى الغرب بأنه يقدم تحليلاً مغايراً للأحداث، وبطبيعة الحال كان لوجود نور الشريف فى هذا العمل دور كبير فى توصيل فكر شاهين للغرب بحرفيته العالية فى الأداء. •