بقلم: منتصر جابر منذ أيام مرت الذكرى العاشرة لرحيل فنان الكاريكاتير محسن جابر.. كأنه فارقنا أمس، وحقيقة عندما نتذكر «محسن» نتذكر تاريخا طويلا من النضال الوطنى لرسامى كاريكاتير مؤسسة روزاليوسف. هؤلاء النخبة من فنانى الوطن كانوا طليعة لحركة وطنية عاشت طوال عمرها ترسم وتبدع وتنقش بدمائها على حوائط هذا الوطن أغلى الرسومات عن الحرية والعدالة.. وكانوا جميعهم بلا استثناء حائط الصد الأول الذى واجه الديكتاتورية والفساد والإرهاب والتطرف منذ الأربعينيات والخمسينيات وحتى الآن!! «محسن جابر».. كان واحدا من مدرسة عظيمة، ضمت عشرات الثوار الذين عاشوا وطنهم فى ثورة دائمة، حيث إن رسوماتهم لم تكن تحتاج إلى فيسبوك أو تويتر أو شبكات التواصل الاجتماعى كلها للقيام بثورة.. فقد كانت كل رسمة من رسومات طوغان وعبدالسميع وزهدى وحجازى وبهجت وجاهين والليثى واللباد وحاكم ومحسن وجمعة ورءوف ورمسيس.. والكثير غيرهم.. هى ثورة لوحدها، فقد كانت رسومات الكاريكاتير فى مجلة «روزاليوسف» و«صباح الخير» تنافس مقالات كبار الكتاب بداية من إحسان عبدالقدوس وأحمد بهاء الدين وعبدالرحمن الشرقاوى وصلاح حافظ حتى السعدنى ولويس جريس ونهاد جاد والطوخى ورشدى أبو الحسن.. وغيرهم من كبار الكتاب.. وكان لى شرف تعلم السياسة والصحافة على أيدى هؤلاء العظماء من خلال مجلتى «روزاليوسف» و«صباح الخير»، وقد عرفا الطريق إلى منزلنا فى أعماق الصعيد بنجع حمادى منذ بدأ «محسن» يرسم أول أعماله وينشرها على صفحات هذه المؤسسة العريقة وهو فى المرحلة الثانوية. و«محسن» كان مثل كل أبناء جيله من مؤسسة «روزاليوسف»، صاحب ريشة حرة وثورية، لم يكن يعارض من أجل المعارضة، ولم يكن يعترض من أجل الاعتراض، ولم يستثمر يوما معارضته فى مصالح شخصية وهذا كان حال كل رسامى الكاريكاتير فى هذه المدرسة، فقد كانوا جميعا عشاقا للوطن بلا مقابل وكان نصفهم على الأقل، عانى من الاعتقال فى الستينيات بسبب هذا العشق لمصريته وعروبته، وللحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية وإن أرشيف مجلات «روزاليوسف» و«صباح الخير» هو فى الحقيقة سجل حافل من النضال الوطنى الشريف والصادق.. ولم يضبط واحد منهم، يعمل لحساب جهة أو جبهة أو حزب أو ممول من الخارج أو الداخل، أو يعمل فى الخفاء أو لمصالحه الشخصية من الأمراض السياسية التى نعانى منها الآن واختلط فيها السياسى بالوطنى بالخائن وبالعميل.. بينما نخبة «روزاليوسف» كانوا جميعهم أصحاب رسالات مثل الأنبياء لإنقاذ هذا الشعب من كفار السلطة واستبدادها. إن مسيرة الكاريكاتير، هى فى الحقيقة انعكاس للتاريخ المصرى فى العصر الحديث، فقد كان رسامو الكاريكاتير أول من حرضوا الشعب على القيام بالثورات وبالحركات الاحتجاجية، وكذلك كانوا أول من ساندوا الثورات والثوار منذ ثورة عام 1919حتى ثورة 30 يونيو2013، حيث واجهوا الاحتلال البريطانى وفساد الملكية والإقطاع، وساندوا ثورة 23 يوليو، ورفضوا ديكتاتوريها وسجونها ومعتقلاتها، وكانوا أيضا شوكة فى جنب إسرائيل والصهيونية منذ اعتداء 67وحتى نصر أكتوبر 73، وحتى فى مواجهة الإرهاب والإرهابيين والتطرف الدينى واستحواذ الجماعة الإخوانية الإرهابية، كان رسامو الكاريكاتير فى طليعة كل مصرى وطنى لمحاربة هذا الوباء، وذلك منذ ظهور جماعة الإخوان الإرهابية قبل الثورة، ثم إعادة إحيائها فى أشكال أخرى من الأمراض مثل الجماعة الإسلامية والجهاد وغيرهما منذ بداية السبعينيات ومرورا بالثمانينيات والتسعينيات وحتى الآن، كان الكاريكاتير هو السلاح المدبب فى وجوه المتطرفين وكان أيضا سن القلم الذى خط كل ما هو جميل ونبيل وحضارى. وأذكر من كلمات «محسن» أن الكاريكاتير أخطر من المقال ليس لأنه يصل إلى كل الناس، الذى يعرف القراءة والكتابة وكذلك الذى لا يعرفهما، ولكن لأنه سلاح ذو حدين.. يمكن أن يقتل ويمكن أن يخدر.. فإذا استخدمته سلاحا لمواجهة الاستبداد والظلم الاجتماعى يمكن أن يقتل كل ديكتاتور فى أى منصب وموقع ويمكن أن يستخدمه الديكتاتور كمخدر للشعب إذا تحول الرسام إلى مجرد منولوجست يرسم نكت للضحك، كأنه مؤلف مسرحى فاشل لا يجيد سوى كتابة الإفيهات الجنسية لدغدغة حواس وغرائز الجمهور. رحم الله الفنان محسن جابر.. وكل فنانى مؤسسة «روزاليوسف» العظماء، الذين علموا كل فنانى مصر والعرب معنى وقيمة أن تكون رساما وطنيا، فقد كانوا جميعهم بلا استثناء طليعة للتنوير وللحضارة والرقى الإنسانى النبيل فى مصر والعالم العربى.•