ونحن علي أعتاب العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين وبعد أن غزت المرأة المصرية كل المجالات وتفوقت وأصبح لها وجود قوي في سوق العمل إلا أن هناك بعض المجالات التي لم يطرقها الجنس الناعم إلا علي استحياء ففي فن الكاريكاتير الصحفي والذي تعدي عمره المائة عام، لا يزيد عدد الرسامات علي نسبة 10% من عدد رسامي الكاريكاتير بصفة عامة بمعدل 5 رسامات. تحدثنا مع بعض فنانات الكاريكاتير اللاتي استطعن أن يجدن لأنفسهن مكانًا علي الساحة وأثبتن كفاءتهن، لنعرف منهن ما هي الصعوبات التي واجهتهن وتفسيرهن لقلة عددهن بهذا الشكل اللافت. دعاء العدل من أوائل البنات اللاتي دخلن مجال الكاريكاتير في مصر واستطاعت أن تجذب الأنظار إليها بموهبتها وحسها الفني وهي أول رسامة تحصل علي جائزة التفوق الصحفي من نقابة الصحفيين في عام 2009. دعاء تروي حكايتها مع الكاريكاتير فتقول: حبي للكاريكاتير بدأ عندما كنت أرسم لنفسي قبل أن أعرف حتي قواعد المجال وبعد دخولي كلية الفنون الجميلة قسم ديكور مسرح وسينما، زاد حبي للكاريكاتير وبدأت أنشر رسمي بمدونة اسمها «بنت مصرية» ولاقت رسوماتي الإعجاب وبعد تخرجي في الكلية تقدمت بجريدة الدستور وكان وقتها الفنان عمرو سليم يبحث عن رسامات للكاريكاتير وبالفعل عرضت رسوماتي عليه وأعجب بها وبدأت أنا مع «الدستور» وكنت وقتها قد نشرت رسومات بمجلة «صباح الخير» حيث وجدت فيها ترحيبًا من رئيس التحرير رشاد كامل الذي شجعني كثيرًا ومن «صباح الخير» إلي مجلة «روزاليوسف» وحاليًا أنا أعمل في «المصري اليوم». وتضيف دعاء قائلة: في بداية دخولي مجال الكاريكاتير لم أقابل صعوبات تمنعني من الاستمرار أو تفرقة بين البنت والولد، لكن كان هناك حالة من الاستغراب جاءت بسبب أن مهنة الكاريكاتير ليست مطروقة بالإضافة للسخرية والاستخفاف في بعض الأحيان من قبل زملائي الرجال ولم تستمر طويلاً لأنه كان بداخلي حافز للاستمرار والنجاح وإثبات الذات وهذا ما جعلني أحقق نجاحًا وأحصل علي جائزة نقابة الصحفيين وإذا كان عددنا كرسامات كاريكاتير قليلاً أو نادرًا فإن مجال الكاريكاتير يعاني قلة العدد به بصفة عامة والأسماء اللامعة فيه يتم حسابهم علي أصابع اليد وهذه مرحلة سوف تمر ومع الوقت سوف يزيد عدد رسامي الكاريكاتير سواء من البنات أو الشباب ويرتبط هذا بزيادة عدد المطبوعات من الجرائد الخاصة والمعارضة التي سيكون فيها سقف الحرية أعلي من نظيرتها القومية. تتمني دعاء الاستمرار في مجال الكاريكاتير بنجاح وألا تصل لمرحلة تفتقر فيها التجديد والتطوير في أفكارها كما تتمني لزميلاتها الرسامات أن يدخلن حلبة المنافسة ويتواجدن علي ساحة الكاريكاتير بقوة وأن يكون هناك تواصل أكبر بين رسامي الكاريكاتير في مصر ودول العالم. موهبة واحتراف أما سماح فاروق فهي أول فتاة تحصل علي عضوية نقابة الصحفيين كرسامة كاريكاتير وترسم بجريدة المسائية التابعة لدار أخبار اليوم. دخلت مجال الكاريكاتير منذ 5 سنوات من باب الهواية وبسبب حبها لهذا الفن تركت عملها كباحثة في مركز البحوث بالرغم من تحضيرها للماجستير وتفرغت للكاريكاتير ودعمت موهبتها بالدراسة الحرة بكلية التربية الفنية. تقول سماح: الموضوع بدأ كهواية لكن اتخذت القرار بالاحتراف خاصة أنني لا أستطيع أن أجمع بين مهنتين علاوة علي أن الرسم قد استولي علي عقلي وتفكيري ومع دخولي المهنة وجدت صعوبة في عملي كرسامة كاريكاتير فتاة علي اعتبار أن فن الكاريكاتير يستخدم ألفاظًا جريئة أو رسومات عارية بالإضافة إلي أن الرسامين الكبار ينظرون باستغراب للفتاة التي تختار هذه المهنة ولا يساعدونا في أي شيء باستثناء القليل منهم وتبدأ المضايقات، بمعني أن الزملاء الرجال يريدون أن ينفردوا بمساحات النشر في الجرائد وإذا حاولنا أن نوجد لأنفسنا مكانًا بجانبهم تبدأ المضايقات، وكأن الكاريكاتير حكر عليهم وهذا يجعل التواصل بيننا وبينهم مفقودًا وإذا كان هناك تواصل يكون بهدف الربح والتجارة. تؤكد سماح أن فن الكاريكاتير قائم علي فكرة وقضية وأن الرسام الذي لا يملك فكرة لا يطلق عليه رسام كاريكاتير فالفكرة المتطورة موهبة تكتمل بالثقافة ومعرفة كل ما يدور حولنا من أحداث. وتشير سماح إلي أنها اعتمدت علي نفسها ولم تلق أي رعاية من الفنانين الكبار واقتصر دور النقابة فقط علي السماح لها بإقامة معرض لأعمالها بقاعة الفنون التشكيلية، أما جمعية الكاريكاتير فلا تقدم أي دعم لرسامي الكاريكاتير بصفة عامة سواء من الرجال أو الفتيات وبالرغم من أن بها مكتبة ضخمة لرسوم الكاريكاتير إلا أنه لا يتم السماح للفنانين الشباب بالاستفادة من هذه المكتبة ويتم النظر للرسامين الشباب علي أنهم «شوية عيال» اقتحموا الصحافة. نرمين بهاء من الرسامات المستجدات في مجال الكاريكاتير بدأت مع مجلة الهلال ثم عملت فترة بجريدة المصري اليوم وحاليًا بمجلة صباح الخير. تقول: الموهبة الفنية وراثة في أسرتي فقد تعلمت الرسم من أختي نسرين بهاء التي شجعتني كثيرًا وبعد تخرجي في كلية التربية الفنية عام 2005 بدأت أعمل في مجال الرسم واحترفت رسم الكاريكاتير منذ سنتين وتقدمت لمسابقة أجرتها جريدة المصري وأعجبوا بعملي وعلمت بها فترة إلي أن استقريت حاليًا بمجلة «صباح الخير» ومنذ البداية حرصت أن أكون أنا صاحبة أفكار رسومات الكاريكاتير التي أرسمها حيث استخلصها من المجتمع الذي أعيش فيه وأناقش مشاكله بشكل كوميدي!! وعن قلة عدد رسامات الكاريكاتير تقول نرمين: الشباب يأخذ فرصته أكثر من البنات ويتم النظر للبنت نظرة أخري بسبب ظروفها الأسرية سواء من ناحية الزواج أو الإنجاب والانشغال بهما وهذا يجعل تشجيع البنت أقل من تشجيع الولد وهذا يجعل بعض الرسامات يختصرن الطريق سواء بالاحتراف في مجال آخر أو الجلوس في المنزل علاوة علي أنه لا توجد رعاية من الفنانين الكبار للشباب باستثناء عدد قليل جدًا حتي جمعية الكاريكاتير فإن اجتماعاتها لا تتم بانتظام بسبب أن الفنانين المسئولين عن الجمعية ليس لديهم الوقت. أمنية كامل رسامة كاريكاتير احترفت رسم الكاريكاتير لمدة عامين وعملت بجريدة الدستور لكن لأسباب تتحدث عنها تركت الكاريكاتير وعملت كمصمة جرافيك ومصممة لرسومات الأطفال بمجلة «نونة». تقول أمينة: تركت رسم الكاريكاتير لأنني لم أجد التقدير المادي و المعنوي لمجهودي وشغلي وعلي العكس وجدت هذا التقدير في مجال الجرافيك والمسألة ليست مسألة مادة بقدر ما هو شعور بالتقدير المعنوي فقد عملت كرسامة محترفة منذ نوفمبر عام 2008 وحتي إبريل 2010 وكنت سعيدة بشغلي وبرد الفعل تجاهه ووجدت مساعدة من جانب الفنان عمرو سليم الذي كان يتابعني بنصائحه بشكل دوري لكني وجدت راحتي في مجال الجرافيك الذي يعتبر مجالي في الأساس خاصة أنني خريجة فنون جميلة. ظاهرة عالمية الفنان جمعة رسام الكاريكاتير المعروف يبرر قلة عدد رسامات الكاريكاتير بأنها ظاهرة موجودة علي مستوي العالم وليست في مصر فقط ويري أن هذا نابع من انشغال البنت بالزواج والإنجاب ويكون لها هدف بعيد عن جال الكاريكاتير الذي يحتاج لتفرغ تام وثقل الموهبة بالثقافة والقراءة المستمرة ومتابعة الأحداث والاحتكاك بالمجتمع ومعايشة مشاكله فرسام الكاريكاتير لا يستطيع أن يرسم وهو جالس في البيت، ومع ذلك يري جمعة أن عدد رسامات الكاريكاتير ليس قليلاً فهم يمثلون 10% من عدد الرسامين بواقع خمس رسامات من 50 رسام كاريكاتير وهذه نسبة معقولة وليست بسيطة بالإضافة إلي أن فن الكاريكاتير كان يواجه مشكلة في فترة من الفترات وهي عدم وجود أماكن للنشر وهذا بالطبع أثر علي عدد الرسامين لكن مع ظهور الصحف المستقلة والخاصة زادت الفرصة أمام فنانين الكاريكاتير لنشر أعمالهم وتجويدها وإحياء فن الكاريكاتير مرة أخري خاصة أن النشر هو روح الكاريكاتير وتحسنت الأحوال المادية التي انخفضت للغاية في وقت سابق، مما جعل البعض يهجر الكاريكاتير ويعمل في أي فرع آخر من فروع الفنون التشكيلية بحثًا عن المادة. ويتفق مع الرأي السابق الفنان عمرو سليم رئيس قسم الكاريكاتير بجريدة الدستور مؤكدًا أن دخول البنت لعالم الكاريكاتير يعتبر إضافة وإذا كان لدينا سبعة رسامين بارزين علي الساحة فإن منهم رسامة موهوبة وهي دعاء العدل حيث اعتبرها أول رسامة كاريكاتير مصرية حقيقية لكن المشكلة أن قلة عدد البنات في هذا المجال مرتبط بغياب المرأة في الإبداع الذي ينبع من نشأة مجتمعنا العربي والقيود الموجودة علي حركة البنت والتي تجعلها تتردد عند الخروج من المنزل فمثلاً هناك رسامات وأديبات عربيات مازلن يوقعن بأسماء مستعارة وعن تجربتي الشخصية وعندما توليت رئاسة قسم الكاريكاتير بالدستور حرصت علي أن يكون هناك رسامة كاريكاتير إيمانًا مني بأن طرحها للأفكار سيكون مختلفًا وأفضل وحاولت أن أزيل الفكرة السائدة التي تقول إن البنت لم تخلق للكاريكاتير واعتقد أنه مع مرور الوقت سيزداد عدد رسامات الكاريكاتير ويتساوي مع عدد الرسامين الرجال لكن هذا سيتطلب وقتًا ومجهودًا.