الدولار يرتفع.. والجنيه ينهار.. والشعارات الرنانة تملأ المكان بأحلام انقضاء السوق السوداء، والمستهلك هو الوحيد من يدفع الثمن، فالدولار يزداد بسرعة الصاروخ والمركزى يفاجئ الجميع بحجة أنه يكشر عن أنيابه للسوق السوداء، ولكن ما حدث العكس تماما وقبضة السوق السوداء تسيطر بشكل أكبر مما كانت عليه، فالدولار يسحل الجنيه المصرى بجميع الطرق ومن هنا يبقى السؤال من يحمى الجنيه المصري؟!! يوما بعد يوم تزداد أوجاع الجنيه المصرى بسبب الدولار الذى يرتفع بسرعة الصاروخ فقد هبط الجنيه المصرى إلى 7.1901 جنيه للدولار من 7.14 جنيه فى أحدث مزاد للبنك المركزى بداية الأسبوع مسجلا أدنى مستوى منذ بدء العمل بنظام المزادات فى ديسمبر 2012 وأول خفض رسمى لسعر العملة منذ منتصف العام الماضى. وعرض البنك المركزى 40 مليون دولار فى عطائه الدولارى وأشار المركزى فى بيان له إلى أنه باع 38.5 مليون دولار وبلغ أقل سعر مقبول 7.1901 جنيه للدولار. ويتحدد سعر صرف الدولار فى البنوك بناء على نتائج عطاءات البنك المركزى الأمر الذى يعطى البنك سيطرة فعلية على سعر الصرف الرسمى. فقد استحدث البنك المركزى طرحا أسبوعيا رابعا فى ديسمبر الماضى فى إطار جهوده لكبح السوق السوداء بعد اتساع الفجوة بين السعر الرسمى وسعر السوق الموازية، ولكنه لم يفلح فى تضييق الفجوة بشكل يذكر. فقد ارتفعت أسعار الدولار بالبنوك بنحو 5 قروش للبيع والشراء عقب الارتفاع المفاجئ الذى حققه فى عطاء البنك المركزى بنفس القيمة لنجد أنه ارتفع 15 قرشًا فى ثلاثة أيام متتابعة مسجلًا 7.33 قرش للبيع و730 قرشًا للشراء فى السوق الرسمية، أما فى السوق السوداء فقد وصل الدولار إلى 7.84 قرش. والجدير بالذكر أن السعر الذى سجله الدولار خلال عطاء بداية الأسبوع الماضى هو الأعلى منذ طرح آلية بيع وشراء العملات الدولارية نهاية عام 2012، كما يعتبر السعر المسجل بالبنوك هو الأعلى منذ يونيو الماضى حيث كانت تستقر الأسعار عند مستويات 7.15 جنيه للشراء و7.1801 جنيه للبيع. ومن هنا ارتفع عدد العطاءات التى طرحها البنك المركزى منذ إقرار الآلية لنحو 302 عطاء، بالإضافة إلى خمسة عطاءات دولارية بقيمة 5.3 مليار دولار.. ومن المقرر أن يطرح البنك المركزى اليوم عطاءه الدولارى الثانى خلال الأسبوع الجارى وفق الآلية، وسط غموض حول سعر العملة. • الأوجاع!! وفى هذا الإطار انتقد أحمد شيحة - رئيس شعبة المستوردين باتحاد الغرف التجارية - قرار البنك المركزى برفع سعر الدولار بواقع 5 قروش مقابل انخفاض الجنيه المصرى فهذا القرار يزيد من سيطرة السوق السوداء على الأمور فهو لن يسهم فى القضاء على السوق السوداء للعمل، بل على العكس سترتفع الأسعار فيها ولكن هذه المرة بشكل قانونى، مشيرا إلى أن ارتفاع الدولار سوف يؤدى بالفعل الى زيادة أسعار السلع لأن 60% من السلع الغذائية فى مصر للأسف يتم استيراده من الخارج، فضلا عن أن صعود الدولار سيؤدى أيضا إلى ركود فى الإقبال على شراء السلع الكمالية لارتفاع أسعارها تأثرا بالدولار. وأكد شيحة أن المستهلك وحده هو من يدفع الثمن، خاصة أن فاتورة الواردات ستقفز بشكل كبير، نتيجة شح الدولار وصعوبة تغطية خطابات الضمان بالكامل من جانب الجهاز المصرفى المصرى، مضيفا أنه ليس فقط قطاع الأغذية هو القطاع الوحيد الذى سوف يتأثر بل قطاعات بأكملها سوف تتأثر بسبب انهيار الجنيه المصرى أمام الدولار لأنها تعتمد على عناصر مستوردة ضمن إنتاجها مثل قطاعات السيارات والأدوية ومواد البناء ما عدا الأسمنت، ستتأثر بدرجات متفاوتة علاوة على الحديد، وشركات الاتصالات التى تشترى نحو 60 إلى 70% من معداتها من الخارج. • العرض والطلب!! ومن جانبه أكد بلال خليل نائب رئيس شعبة الصرافة - أن شركات الصرافة بريئة من ارتفاع الدولار بهذا الشكل المريب لأن البنك المركزى غير قادر على ضبط السوق لأنه لابد من ضرورة الحد من الارتفاع المستمر لأسعار الدولار بالسوق السوداء، فهناك تخوفات من أن يصل الدولار إلى 8 جنيهات نتيجة زيادة الطلب على العملة بالسوق السوداء لعزوف البنوك عن فتح الاعتمادات المستندية للمستوردين، نظرًا لانخفاض الاحتياطى النقدى الأجنبى. وأضاف خليل إن البنك المركزى لا يستطيع القضاء على السوق السوداء مع وجود المستوردين الذين يلجأون للسوق الموازية لشراء الدولار لتوفير احتياجاتهم لاستيراد البضائع التى تعزف البنوك عن فتح الاعتمادات المستندية لها، لنقص العملة بها، الأمر الذى أدى إلى ارتفاع فى أسعار الدولار على الرغم من استقرار بالسوق الرسمية سواء بالبنوك أو شركات الصرافة عند 7.18 جنيه للبيع. وأشار إلى ضرورة ترك الدولار لقوى العرض والطلب بالسوق، وأوضح أن تحديد سعر الصرف أدى إلى تفاقم أزمة السوق السوداء، وأدت إلى وجود سعرين للدولار بالسوق وأن الحل المجدى هنا تحرير سعر الدولار، لافتًا إلى أن أصابع الاتهام توجه حاليًا لشركات الصرافة باعتبارها المسئول عن خلق تلك السوق الموازية من خلال طرح بعض الشركات العملة بالأسعار غير الرسمية على العملاء، إلا أن ذلك عار من الصحة، وأن المسئول الأول هو إحجام البنوك عن فتح الاعتمادات المستندية لاستيراد السلع بخلاف السلع الاسترايجية. • الموجة!! أضافت الخبيرة المصرفية - بسنت فهمى - أن ارتفاع سعر صرف الدولار إلى 7.84 سيؤدى إلى موجة ارتفاع فى أسعار العديد من السلع الرأسمالية والغذائية لأن السوق المصرية من أكثر الأسواق المستوردة وهو ما نادينا به مرارًا وتكرارًا حول ضرورة العمل على زيادة الإنتاج المحلى لأنه هو الضمانة الوحيدة لزيادة حجم الإنتاج، لافتة إلى أن حجم الصادرات المصرية يصل إلى 30 مليار جنيه وهى نسبة ضئيلة جدًا مقارنة بالدول الكبيرة التى حقق أداءً جيدًا فى التصدير. وأكدت أن البنك المركزى المصرى لا يمكن أن يلعب أى دور لتقليل الضغط على الجنيه المصرى لأن قدرته محدودة، فالاحتياطى النقدى لا يستطيع أن يساند أو يدعم الجنيه المصرى مقابل الدولار، خاصة أن الطلب على الدولار أكبر من العرض فقد انخفض الاحتياطى النقدى بنهاية نوفمبر الماضى إلى 15.9 مليار دولار، بعد أن تحسن بشكل طفيف خلال الشهر السابق عليه بنحو 16.91 مليار دولار، وبفارق 1.1 مليار دولار، وفقا لبيان البنك المركزى. وطالبت فهمى بضرورة دعم الصادرات من خلال توسيع دولة المصدرين بدلا من الاعتماد على المشروعات الكبيرة فقط، وأكدت ضرورة تشجيع المشروعات الصغيرة والمتوسطة على الإنتاج وإعطائهم الفرصة الكاملة، كما حدث فى دولة الصين الشعبية التى أصبحت من أكبر الدول المصدرة فى العالم. ولفتت إلى أن حجم صغار المصدرين قبل ثورة يناير بلغ 12% وانخفض الآن إلى 7%، كما أن حجم إنتاج القطاع غير الرسمى «مصانع بير السلم» يصل إلى 340 مليار جنيه، وهى نسبة كبيرة يجب أن تسعى الدول إلى إعادة هيكلتها للاستفادة منها والاعتماد عليها فى التصدير بدلا من إهمالها، لاسيما أن مصر قد تكون من أكثر الدول المهدرة لمواردها على مستوى العالم. •