اعتماد برنامجي علم الحيوان والبيوتكنولوجي والبيئة البحرية بكلية علوم جامعة قناة السويس    «الجبهة الوطنية» يطلق مؤتمرًا لريادة الأعمال ببورسعيد.. والمحافظ يشيد بدعم الشباب    وزارة الاتصالات تشارك في ملتقى «فرصة حياة» لدعم التمكين الرقمي للشباب    أكثر من 19 مليون طفل في الاتحاد الأوروبي معرضون لخطر الفقر والإقصاء الاجتماعي    «الجبهة»: حملات توعوية لتعزيز السلوك البيئي المستدام وتفعيل التعاون مع الجهات الحكومية    بعد استهداف ترامب هارفارد.. ما حدود تدخل الإدارة الأمريكية في حرية الجامعات؟    "فتح": قرار الاحتلال بالمصادقة على بناء 22 مستوطنة تحدٍ مباشر للقانون الدولي    عائلات الأسرى الإسرائيليين تطالب الحكومة بتفسير سياستها    «مفاجأة» حول تجديد عقد إمام عاشور مع الأهلي    إنفوجراف| بعثة القرعة تقدم إرشادات صحية لحجاجها قبل يوم عرفات ومنى    المشدد 7 سنوات لعامل خردة لحيازته سلاح ناري وإصابته سيدة ووفاتها بشبرا الخيمة    أحمد غزي عن «المشروع X»: مفيش حد أحسن مننا    عضو الحزب الجمهوري الأمريكي: إيران على استعداد لتوقيع أي اتفاق نووي لرفع العقوبات    مصطفى كامل يطرح أحدث أغانيه "كتاب مفتوح" | فيديو    الصور الأولى من حفل خطوبة مصطفي منصور و هايدي رفعت    «العقل لا يستوعب».. أول تعليق من أكرم توفيق بعد رحيله عن الأهلي    6 اختبارات منزلية لاكتشاف العسل المغشوش.. خُذ قطرة على إصبعك وسترى النتيجة    القبض على عامل خردة بتهمة قتل زوجته في الشرقية    «حماية المستهلك»: رقابة مشددة على الأسواق وزيارة 190 ألف منشأة وتحرير 44 ألف مخالفة    كلمات تهنئة للحجاج المغادرين لأداء فريضة الحج    أحمد السعدني عن حصد الأهلي لبطولة الدوري: "ربنا ما يقطعلنا عادة    الطريق إلي عرفات|حكم الجمع بين العقيقة والأضحية بنية واحدة    "السادات أنقذهم ومساجين بنوا الملعب ".. 25 صورة ترصد 120 سنة من تاريخ النادي الأولمبي    مطار سفنكس يستعد لاستقبال الوفود الرسمية المشاركة في افتتاح المتحف المصري الكبير    والدة غادة عبد الرحيم: يجب على الجميع توفير الحب لأبنائهم    خالد الجندي: لا يصح انتهاء الحياة الزوجية بالفضائح والانهيار    صدمته سيارة.. تشييع وكيل الإدارة العامة للمرور في مسقط رأسه بالمنوفية (صور)    قصور الثقافة تختتم عروض مسرح إقليم شرق الدلتا ب«موسم الدم»    "حقيقة المشروع وسبب العودة".. كامل أبو علي يتراجع عن استقالته من رئاسة المصري    تعليقًا على بناء 20 مستوطنة بالضفة.. بريطانيا: عقبة متعمدة أمام قيام دولة فلسطينية    الحكومة: استراتيجية لتوطين صناعة الحرير بمصر من خلال منهجية تطوير التكتلات    المطارات المصرية.. نموذج عالمي يكتب بأيادٍ وطنية    الإفتاء: توضح شروط صحة الأضحية وحكمها    أجمل ما يقال للحاج عند عودته من مكة بعد أداء المناسك.. عبارات ملهمة    ميلانيا ترامب تنفي شائعة رفض "هارفارد" لبارون: "لم يتقدم أصلاً"    تقارير: مانشستر سيتي يبدأ مفاوضات ضم ريان شرقي    إحباط تهريب صفقة مخدرات وأسلحة في نجع حمادي    رواتب مجزية ومزايا.. 600 فرصة عمل بمحطة الضبعة النووية    الوزير محمد عبد اللطيف يلتقي عددا من الطلاب المصريين بجامعة كامبريدج.. ويؤكد: نماذج مشرفة للدولة المصرية بالخارج    البورصة: تراجع رصيد شهادات الإيداع للبنك التجاري ومجموعة أي أف جي    رئيس جامعة بنها يتفقد سير الامتحانات بكلية الهندسة- صور    إنريكي في باريس.. سر 15 ألف يورو غيرت وجه سان جيرمان    مجلس حكماء المسلمين يدين انتهاكات الاحتلال بالقدس: استفزاز لمشاعر ملياري مسلم وتحريض خطير على الكراهية    يوم توظيفي لذوي همم للعمل بإحدى شركات صناعة الأغذية بالإسكندرية    حملات تفتيشية على محلات اللحوم والأسواق بمركز أخميم فى سوهاج    "قالوله يا كافر".. تفاصيل الهجوم على أحمد سعد قبل إزالة التاتو    نائب رئيس الوزراء: قصر العينى أقدم مدرسة طبية بالشرق الأوسط ونفخر بالانتماء له    الكرملين: أوكرانيا لم توافق بعد على عقد مفاوضات الاثنين المقبل    لندن تضغط على واشنطن لتسريع تنفيذ اتفاق تجارى بشأن السيارات والصلب    بالصور- وقفة احتجاجية لمحامين البحيرة اعتراضًا على زيادة الرسوم القضائية    الإسماعيلى ينتظر استلام القرض لتسديد الغرامات الدولية وفتح القيد    محافظ المنوفية يشهد استلام 2 طن لحوم كدفعة جديدة من صكوك الإطعام    استشاري أمراض باطنة يقدم 4 نصائح هامة لمرضى متلازمة القولون العصبي (فيديو)    الإحصاء: انخفاض نسبة المدخنين إلى 14.2% خلال 2023 - 2024    جامعة حلوان تواصل تأهيل كوادرها الإدارية بدورة متقدمة في الإشراف والتواصل    كل ما تريد معرفته عن سنن الأضحية وحكم حلق الشعر والأظافر للمضحي    وكيل وزارة الصحة بالإسماعيلية تتفقد انتظام سير العمل بوحدة طوسون    ماريسكا: عانينا أمام بيتيس بسبب احتفالنا المبالغ فيه أمام نوتينجهام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مين يشترى الورد منى.. وحكايات عشاق الورد

لم تتفق الشعوب على لغة واحدة فى حديثها، لكنها اتفقت على الورد كلغة موحدة فى التعبير عما يدور فى نفوسها من مشاعر، فهى رسول حب بين العشاق، ووسيلة قوية فى إزالة الخلافات المترسبة بين المتخاصمين، كما أنها شريك أساسى فى المناسبات السعيدة، أما أكليل الورد الذى يوضع على قبر عزيز، فهو رسالة شوق له من عالمنا إلى العالم الآخر.
وإذا كان ماسبق هو بمثابة خريطة مبسطة لمن يشترى الورد، فما هو الحال بالنسبة لبائعيه؟ وماهو التطور الذى طرأ على تلك التجارة وحولها من مجرد كشك متواضع على قارعة أحد الأرصفة إلى محل فخم يحوى أنواع الزهور النادرة.
• زاوية فى الهواء الطلق
لن تبذل مجهودا فى الوصول إليه، فما أن تطأ قدماك شارع شامبليون بوسط القاهرة حيث يتواجد، حتى يدلك على مكانه ألف دليل، إنه محمد وردة أقدم بائع ورود فى شارع شامبليون.
لا يمتلك عم محمد محلا أو حتى فاترينة، لكنه يجلس على مكتبه على ناصية أحد الشوارع الجانبية لشارع شامبليون وبجواره (استاند) يحمل مجموعة محدودة من الورد البلدى وبعض النباتات، هكذا فى الهواء الطلق!!
الزاوية التى اختارها عم محمد فى الشارع لبيع الورد بها هى نفسها مكان لفاترينته التى كانت موجودة منذ أوائل الثمانينيات، والتى أزيلت عام 2000، عندما أزال محافظ القاهرة وقتها عبد العظيم وزير السوق الكائنة بشارع شامبليون بدعوى تطويره!، لكن بنظرة بسيطة على أكوام القمامة المتراكمة على جنبات الشارع، والمبانى المتهالكة ستكتشف أنه لا أثر للتطوير المزعوم.
بترحاب شديد استقبلنى عم وردة، وعلى أنغام أغنية (حلوة يابلدي) المنبعثة من راديو قديم بحوزته أخذ يخرج من مكتبه المتهالك صوراً وقصاصات لصحف ومجلات، أما الصور فكانت لشكل الشارع قبل هدم السوق الوحيدة التى كانت تخدم المنطقة، يظهر فيها هو وأخوته وأبناؤه وهم يقفون أمام فاترينة عامرة بالورد من كل شكل ولون، لكنها باتت أثراً، أما قصاصات الصحف فكانت عبارة عن مجموعة شكاوى أرسل بها للمسئولين، يطالبهم بوقف هدم السوق، أحد تلك القصاصات كانت عبارة عن خبر يرجع إلى نهاية التسعينيات، مفاده أن محافظة القاهرة خصصت 20 مليون جنيه لتطوير شارع شامبليون، فأين ذهبت كل تلك الأموال؟
عشق عم محمد بدأ منذ سن المدرسة، حيث كان يشترى الورد بمصروفه، ثم يأكله فى نهاية اليوم إذا جاع، لكنه اليوم لا ينصح أحدا بأكل الورد، فالأرض لم تعد هى الأرض، وهو مايفسر انعدام رائحة الورد البلدى التى تميز بها.
ليست الأرض الزراعية هى التى تغيرت وحدها، بل زبائن الورد أيضا تغيروا، فاليوم من يشترى الورد يشتريه للمجاملة، أما قديما فكان الورد من الأساسيات، فلم يكن هناك منزل يخلو من الورد.
يتذكر عم محمد زبائن الزمن الجميل، الذين كانوا يبدلون ورود المنزل يوميا، ولا يشعرون بالراحة إلا بعد أن يمتلئ المنزل بالورود الجديدة، أما الزبائن الذين كانوا يأتون ليشتروا وردة لوضعها فى (عروة الجاكت) فلقد ذهبوا بلا رجعة.
يتذكر أيضا أعياد الأم والربيع قديما، حيث كان يبيت فى محله ثلاثة أيام متواصلة ولا يستطيع العودة إلى منزله بالشرقية من ضغط العمل، لذلك - والكلام له- لا تصدقوا الباعة الذين يقولون إن الرواج يحدث فى مواسم الأعياد، فهم لم يروا رواجا.
البلدى هو ملك الورد من وجهة نظره، فهو لا يرضى له بديلا، وكل الأنواع الحديثة والمستوردة لا تلفت انتباهه أبدا، وبخلاف ذلك فإن زبائنه لا يقدرون على دفع ثمنه، كما أن الورد يبيت فى الشارع، وشراء أنواع غالية الثمن فيه خسارة كبيرة حال ضياعه.
عم محمد لديه خمسة أولاد، لكنه يعامل الورد كأحد أبنائه، فهو يأتى كل صباح يغير له المياه، وينظفه، ويقطع أطرافه ليجدد له المسامات، ورغم حبه الشديد لمهنته التى احترفها منذ سن السبعة عشر عاما إلا أن ذلك لم يمنعه من القيام ببعض المشاهد التمثيلية فى العديد من الأفلام، آخرها مشهده فى فيلم الفيل الأزرق المعروض حاليا بالسينمات، فهو كما يقول يشعر إن الفن والورد وجهان لعملة واحدة، فكلاهما يرتقى بالذوق والحس.. صداقته الكبيرة بالفنانين جعلتهم يداومون على زيارته فى زاويته الصغيرة فى الشارع، وجعلتهم يطلقون على هذا المكان (حزب محمد وردة).
• عالم ملىء بالأسرار
المهندس عبد الفتاح سالم هو أحد هؤلاء الذين عشقوا عالم الورد، فتعمقوا فيه وتعلموا فنون تنسيقه الحديثة، فكان (زهور الجراند) أحد أشهر المحلات بالمعادى، يعترف عبد الفتاح أن تجارة الورد ليست مربحة، رغم الزيادة العددية فى محلات وأكشاك بيع الورد، ويفسر تلك الزيادة، بوجود ميول فنية لدى الكثيرين، حيث يتم التعبير عنها فى إعداد بوكية ورد صغير، أو تنسيق حديقة كبيرة، لكنه يستدرك قائلا: إن التجارة مربحة لأشخاص بعينهم، ممن يعلمون خبايا وأسرار عالم الورد.
ما المواسم التى يكثر فيها شراء الورد؟، متى يكون سعر الورد غاليا؟، متى يتوقف البائع عن شراء الورد من المورد؟ وكيف يعتنى به حتى يعيش لفترة أطول؟ كلها أسئلة إجاباتها تحدد تمكن البائع من الصنعة وبالتالى يتحدد موقفه من الربح والخسارة.
عيد الحب، عيد الأم ، أعياد الربيع، هى مواسم يكثر الطلب فيها على الورد، وبما أن المسألة عبارة عن عرض وطلب فإن الموردين يقومون برفع سعر الورد فى تلك الفترات، وبالتالى يزيد السعر بلا أدنى مسئولية على التاجر، ولكنه وبالرغم من ذلك يرفض عبد الفتاح أن يطلق على تجارة الورد لفظ (موسمية) فهى تجارة مستمرة طوال العام، لكن الظروف السياسية والحالة المزاجية للشعب تؤثر بشكل كبير على حجم مبيعاتها.
ولا ينسى عبد الفتاح أبدا الأيام التى تلت نجاح ثورة 25 يناير، فقد زاد الإقبال على شراء الورد بشكل لافت، لكن سرعان ما تسببت الإخفاقات السياسية التى تلت ذلك فى حالة من الركود، تعافت منها السوق مجددا.
عشاق الورد عددهم لا يحصى، وإن كان الشباب أكثر إقبالا على الحياة وبالتالى أكثر إقبالا على شراء الورد، لكننا لا يجب أن نغفل أيضا التقسيم الاقتصادى للمناطق، فزيارة المريض فى الزمالك أو جاردن سيتى لا تكتمل دون بوكيه ورد جذاب، بينما فى مناطق أخرى يفى (كيس فاكهة) بالغرض.
أما عن التطور فى تصميم بوكيه الورد أو حتى تنسيق الحدائق الذى يقوم به عبد الفتاح داخل منازل الأثرياء يرجعه إلى عاملين مهمين هما الثورة التكنولوجية التى مكنته من متابعة مواقع هولندية ذائعة الصيت فى مجال تنسيق الزهور ، بالإضافة إلى استيراد أنواع نادرة من الزهور، وخاصة من كينيا وجنوب أفريقيا، حيث أصبحت هاتان الدولتان رائدتين فى مجال تصدير الزهور النادرة.
• بوكيه ورد مدى الحياة
أراد القائمون على محلات (أوت سايد إن) بمصر الجديدة تلافى كل عيوب الورد الطبيعى من حيث الذبول السريع، وتناثره على أرضيات غرف المرضى فى المستشفيات، فاستوردوا من الصين نوعا من الورد الصناعى يحاكى الطبيعى تماما، فى شكله، وملمسه، وفى أسمائه، والمدهش أنه ذو رائحة عطرية تستمر طويلا، فما حكاية ذلك النوع الجديد؟
لبنى زيدان مديرة المحل ترى أن سر نجاحه يكمن فى أن الورد أصبح يمثل عنصرا مهما فى كل بيت، وبطرق عرضه المبهرة، وأشكاله التى تحاكى الطبيعة تماما، استطاع المحل اجتذاب عشاق تزيين البيوت بالورد والذين يعانون من مشاكل الورود الطبيعية التى تذبل سريعا.
ورغم أن أسعار الوردة داخل المحل ترتفع بالمقارنة بالطبيعى، إلا أنها -وعلى حد قول لبنى- تعد أوفر كثيرا على المدى البعيد، نظرا لعمرها الطويل، وطرق صيانتها السهلة، التى تمكن من بقائها على حالتها فترة أطول.
شكل الورود الحريرية التى تحمل على أوراقها مايشبه قطرات الندى اجتذبنى بشدة، لكن مايثير العجب هو تلك الورود المصنعة من مادة عرفت من لبنى أن اسمها PU والتى تجعل للورد رائحة عطرية تدوم طويلا.
الجميل فى المحل أن به متخصصين فى التصميم، يقومون بتنسيق الورود داخل قاعات الأفراح والمؤتمرات، لكن فائدتهم الأكبر من وجهة نظرى هى قدرتهم على إرشاد زوار المحل على اختيار البوكيه المناسب للحدث المراد تقديم البوكيه به.
المحل من طابقين، يحمل مئات الأصناف التى تحقق إبهارا بمعنى الكلمة، لكن هل يستطيع بشر مهما بلغ إبداعه أن يحاكى صنيعة الله؟! سؤال يستحق التأمل.•


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.