«كلنا فاسدون، لا أستثنى أحدا حتى بالصمت العاجز، الموافق قليل الحيلة، كل ما أطالب به أن نصلى جميعاً صلاة واحدة، لإله واحد.. إله العدل.. كلمات المبدع تعيش طويلا وعمرها يتجاوز أعمار البشر، المبدع المنغمس فى واقعه، القارئ لما وراء السطور لدرجة تصل به إلى حد الاستشراف بالمستقبل، بشير الديك ومشهد كتبه لمرافعة على لسان أحمد زكى فى فيلم «ضد الحكومة» يندد فيه بالإهمال والعجز الذى وصلنا إليه. مشهد مازال يتكرر بحذافيره ونعيشه بشكل يومى ومع كل أزمة نمر بها نتيجة الإهمال إلا أن كاتب هذه المرافعة مازال متفائلا وسعيداً بالنقلة النوعية فى الشخصية المصرية منذ ثورة يناير. الكاتب الكبير بشير الديك صاحب «ناجى العلى» و«ضد الحكومة» وسواق الأتوبيس، عشق مصر فأبدع فى تحليل واقعها وقراءة ما وراء السطور لدرجة وصلت إلى حد الاستشراف بالمستقبل. • أين أنت منذ ثلاث سنوات؟ - أنا مع الثورة منذ ثلاث سنوات و(محتاس معاها) أتابع وأراقب وحالتى النفسية والذهنية مثل الكثير من المصريين متخبطة قليلا وحتى مشروعات الكتابة كانت تتوقف ولا تكتمل. • ولكن بالتأكيد متابعة وتحليل كاتب مثل بشير الديك معنى بالشأن السياسى والاجتماعى ستكون مختلفة؟ - منذ بداية الثورة وتحركات الشباب وأنا قلبى معهم ومتحمس جدا لنشاطهم، بمجرد أن أخبرتنى بنتى «دينا» أن الشباب ينظم لمظاهرات وثورة، وأصابتنى حالة من الشغف والترقب لمشاهدة ما سيحدث إلى أن شاهدت التغيير بعينى منذ بداية نزول الشباب إلى الميدان، واستمتعت بانجازها إلى أن قفز على السلطة طائر الرُخ الخرافى الذى اختطفها وطار بها بعيدا إلى حيث لا ندري، ثم بدأت أشعر بالرعب عندما ظهرت نواياهم عندما وقف شبابهم لمنع الشباب من الدخول إلى البرلمان وقت انعقاد أولى جلساتهم، ومن هنا شعرت بخطورتهم كفصيل يحاول إقحام السياسة بالدين والدين بالسياسة.. فأسوأ ما يواجه ثورة هو المزايدة بالدين وتكفير فصيل لفصيل آخر لمجرد اختلافه معه فى الرأي. • ولكن هل توقعت هذا السيناريو؟ - كل ما حدث كان يجب أن يحدث، فكل ما مررنا به هو نتيجة لأكثر من أربعين سنة. حين قلت كلنا فاسدون.. الشعب قالها وراءنا لأننا نعبر عما لا يستطيع المواطن العادى التعبير عنه بحكم عملنا سواء كتابا أو مثقفين ومهتمين بالشأن العام فالشعب يغلى وإن كان هذا نتيجة غليان سنوات طويلة لكل القوى الفاعلة فى المجتمع وكل الطبقات. • كيف يصل الكاتب إلى هذه العلاقة مع مجتمعه فيصل إلى حد الاستشراف بالمستقبل؟ - مهمة الكاتب المبدع هى استشراف ومعرفة ما وراء السطح، فأنا أمامى مجتمع يتحرك، وظيفتى واجب عليَّ كمبدع أن أتأمل ما تحت السطح وما هى الأسباب الحقيقية لتلك الظواهر على السطح وإذا كان هناك فساد يجب أن أشير إليه وأن أدعو للمحاسبة وأقول لا، يجب أن يحاسبوا (أليسوا بشرا مثلنا خطائين) وكما جاء على لسان أحمد زكى فى ضد الحكومة (تعالوا نصلى لإله واحد إله الحق) لنعرف أين هو الخطأ ونصوبه. ويستطرد بشير الديك قائلا: كانت حادثة القطار فى فيلم «ضد الحكومة» أحد المشاهد التى قدمتها وحدثت بحذافيرها فى 2012 فى قطار أسيوط. • كلنا فاسدون حتى بالصمت العاجز قليل الحيلة، هل مازلنا غارقين فى هذا الواقع؟ - فعلا، هذا حقيقى جدا، وهذا هو الغالب، فأغلبنا فاسدون وفسادنا بالصمت العاجز قليل الحيلة، وهذه هى مشكلة الشعب المصرى لسنوات طويلة ولكن أعتقد أن هذا الصمت وقلة الحيلة تغيرت كثيرا بعد الخامس والعشرين من يناير، ولكن نتيجة لوجود الإخوان تعطلنا كثيرا ولكن مع الوقت سنعود مرة أخرى كمجتمع قابل للتطور، وفعلا هناك تغيير نوعى يحدث للشخصية المصرية وأنا متفائل جدا بهذا التغيير النوعي، خاصة لما يحدث فى بورسعيد وما حولها وما سيجلبه مشروع قناة السويس من خير (لأبوالعربى) وأهالى مدن القناة. • دفعتك ظروف سياسية واجتماعية معينة لكتابة سواق الأوتوبيس فى الثمانينيات هل قد تضطر إلى كتابته مرة أخرى فى 2014 أم أنك تصالحت مع تلك الظروف الاجتماعية؟ - بالتأكيد يجب أن أكتب وأستمر فى الاشتباك مع الواقع ورصد السلبيات والإيجابيات، فالتناول النقدى للواقع يعتبر واجبا طوال الوقت على كل المثقفين والمبدعين ويجب أن نبتعد عن (التهليل) فأكثر ما يفسد الأمور هو التهليل خاصة فى السياسة، الواقع النقدى المحايد هو الصواب وأعتقد أننا نسير فى هذا الطريق الآن. • وبعد غياب سنوات ماذا يحضر بشير الديك للشاشة الآن؟ - أكتب الآن مسلسلا بعنوان «الرقصة الأخيرة» عن قصة حب فريد شوقى وهدى سلطان وذلك الزمن البديع الذى شهد وجود فنانين مثل محمد فوزى وأنور وجدى وهذه الجوقة من الموهوبين الطيبين المتسامحين، وهناك مفاجأة قريبة وهى عرض فيلم رسوم متحركة روائى سيعرض فى السينمات بعنوان (الفارس والأميرة) تأليفى وإخراجى وأداء صوتى لدنيا سمير غانم ومحمد هنيدى ومدحت صالح وماجد الكدواني. • ولكن لماذا ابتعدت عن السينما بعد فيلم «الكبار»؟ - لأن السينما لم تعد مناسبة لى ولم تعد تحتوينى الآن لعدة أسباب منها تغير نظام الإنتاج، بالإضافة إلى أننى قدمت مجموعة من المسلسلات الناجحة على مدار سنوات حققت لى حالة من الاتساق. • ولكن هناك أسماء كبيرة من المنتجين حققوا حالة ومعادلة ناجحة فى السوق، على سبيل المثال لا الحصر - إسعاد يونس؟ سأخبرك بشيء فنحن عندما ، بدأنا كمجموعة ونجحنا معا فقدمنا مثلا الحريف أنا وعادل إمام ومحمد خان وحمدى الوزير مجموعة نتفق ونختلف و(نتخانق ونحب بعض وننجح ونكسر الدنيا) وبعدها عملت مع عاطف الطيب ثم عملت مع أستاذ بركات وآخر صلاح أبوسيف، هناك اختلاف فى التكوين والعقلية، بالإضافة إلى هذا أنا ليس لدىّ موضوع حتى الآن يدفعنى دفعا للعمل فى السينما وإلى أن يحدث هذا سأظل على موقفي. • كلمنى عن دراما تليفزيونية غارقة فى السواد مليئة بالألفاظ النابية وهل هذا مقياس لما وصل إليه المجتمع؟ - شاهدت فى رمضان ثلاثة مسلسلات هى «سجن النسا» و«الصياد» وجزء من «السبع وصايا»، وأعجبت جدا بسجن النسا، وتحديدا بكاملة أبوذكرى كمخرجة عظيمة متمكنة جدا من أدواتها التعبيرية شديدة الرهافة والحساسية وقدرتها على التعبير بالكاميرا تتعامل مع الفيديو معاملة السينما، فمثلا مشهد الإعدام عبارة عن حوالى أربعين شوت وهذا ينم عن حرفية عالية جدا.. المشكلة الوحيدة هى الحوار فى بعض المشاهد فهناك بعض الجمل الحوارية تحتاج إلى فلترة فهذا العمل يعرض فى التليفزيون أى فى المنزل ويعرض على أب وأم وجد وأسرة فيحتاج قدرا من التعفف عن استخدام ألفاظ بذيئة، فليس مبررا أن نقول إن هذا ما يحدث فى الواقع فليس كل ما يحدث فى الواقع يصلح للشاشة، فأنا أقدم معالجة فنية للواقع ولا أقدمه كما هو لمراعاة حرمة جمهورى.•