هناك وحوش تسكن بنى آدمين.. وهناك بنى آدمين أسوأ من الوحوش.. ومن بين آهات الجنس الظالم هناك فتيات ذنبهن الوحيد أنه لا ذنب لهن.. حكم عليهن المجتمع بالخروج من رحمته القاسية.. فآه من مجتمع ظالم.. يظلم فى البداية، ويجلد ويعاقب فى النهاية، وآه من رجل سلطته شياطينه لينقض على فريسته، ثم يتركها وينصرف إلى بيته عائدا.. فريسة أصبحت تكره كل شىء حتى جسدها الذى ضيعها.. لا ليس هو من ضيعها بل هى الأنانية التى ينظر بها القاتل لضحيته.. نعم قتلها وقتل كل ما فيها من حياة، فمن هو هذا الذئب غير البشرى الذى اعتبر المرأة جسدا يمشى على الأرض، وأن من حقه اقتحام هذا الجسد قهرا، وبدون إذن صاحبته..
وكأن الرجل غير السوى يجد متعته فى سلب المرأة كرامتها عن طريق كشف عوراتها واغتصابها، أو التحرش بها، أو حتى مجرد لمسها.. لم يسأل نفسه قبل أن يسول له شيطانه ارتكاب الجرم، هل من الممكن أن تكون هذه الضحية أمه أو زوجته، أو ابنته؟!!!
وهذا ما حدث مع بطلتى التى سأحكى لكم عنها، ومثلها كثر، لكنهم لا يتكلمون خوفا من طرد المجتمع لهم.
∎ طاهرة
إنها طاهرة أو كما أرادت أن تكون، لكن المجرم سلبها طهرها، واغتصب عفتها وحرمها من حقها فى أن تكون زوجة شريفة لرجل يريد أن يكون رجلها الأول. اسمها الحقيقى ليس طاهرة، إنما هو الاسم الذى أطلقته عليها بعد أن عرفت القصة المؤلمة التى مرت بها.
طاهرة- 24 عاما حاصلة على بكالوريوس التجارة شعبة محاسبة- مثلها مثل كل فتاة تريد أن تكون أسرة ناجحة مليئة بالحب لكن ليس كل ما يتمناه المرء يدركه، فهى تعمل مندوبة مبيعات، أو بالمعنى الأدق كانت كذلك قبل تلك الليلة التى غيرت مجرى حياتها.
بصعوبة قبلت طاهرة أن تتحدث معى، فهى كارهة لكل من حولها.
∎ كعب داير
همست لى طاهرة وهى تتذكر: عملى كمندوبة مبيعات يجعلنى أتردد على الناس فى منازلهم يمكن ياخذوا منى أى منتج، يعنى أنا كنت لقيت غيره وقلت لأ.
فأنا بنت من أسرة متوسطة الحال تحرص على تعليم أولادها علشان يساعدوا نفسهم، وعلشان كدة أول ما اتخرجت نزلت أدور عن وظيفة، فلم أجد إلا هذه الوظيفة والتى حصلت عليها بتوصية من أحد جيرانى.
طبيعة عملى تجعلنى «بالبلدى كده» ألف طول النهار على كعب رجلى يمكن حد يحن علىّ، ويشترى منى، ويبقى يوم سعدى لو حد اشترى منى حاجة.
وبدموع تسبقها تتذكر مأساتها: اليوم دة كان مطر وساقعة أوى .. دخلت أحتمى بعمارة فى منطقة من المناطق الراقية، وهناك عرضت علىّ سيدة أن أدخل بيتها لغاية ما المطر يخلص.. وهناك شوفت المجرم اللى قتلنى، كان ابنها.. وفضل يبص لى بصات مريحتنيش، فعملت نفسى مش شايفاه.. خلص المطر ونزلت أروح بعد ما أخدت السيدة رقمى، ووعدتنى إنها هتسأل أقاربها إن كانوا عاوزين يشتروا من البضاعة اللى كانت معايا.
ومر أسبوع وفوجئت برسالة من السيدة تطلب منى الذهاب إليها لأنها عاوزة تشترى منى حاجات هى وأقاربها، وكنت عندها فى ظرف ساعة.. وأول ما طرقت الباب فتح ابنها، فسألته عن والدته؟ قال لى نزلت عند جارتها وجاية حالا، وطلب منى الدخول، فدخلت.. وياريتنى ما دخلت.. أول ما قفل الباب هجم علىّ، وعندما هددته إنى هقول لأمه.. ضحك وقال لى: ماما مسافرة وسايبة تليفونها وأنا اللى بعت لك الرسالة.
وضربنى.. أيوه ضربنى فى كل حتة فى جسمى، صرخت لكنه كتم أنفاسى، وحاول أن يجردنى من ملابسى، ولما قاومته قطعها بالسكينة وقطع لحمى معها.. توسلت إليه، حلفته بأمه.. حلفته بشرف أخته، لكن الشيطان اللى جواه كان متملكه.. واغتصبنى المجرم.. ونهشنى ونهش براءتى وطهارتى، خرجت وأنا أجر ملابسى الممزقة خلفى.. وأمامى مصير ما حدش عارفه غير ربى.. خرجت من العمارة والناس فضلت تبص لى، وفضلت أصرخ لكن ما حدش سمعنى وكأن على رءوسهم الطير، طلبت من واحدة فى العمارة تدينى حاجة أستر بيها نفسى.. قفلت بابها فى وشى وصرخت فى بنتها لما حاولت تدينى إيشارب أخبى اللى باين من جسمى.
ونزلت.. حاولت أوقف تاكسى لكن كل ما واحد يقف ويشوفنى كده.. يسيبنى ويمشى، وبعد حوالى ساعة وقفت عربية ملاكى تقودها سيدة فى الأربعينيات، وكأن ربنا بعتها لى من السماء.. حكيت لها واديت لها عنوان بيت المجرم... أخدتنى لمستشفى وطلبت منهم كتابة تقرير عن حالتى، ولأن المستشفى حكومى.. أخطرت الشرطة.. كنت أنا فى الوقت ده مصابة بانهيار عصبى.. وما عرفتش فضلت كام يوم فى الحالة ديه.
∎ ياريتنى كنت مت
فوقت على صوت أمى تصرخ بجوارى، وبدلا من أن تحتضننى وتخبينى فى صدرها من الناس، فؤجئت بها تتهمنى بأنى فضحتها وسط الناس كلها، وإن بابا جاله انهيار عصبى، وإخواتى مش عاوزين يشوفونى تانى.. كانت هذه آخر كلمات أسمعها قبل أن أدخل فى غيبوبة لمدة 3 أسابيع بين الحياة والموت.
تنهدت طاهرة.. وتنهدت معها، وأكملت: فضلت مدة طويلة لحد ما وقفت على رجلى تانى، لأفاجأ بما هو أصعب.
عندما أخذت الشرطة أقوالى، ذهبت لتقبض على المتهم لتجده سافر عند أخيه فى عمان، والأسوأ أن أهله قدموا ورق يثبت أن ابنهم الزرع الشيطانى بره البلد من أسبوع قبل الحادثة.
وعند هذه النقطة.. تحولت الأنظار كلها ناحيتى، وبدلا من أن أكون الضحية.. أصبحت المتهمة حتى أهلى اعتبرونى زانية مخطئة.. محدش وقف جنبى.. محدش صدقنى- وعند هذه الجملة دخلت الفتاة فى هيستريا من البكاء، فتوقفت عن الكلام وطلبت منها ألا تكمل.
لكنها هذه المرة هى التى طلبت أن تكمل: خرجت من المستشفى لأجد أن أهلى عزلوا من المنطقة بأكملها واحتفظوا لى بغرفة أجلس فيها بمفردى، لدرجة أنهم منعوا أختى من النوم أو حتى الجلوس معى.
ومع كل هذه الضغوط واصلت الحياة بعد أن ضاع حقى، وبدلا من أن يعوضنى القدر عاقبنى أكثر.. فوجئت بعد ستة أشهر بابن عمى قادم من البلد ليخلص أبى من عاره ويتزوجنى.. ومع الفارق الكبير بينى وبينه لم أستطع النطق بكلمة واحدة، وتم الزواج وانتقلت من سجن إلى سجن أكبر.. سجن الزوج الذى تحمل عارى، وأهله اللى هم أهلى فى نفس الوقت، وبدل من أن يعاملونى كابنة عاملونى كساقطة.. مقدرتش أستحمل العيشة.. اتطلقت ورجعت لكن مارجعتش على البيت.. رجعت على جمعية لحقوق المغتصبات، والحقيقة هم أحسن بكتير.
لكن اللى واجعنى إن أهلى وحشونى أوى.. ياريت يسامحونى على اللى أنا ما كانش لى ذنب فيه.
بكت طاهرة، وبكيت معها.. وأخذت ألعن هذا الزمان لكن هل نعيب زماننا والعيب فينا.. وما لزماننا عيب سوانا، ونهجو ذا الزمان بغير ذنب ولو نطق الزمان لنا.. هجانا.
وليس الذئب يأكل لحم ذئب.. ويأكل بعضنا بعضا عيانا.
مسحت الفتاة المتألمة دموعها.. وسألتنى: تفتكرى أنا لسة طاهرة؟!! فوجدت نفسى أقول لها: طبعا يا طاهرة.. أنت طاهرة.. وهتفضلى طاهرة.