نائب محافظ الجيزة يزور مطرانية الأقباط الأرثوذكس بطموه للتهنئة بعيد القيامة المجيد    شاهد| قوات الاحتلال تطلق النار على شخصين حاولا الخروج من ركام منزل مدمر في طولكرم    الإصابة تبعد لاعب بايرن ميونخ عن مباراة ريال مدريد في إياب الأبطال    بالصور.. محافظ الشرقية من مطرانية فاقوس: مصر منارة للإخاء والمحبة    محافظة الجيزة : دعم قطاع هضبة الأهرام بمنظومة طلمبات لتحسين ضخ المياه    25 مليون طن، زيادة إنتاج الخضراوات في مصر خلال 2023    خبير اقتصادي: الدولة تستهدف التحول إلى اللامركزية بضخ استثمارات في مختلف المحافظات    الإجازات الرسمية في شهر مايو 2024.. وقائمة العطلات الرسمية لعام 2024    بالصور.. محافظ الوادي الجديد يزور كنيسة السيدة العذراء بالخارجة    إصابة 9 أشخاص خلال مشاجرة بالأسلحة النارية بمدينة إدفو    السعودية تصدر بيان هام بشأن تصاريح موسم الحج للمقيمين    لأول مرة، باليه أوبرا القاهرة يعرض "الجمال النائم"    خاص| زاهي حواس يكشف تفاصيل جديدة عن مشروع تبليط هرم منكاورع    وكيل صحة الشرقية يتفقد طب الأسرة بالروضة في الصالحية الجديدة    استشاري تغذية يقدم نصائح مهمة ل أكل الفسيخ والرنجة في شم النسيم (فيديو)    التعادل السلبي يحسم السوط الأول بين الخليج والطائي بالدوري السعودي    أمريكا والسفاح !    السفير الفلسطيني بتونس: دولتنا عنوان الحق والصمود في العالم    قرار عاجل بشأن المتهم بإنهاء حياة عامل دليفري المطرية |تفاصيل    السجن 10 سنوات ل 3 متهمين بالخطف والسرقة بالإكراه    غرق شاب في قرية سياحية بالساحل الشمالي    5 خطوات لاستخراج شهادة الميلاد إلكترونيا    "حريات الصحفيين" تثمّن تكريم "اليونسكو" للزملاء الفلسطينيين.. وتدين انحياز تصنيف "مراسلون بلا حدود" للكيان الصهيوني    شروط التقديم على شقق الإسكان الاجتماعي 2024.. والأوراق المطلوبة    صالون الأوبرا الثقافي يحتفل بيوم حرية الصحافة بمشاركة النقيب    رمضان عبد المعز يطالب بفرض وثيقة التأمين على الطلاق لحماية الأسرة المصرية    وزير الشباب يفتتح الملعب القانوني بنادي الرياضات البحرية في شرم الشيخ ..صور    رسميا .. مصر تشارك بأكبر بعثة في تاريخها بأولمبياد باريس 2024    بعد القضاء على البلهارسيا وفيروس سي.. مستشار الرئيس للصحة يزف بشرى للمصريين (فيديو)    دعاء تعطيل العنوسة للعزباء.. كلمات للخروج من المحن    إصابة 8 في انقلاب ميكروباص على صحراوي البحيرة    ميرال أشرف: الفوز ببطولة كأس مصر يعبر عن شخصية الأهلي    مفاجأة- علي جمعة: عبارة "لا حياء في الدين" خاطئة.. وهذا هو الصواب    لاعب تونسي سابق: إمام عاشور نقطة قوة الأهلي.. وعلى الترجي استغلال بطء محمد هاني    محمد يوسف ل«المصري اليوم» عن تقصير خالد بيبو: انظروا إلى كلوب    استعدادًا لفصل الصيف.. محافظ أسوان يوجه بالقضاء على ضعف وانقطاع المياه    استقبال 180 شكوى خلال شهر أبريل وحل 154 منها بنسبة 99.76% بالقليوبية    تشييع جنازة الإذاعي أحمد أبو السعود من مسجد السيدة نفيسة| صور    «الصحة» تعلن أماكن تواجد القوافل الطبية بالكنائس خلال احتفالات عيد القيامة بالمحافظات    بعد رحيله عن دورتموند، الوجهة المقبلة ل ماركو رويس    ما حكم أكل الفسيخ وتلوين البيض في يوم شم النسيم؟.. تعرف على رد الإفتاء    خريطة القوافل العلاجية التابعة لحياة كريمة خلال مايو الجارى بالبحر الأحمر    رويترز: قطر قد تغلق مكتب حماس كجزء من مراجعة وساطتها بالحرب    الانتهاء من 45 مشروعًا فى قرى وادى الصعايدة بأسوان ضمن "حياة كريمة"    الخارجية الروسية: تدريبات حلف الناتو تشير إلى استعداده ل "صراع محتمل" مع روسيا    ماريان جرجس تكتب: بين العيد والحدود    إيقاف حركة القطارات بين محطتى الحمام والعُميد بخط القباري مرسى مطروح مؤقتا    القوات المسلحة تهنئ الإخوة المسيحيين بمناسبة عيد القيامة المجيد    توريد 398618 طن قمح للصوامع والشون بالشرقية    المبادرة الوطنية لتطوير الصناعة "ابدأ" .. الليلة مع أسامة كمال في مساء dmc    أوكرانيا: ارتفاع قتلى الجيش الروسي إلى 473 ألفا و400 جندي منذ بدء العملية العسكرية    أبرزها متابعة استعدادات موسم الحج، حصاد وزارة السياحة والآثار خلال أسبوع    مستشار الرئيس للصحة: مصر في الطريق للقضاء على مسببات الإصابة بسرطان الكبد    مي سليم تروج لفيلمها الجديد «بنقدر ظروفك» مع أحمد الفيشاوي    هل بها شبهة ربا؟.. الإفتاء توضح حكم شراء سيارة بالتقسيط من البنك    برج «الحوت» تتضاعف حظوظه.. بشارات ل 5 أبراج فلكية اليوم السبت 4 مايو 2024    المطرب هيثم نبيل يكشف كواليس فيلم عيسى    هبة عبدالحفيظ تكتب: واقعة الدكتور حسام موافي.. هل "الجنيه غلب الكارنيه"؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



شهادات حية من واقع أحزان الدقهلية
نشر في الأسبوع أونلاين يوم 29 - 12 - 2013

'ناهد' زوجة نائب مساعد الوزير: زوجي لا يعرف الخوف.. وبمجرد إفاقته من الغيبوبة سأل: متي سيعود لعمله؟ - والدة عادل: أخوه استلف عشان يشتغل في السعودية.. واستلف عشان يرجع يشوف أخوه.. ذنب الغلابة اللي زينا إيه؟!
- والدة رضا: خدوا نور عيني ورجعوا لي ابني ماشي علي رجليه وبيشوف بعنيه.
- 'محمد' ابن الشهيد السيد رأفت: أصعب حاجة إن الواحد يفقد 'أبوه' ضهره وأمانه وحمايته.
- 'سلمي' ابنة الخمسة أعوام: أقول للي موتوا بابا 'ربنا ياخدكم'
كلنا 'كفرة' ليس لنا دين, نعيش في مجتمع كافر, مؤسساتنا تدار بالكفر والظلم, أموالنا حلال لهم, أعراضنا, دماؤنا, ليس لنا في دينهم 'ديَّة' ولا ثمن, تعاملاتنا حرام, أبناؤنا لا قيمة لحياتهم ولا لكرامتهم, من حقهم أن يستبيحونا ليل نهار بكل أشكال العنف والقتل, وطننا بالنسبة لهم ليس إلا قطعة من الأرض يرغبون في السيطرة عليها وعلي خيراتها ومقدراتها وشعبها, علي الحدود ذبحوا إخوتنا وأبناءنا في مذبحة رفح الأولي والثانية ما بين 16 شهيدًا قتلوا غدرًا وقت إفطار رمضان, و25 آخرين تم تقييدهم وقتلهم بنفس الغدر, ومازالت الدماء الطاهرة لحراس الوطن تنزف وتسيل فوق رماله وترابه في سيناء والعريش ورفح وغيرها, وفي وسط المدينة زرعوا القنابل في الطرق بمدينة نصر ومصر الجديدة وإمبابة, وفي معسكر الأمن المركزي بالإسماعيلية وفي بورسعيد استهدفوا أبنائنا بمدافعهم, وأطلقوا رصاص غدرهم علي أتوبيس مدارس برفح وعلي دوريات وأكمنة الشرطة والجيش, إخوتنا وآبائنا وأبنائنا, مزقوا لحمنا ونحروا رقابنا في الشوارع, مثّلوا بجثامين أهلنا في كرداسة وفي رابعة وغيرها, فخخوا السيارات وفجّروا صدور رجالنا في مديرية أمن الدقهلية ليستشهد من ضباط مصر وجنودها سبعة عشر شهيدًا ويصاب أكثر من مائة جريح وتضار وتنهار مؤسسات الدولة وأيضًا أموال الناس الغلابة, دقوا طبول إرهابهم ليغتالوا الأمان في قلب وطن ذكره رب العالمين في كتابه أنه محفوظًا آمنًا.. فهل يعقلون؟!
بهذه العقيدة عاشوا بيننا, وبذلك المنطق 'اللامنطقي' يتعاملون معنا, وأسأل كل من يعرف شخصًا ممن شاركوا في هذه الجريمة, وأسأل كل من يناصر فكرهم ويبارك خطواتهم, باسم أي إله تتحدثون؟! وبأي دينٍ تؤمنون, ولأي رب تصلون, بل أين هو الله الذي تدعون أنكم تعرفون؟! إلهنا رب يحرم الدم ويجرم حرمته: وإله كفركم أنتم من صنعتموه إله من شر وحقد لا يعرف سوي العداء والكراهية ولغة القتل والدم..
ابني وابنك, أخي وأخاُك, هم من استهدفهم القتلة السفاحون بدم بارد وقلوب من نار وغل, من استشهدوا ومن أصيبوا لم يكن لهم ذنب سوي أنهم يعيشون ويخدمون في وطن يعربد فيه كلاب هذا الزمن ويستبيحون دم أغلي من فيه فبأي دين يتحدثون؟ وبأي شريعة يتاجرون؟ وبأي ربٍ يؤمنون؟ إلهنا إله واحد تجمعت كل رسالاته إلينا -عز شأنه- من السماء بأن يرحم بعضنا بعضًا, بأن كل المسلم علي المسلم حرام.. دمه وماله وعرضه, وها نحن ننتهك في دمائنا وأموالنا وأعراضنا باسم الإسلام والإسلام –والله- هو منهم براء, ربنا هو الإله الواحد الذي لا نقدس سواه تتجلي رحمته فينا, وربهم هو شيطان يأمرهم بقتل الأبرياء وسفك الدماء وترويع الآمنين أطفالاً ونساءً وعجائز ورجالًا.. فهل أمام الله الرحمن الرحيم من إله؟!
كان الحدث جللًا, كما هي الرجفة التي صرنا نعيشها مع كل مذبحة يذهلنا فيها كم الدماء التي تسيل, يصدمنا فيها حجم الوحشية التي نلقاها مع كل طريقة يتم بها الاغتيال والذبح والقتل بنفس الغدر والحقد والشر الذي يكنونه للوطن وأهله ودياناته, بمسلميه وأقباطه..
* في مستشفي الشرطة
ذهبت إلي مستشفي الشرطة بالعجوزة محمومةً بوجعي, وجع مصر كلها, وداخلي تدور الكثير من الأسئلة التي تتكرر مع كل عمل إرهابي دنيء تعيشه مصر وأهلها: كيف حال المصابين؟ وكيف حال ذويهم؟ كيف رحل الشهداء؟ وما ذنبهم؟ وكيف حال ذويهم؟ وفي كل مرة أعيش فيها –مثل كل المصريين- تفاصيل النزف والجرح, أري إجاباتي دموعًا ونحيبًا وآلامًا لا تموت ولا تنتهي, صار الإرهاب مثل السوس الذي ينخر في عظام الوطن يأكل لحمه, لكن الإيمان بأن الشهيد حيّ, وأن الجريح بطل, وأن الله موجودٌ عدل عينه عز شأنه لا تغفل ولا تنام, هو الملاذ من الوجع, هو مفتاح الصبر والصمود والمقاومة حتي النصر, فنحن شعب صامد عبر التاريخ بنضاله وشموخه, سننتصر بالتأكيد علي عصابة خانت وخدعت حتي الكفر وحتي الضلال..
في الطريق إلي المستشفي كانت لافتة كبيرة معلقة في شارع التحرير بالدقي تحمل صورة الشهيد العميد عامر عبد المقصود, نائب مأمور قسم كرداسة الذي استشهد في مذبحة كرداسة الدامية, لافتة كتب عليها 'ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتًا بل أحياء عند ربهم يُرزقون' بعض المصريين كانت هذه هي طريقتهم في التعبير عن تقديرهم وعرفانهم بالجميل لرجل فقد حياته وهو يؤدي واجبه في حمايتهم وحماية وطنهم.
في غرفة الرعاية المركزة كان يرقد الرقيب سعد إبراهيم عبد الحميد, أحد مصابي حادث تفجير مديرية أمن الدقهلية, وجه شوهته نيران الحقد وجسد تفرقت فيه الجروح, عينان تغطيهما ضمادات طبية بيضاء, وقلبٌ سلم أمره لله, سعد تعرضت مقلتاه للانفجار, وخضع لجراحات ورتق لجراحه القطعية الغائرة بالرأس والجسد, سعد لديه ثلاثة أبناء, أكبرهم محمد عمره 11 سنة, وأميرة تسعة أعوام, وحبيبة عمرها سنة وأربعة أشهر, يعمل بمديرية أمن الدقهلية منذ أربعة أعوام بإدارة الحماية المدنية ضد أخطار الحريق, يقول سعد:
يوم الحادثة كنا موجودين في الخدمة زي كل يوم وفجأة تزامن صوت انفجار مع هزة جامدة حصلت طيرتنا من علي الكراسي أنا وزمايلي, لقينا نفسنا بنطير في الهوا ونرجع نخبط في الأرض والرخام بيتكسر من الحيط والسيراميك من الأرض ويطير فوقنا, كنت بتخبط بوشي علي الأرض وأطير تاني في الهوا ومش قادر أتحكم في نفسي وشايف زمايلي قدامي بيحصل معاهم اللي بيحصل لي وفضلت أردد في الشهادة وسامع الصراخ حواليا لحد ما الدنيا ضلمت ومبقتش شايف حاجة خالص, سمعت أصوات ناس بيسألوني: انت منين؟ قلت لهم: خدمة في المديرية، أخدوني لمستشفي المنصورة ومنها وصلت لمستشفي الشرطة, ومن ساعتها مش شايف حاجة ومش عارف إذا كنت هقدر أشوف تاني بعنيا واللا لأ..
يضيف سعد: 'العربية اللي انفجرت في المديرية دخلت من ناحية الباب الخلفي اللي كنت قاعد عنده, شفتها اخترقت الصدادات والحاجز الأمني اللي كان موجود ودخلت, اللي عرفته بعد كده إنها دمرت جزء من المسرح الموجود جنب المديرية والمحلات كمان بتاعة الناس, لولا ستر ربنا كانت ممكن توصل لديزل الكهربا جوا المديرية وكانت فجرت المبني بالكامل والبنزينة اللي جانبه كمان'.
وبصوت منخفض يقول سعد: 'يا ريت ينقلوها من جنب المديرية' يقصد البنزينة, خيِّل إليَّ أن سعد يتوقع هجومًا آخر يخشي أن يكون أكبر بسبب وجود البنزينة بجوار المديرية لذلك تمني نقلها, اختتم سعد كلامه قائلاً: حسبي الله ونعم الوكيل في اللي بيعملوا كده فينا, في رمضان اللي فات كنت في النوبتجية وفوجئت بوجود قنبلة في الشارع جنب المديرية, أنا اللي اتصلت بإدارة المفرقعات, شفت حوادث كتير وأنقذت أنا وزمايلي ناس كتير بس مشفتش عمري إجرام بالقسوة دي, بقول للناس: خلوا بالكم من نفسكم واقفوا مع ولادكم من الجيش والشرطة عشان نقدر عليهم ونقدر نوقف بلدنا علي رجليها من تاني.
أيمن سليمان, أمين شرطة كان يرقد في إحدي غرف المستشفي ذاته, مربوط اليدين بأربطة طبية, يحمل نفس الوجه الذي أحرقته النيران, ونفس الجراح بالجسد, إلا أن أيمن لم تكن لديه القدرة علي الكلام بعد أن أصيب فكه باعوجاج مما يفقده القدرة علي التحدث, لكنه بصعوبة بالغة أخبرني أن زميله هيثم قد استشهد في الحادث.
* دموعك غالية يا أمي
علي الأرض في أحد أركان الممر أمام غرفة الرعاية بمستشفي المعادي, جلست في ثوبها الريفي البسيط, ووجهها منتحبًا بالبكاء حتي صار مثل جمرة النار من شدة حمرة وجعه وألمه وكمده, قالت: 'ابني عادل إبراهيم المغاوري, عنده أربع بنات يا بنتي, شوفي دي أكبرهم - وأشارت إلي طفلة صغيرة لا يتعدي عمرها ستة أعوام تبكي في حالة هلع- ثم أضافت: منهم لله يا بنتي, دول لا مسلمين ولا يعرفوا دين, لو ابني حصل له حاجة بناته هيروحوا فين؟
تقول والدة عادل: وقت الخبر كنت نايمة, لقيت بنتي بتتصل تسألني علي أخوها وبتبلغني إن المديرية اتضربت, أول ما قفلت التليفون لقيته بيرن, واحد بيسألني: انتي والدة عادل؟ قلت له: أيوه يا ابني, طمني عادل حصل له حاجة؟
- عادل مصاب ومحتاج دم ضروري
جريت أنا وأبوه واخواته علي مستشفي المنصورة في الطريق فضلت أصرخ وأبكي وادعي ربنا ان ابني يكون عايش, دخلت المستشفي لقيت شباب كتير غرقانين في دمهم مقدرتش أميِّز ابني منهم, كلهم كانت وشوشهم غرقانة دم، ملامحهم مش باينة لحد, عرفت ابني من جزمته, حسيت رجليا مش شايلاني كنت عاوزة أعرف إذا كان عايش واللا ميت, الدنيا دارت بيا بس مصر شعبها حلو أوي وفيه الخير, الناس كانت بتتسابق عشان يساعدونا احنا وغيرنا, اللي يشتري قطن واللي يشتري شاش وخيط وبطاطين, مصر حلوة وناسها ولاد حلال إلا دول, الكفرة اللي ميعرفوش لا رب ولا رحمة ولا دين, ذنبهم إيه الناس الغلابة اللي عيالها ماتت, ذنبهم إيه اللي زينا اللي ملهومش في حاجة, ربنا يخلص حقنا منهم, حق الغلابة, الغلابة اللي راحوا يا حبيبتي.
ذنبه إيه أخوه اللي ضاقت بيه الدنيا في بلده واستلف فلوس عشان يسافر السعودية يدور علي شغل بعد سفره بكام يوم عرف الخبر من التليفزيون ومكنش معاه فلوس يرجع لحد ما زمايله هناك جمعوا فلوس من بعضهم عشان ييجي يشوف أخوه, يعني سلف وهو رايح وقبل ما يشتغل استلف تاني عشان يرجع, ذنبنا إيه احنا الغلابة في اللي بيحصل ده؟ إحنا ناس علي قد حالنا من قرية اسمها البقلية في المنصورة لا لينا في التور ولا في الطحين, وربنا عالم بينا, لازم يبقي فيه حل يحمي ولادنا ويحمينا, مش هنضيع حق شبابنا ولا هنسيب دمهم, ذنبنا إيه نأجر كل يوم عربية من المنصورة للقاهرة عشان نطمن علي ابننا, الناس خلاص اكتفت.
عاوزة أقول للكفرة دول: يا رب تشوفوا في عيالكم اللي شفناه في عيالنا بسببكم, عشان تعرفوا الضنا غالي قد إيه, دول مش اسمهم الإخوان دول اسمهم الخاينين الظلمة الكفرة, بيكفرونا ليه؟ دا احنا مسلمين وموحدين بالله طول عمرنا؟
ابني وضنايا ونور عيني في المستشفي, قلت لهم خدوا عينيا الاتنين وهاتولي ابني تاني.
أما شقيق عادل الذي عاد مديونًا فوق دينه من السعودية فيقول: كنت أقيم في الطائف وفور وقوع الحادث جاء الجميع لمؤازرتي وزيارتي من جدة والمدينة, وقفوا جانبي وساعدوني الكل بيقول عليهم كفرة ومعندهمش دين ولا قلب.
ظلت دموعها المنهمرة جرحًا يدمي القلب, وددت لو أعود لضمها مرةً أخري إلي صدري, وددت أن أقول لها: دموعك غالية يا أمي, لعن الله من لم يرحمها.
** في غرفة الرعاية, راح رضا في غيبوبته لعدة أيام, حتي أفاق واسترد وعيه, إلا أن حالته مازالت حرجة, جروح غائرة بالوجه وإصابة بالغة العينين.
مجند رضا جمال أحمد, عمره 20 سنة, يقول شقيقه أشرف في وصفه لوقت الحادث: المشهد في المستشفي كان يصعب ع الكافر, جنود وضباط ومدنيين كلهم مصابين إصابات بالغة غرقانين في دمهم, صراخ وعويل في كل مكان, ناس فقدت ولادها وناس مش لقياهم, عمومًا كنا متوقعين حاجة زي كده تحصل مع الكلام عن الدستور لكن مكناش فاكرين انه هيبقي بالبشاعة دي, لما رضا فاق من الغيبوبة أول حاجة قالها: الحمد لله, وحكي لي إنه كان قاعد في العربية منتظر الشهيد المقدم السيد رأفت في العربية وفجأة حصل الانفجار.
رضا فقد عينه اليمني, وأصيب بجروح بالغة في الساقين والجسد وقطع في أوتار اليد اليمني.
أما والدة رضا فقد بدأت حديثها قائلة: حسبي الله ونعم الوكيل, احنا ناس غلابة من البحيرة, من غرب النوبارية, عرفنا الخبر من التليفزيون وشفت ابني علي الشاشة بس معرفتوش, كان متبهدل أوي, عرفته لما شفت أخوه واقف جنبه, عمري ما توقعت إن ده هيحصل معاه, هو عمل إيه, ده رايح يخدم بلده, هما اللي ناس معندهمش قلب ولا دين, الناس الغلابة اللي زي حالتنا يعملوا إيه, ثم بكت وهي تستطرد حديثها قائلة: برضه لما رحت لابني في المستشفي مكنتش عارفاه, قالولنا آخر سرير, وشه متبهدل ومربط وعنيه وجسمه ورجليه, أنا وأبوه فقدنا أعصابنا وانهرنا, بقيت أكلمه وأقوله 'يا رضا رد عليا, احنا جانبك يا حبيبي' مكنش واعي, كان نفسنا يرد علينا, بس مردش.
رضا خاطب بنت خالته, كان هيتجوز في العيد الصغير, كل اللي محتاجاه ابني يرجع لي زي ما خرج ماشي علي رجليه وشايف بعنيه, عاوزة أقوله: انت نور عنينا يا رضا, ارجع لي يا ابني بقي حلو وزي القمر زي ما كنت في عيني طول عمرك يا حبيبي.
أيمن, شقيق رضا الأكبر, مدرس تاريخ, يطالب الدولة بأن تسرع في نشر تعاليم الدين السمح بما يليق بمكانة وسماحة ديننا وأن توجه الدعاة المعتدلين لنشر تعاليم الدين الصحيح وتعليمه لشبابنا وأبنائنا.
* زوجة نائب مدير الأمن
علي باب غرفة الرعاية وقفت متماسكة صامدة رغم عيونها الممتلئة بالدموع وملامحها التي يكسوها القلق, هي السيدة ناهد محمد عبد القادر, زوجة اللواء محمد عبد الرازق قدري, مساعد مدير الأمن العام للمباحث الجنائية بشرق الدلتا, أصيب زوجها بجروح قطعية بالغة بالرأس والوجه والأذن والكتفين, فقد سقط فوقه سقف مكتبه وقت الانفجار, اللواء قدري مازال تحت الملاحظة في حالة حرجة, لديه ثلاثة أبناء, أصغرهم سيف, بالمرحلة الإعدادية, ترك أمه وأقاربه وابتعد بضع خطوات حتي لا يري أحد دموعه, تقول السيدة ناهد: وقع الحادث في ساعة متأخرة من الليل, كنت نائمة وفوجئت باتصال من إحدي صديقاتي تخبرني بأن هناك مشاكل عند مديرية الأمن, نزل ابني الأكبر مسرعًا ليطمئن علي والده, وظللت أتصل بهاتفه لكنه لم يرد, كنا قد تحدثنا قبل الحادث بحوالي نصف ساعة فقط, ووعدني بإحضار موبايل لابني الأوسط لأنه فقد موبايله, كنا نعرف أن هناك استهدافًا لرجال الشرطة وحوادث يتعرضون لها لكن ما حدث في المديرية لم نره إلا في فلسطين أو العراق ولم نتوقعه في مصر.
تضيف زوجة اللواء محمد قدري: والله احنا مش خايفين, ولا هو خاف ولا مرة واحدة, لدرجة أنه كان يرفض ارتداء القميص الواقي من الرصاص هو وزملاؤه, كانوا يقولون إن اللي ليهم نصيب فيه هيشوفوه, واللي عاوزه ربنا هيكون, وربنا هو الحافظ, كان دايمًا يقول لي انهم مابيخافوش, وزرع الشجاعة والجرأة في قلب ولادنا, ابني الكبير كان لسه في سنة أولي كلية الشرطة وقت ثورة يناير, كان بياخد سلاحه وينزل الشارع بالترننج هو وزمايله يلفوا المدينة عشان يحموها ويحموا ناسها, كان وقتها مينفعش يلبسوا لبس الشرطة لأنها برضه كانت مستهدفة, أبوه علمه ميخافش هو وإخواته, واتعلمت منهم القوة لحد ما بقيت أنا كمان مبخافش, حتي اللي حصل ده رغم مرارته مخلناش نخاف بالعكس زادنا قوة, أول ما محمد فاق من غيبوبته سأل: امتي يقدر يرجع شغله, قال لي: هكمل ومحدش هيخوفني, اللي يقدر يشغل قسم كامل وهو عمره 20 سنة ويفضل طول عمره في مواجهات مستحيل يرجع أو يخاف, الجبان مش اللي بيقفوا في وسط الناس في الشارع عشان يحموهم, الجبان هو اللي بيضرب ويستخبي زي الفيران في الجحور, موت بموت, بس مفيش أحسن من ان الواحد يموت شهيد..
زمايله الضباط الصغيرين لما بييجوا لزيارته بيوعدوه إنهم مكملين لحد ما يقضوا علي الإرهاب ويرجعوا الأمان للبلد, بس المشكلة أن مجهودهم بقي أضعاف مجهودهم قبل كده خصوصًا بعد موضوع فتح السجون أيام ثورة يناير وخروج الآلاف من المجرمين, ده غير العفو اللي صدر في عهد المعزول, مين يقدر يشتغل زي الضابط اللي بيواصل في الشارع 24 ساعة في ظروف سيئة في كل حاجة, لا الضباط بيخافوا ولا زوجاتهم ولا حتي ولادهم, اللي عملوا كده أكيد ربنا هينتقم منهم, اللي يعرف الضباط بيتعبوا قد إيه يقدر قيمتهم, محمد لما كان بيستعد يروح مهمة وكنت أكلمه في حاجة مكنش يركز معايا كل تركيزه كان في المهمة اللي رايح عشانها, ودايمًا يكون في الصفوف الأولي في المواجهة, عشان كده ربنا هينجيه هو واللي زيه وهينصرهم علي أعداء بلدنا.
* أنا ابن الشهيد البطل
عمره ثلاثة عشر عامًا, هو ابن الشهيد المقدم السيد محمد رأفت الذي استشهد في حادث مديرية أمن الدقهلية, صغير هو في السن لكنه رجل بكل ما تحمله الكلمة من معان, بفطرة الطفولة وبراءتها, وبصبر الرجال وحكمتهم, بدموع عزيزة أبت أن تسيل حتي يظل متماسكًا أمام أمه واخوته يحكي محمد عن ليلة استشهاد والده فيقول: كنت نائمًا ولم تخبرني أمي وقت وقوع الحادث, وانتظرت حتي السابعة من صباح اليوم التالي كي لا يفزعني الخبر, وفي الصباح جاءت لتوقظني بدموع غزيرة ووجه حزين, ثم تركتني ولم تقو علي إخباري, جاء ابن خالتي وجلس إلي جواري بينما كنت في حالة ذهول من المشهد الذي لم أعرف له سببًا وقتها, قال لي ابن خالتي إن والدي استشهد في حادث تفجير المديرية, لم أصدقه, وظننته يمازحني, وغضبت منه, فأصر علي صحة الخبر فشعرت بأن رأسي تدور ولم أدرك ما إذا كنت قد استيقظت أم أني مازالت نائمًا يراودني كابوس سوف أصحو منه..
يكمل محمد حديثه في عزة نفس منعته من البكاء حين اختنقت دموعه في حلقه: بابا كل الناس كانت بتحبه, زمايله وأهله, مكنش بيتأخر علي حد في حاجة, بس الفترة الأخيرة كان زعلان إننا بننزل من البيت كتير وهو خايف علينا بعد ما شاف حادثة الإخوان لما ذبحوا السواق, مكنش طايق الوضع وكان عنده اصرار يرجع الأمان للبلد تاني, وقت أحداث كرداسة كان بيقول علي زمايله اللي استشهدوا 'يا بختهم' كان نفسه ينول الشهادة زيهم, وربنا منحها له.. آخر مرة شفته فيها وهو نازل الشغل حوالي الساعة 9 مساء يوم الحادث, كان نازل مستعجل, ملحقتش أسلم عليه, يومها سلمي أختي, عمرها 5 سنين, طلبت تروح معاه الشغل, لما قالها مينفعش أنا خايف عليكي زعلت أوي, قالها بكره هبقي أخدك معايا, ومشي, وبالليل سمعت ماما وهي بتتكلم عن الحادثة وعن بابا قعدت تسأل عليه, لحد ما عرفت انه استشهد, سلمي بتقول 'لو كنت رحت كان زماني مت مع بابا, يوم الحادثة بالليل كنا خمسة والصبح بقينا أربعة, لو كنت رحت كنتوا بقيتوا تلاتة'
يقول محمد: جنازة بابا كان فيها أكتر من 4 آلاف شخص, أمي مقدرتش تودعه آخر وداع, حتي أنا مكنتش قادر أوصل معاه والناس قعدوا يعدوني من الزحمة لحد ما وصلت وشفت الصندوق اللي فيه بابا قبل الدفن, مش قادر أقولك الدنيا بقت إزاي بعد غياب بابا, بس حاسس إنها بقت صعبة أوي, وهتبقي أصعب بعد كده, تفرق لما يبقي الواحد باباه ضهره وأمانه وحمايته عايش عن إنه يبقي من غير ضهر, أصحابه وأهلي قالوا لي لو عاوز حاجة احنا تحت أمرك, بس بابا وجوده طبعًا يفرق كتير عن الدنيا كلها.
في الآخر هقول الحمد لله إن بابا نال الشهادة اللي كان نفسه فيها, بس الفراق صعب أوي..
النهارده كان عندنا ناس من الوزارة, منحوا أبويا درع الشهيد, أنا فخور بيه أوي, وفرحان إن أبويا بطل وعارف إنه حي في السما وشايفني وهعمل كل الحاجات اللي تفرحه.
يااااه يا محمد, زودت الوجع في القلب, زي ما زرعت في الضلمة نور, دموعك مخنوقة بس كلمتك مدروسة وإحساسك يعلم إزاي تكون الرجولة وإزاي يكون الصبر وإزاي يكون الصمود.. هكذا يا ولدي يكون أبناء الأبطال.. راجل من ضهر راجل يا محمد..
أما سلمي, ابنة الأعوام الخمسة فهي ذكية ولبقة وخفيفة الظل, حكاية أخري يحكي عنها، عن سلالة الأبطال, قالت سلمي: عاوزة أقول لبابا ربنا يرحمك, و.. وحشتني أوي, كنت هروح معاه الشغل مرضيش ولما زعلت قال لي طيب هخدك بكره الصبح, بعد كده هو مخدنيش, وراح لوحده.. بابايا بطل, وأنا عارفه إنه شايفني, بس أنا نفسي أشوفه، اشمعني هو بس اللي يشوفني, ما هو كمان واحشني.. وبقول للي موتوا بابا: 'ربنا ياخدكم'.
الشهيد المقدم السيد محمد رأفت, الشهيد العقيد سامح أحمد السعودي, الشهيد الرقيب سعد مصطفي المرسي, الشهيد المجند يونس أبو المعاطي محمد, الشهيد المجند محمد صابر أحمد, الشهيد المجند يوسف مغاوري عيسي, الشهيد المجند أحمد صبحي حافظ, الشهيد المجند محمد عبد العزيز عبد الكريم.. وغيرهم رحلوا في حادث الدقهلية, وما زالت دماء أبنائنا تسيل قربانًا لحرية الوطن..
' وإن كان في أرضك مات شهيد, فيه ألف غيره بيتولد.. فيه ألف غيره بيتولد'


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.