172 مليار جنيه قيمة ما تتحمله الموازنة العامة للدولة من أجور تدفعها للعاملين بها ورغم ذلك فإن الشكاوى تتزايد حول حالة الترهل التى يعانى منها هذا الجهاز الإدارى والذى وصل عدد العاملين فيه إلى أكثر من خمسة ملايين موظف فضلا عن المسار الطويل من الاعتصامات والإضرابات التى تصدر منه على مدار السنوات الماضية من أجل تحسين أوضاعهم وتوفيقها من أجل مواجهة ارتفاع الأسعار. وأصيبت الموازنة العامة بالترهل جراء سياسة الدولة فى التعيين العشوائى للعاملين بها لمواجهة الاضطرابات والضغوط الإعلامية، مما تسبب فى توفر عدد كبير من الموظفين الدولة ليست فى حاجة لهم مما تسبب فى إهدار المال العام والطاقات البشرية المعطلة التى تظل دائما حبيسة المكاتب حتى يحين موعد انصرافها فترحل باحثة عن نشاط آخر او عمل إضافى لتحسين أحوالها.
وأمام تلك المشكلة المتفاقمة منذ عشرات السنين بات البحث عن حلول خارج الصندوق أمرا حتميا للتخلص من الأزمات التى يمثلها الجهاز الإدارى للدولة للموازنة العامة.
∎ موظف بدرجة عاطل
أكد الدكتور صفوت النحاس رئيس الجهاز المركزى للتنظيم والإدارة السابق والأمين العام لمجلس الوزراء السابق أن الدولة وقفت عاجزة أمام الاضطرابات والاعتصامات التى ظهرت فى الفترة الأخيرة بعد تصاعد وتيرة المطالب الفئوية للمواطنين فحدثت عمليات تعيين عشوائى فى الجهاز الإدارى للدولة، ومقابل ذلك تحملت الموازنة أجورا لموظفين ليست فى حاجة لهم.
وأشار النحاس إلى أن العشوائية وصلت مداها فى الفترة الأخيرة فعلى سبيل المثال تحاول المحافظات إصلاح الطرق عن طريق جمع أموال من سائقى السرفيس تعرف حاليا تحت مسمى «الكارتة» فتلجأ المحافظة لبعض السائقين من أجل تحصيل الأموال مقابل نسبة منها متعارف عليها وبعد فترة طالب هولاء السائقون بالتعيين فى الجهاز الإدارى للدولة ولا نعلم على أى درجة يمكن تعيينهم وما هى الوظائف التى فى حاجة إلى مجهودهم.
وتابع النحاس حديثه بأن هناك الكثير من الأمثلة الصارخة على محاولات التعيين فى الجهاز الإدارى للدولة حيث لجأ بعض الممرضين يعملون فى الوحدات الخاصة داخل أحد المستشفيات الحكومية بطلب التعيين دون وجه حق وأمام المظاهرات التى اشتعلت فى الفترة الأخيرة تم تعيينهم من الميزانية المخصصة لجلب الأدوية والمعدات الطبية، والغريب أن المواطنين الذين يدخلون المستشفيات الحكومية يتساءلون عن سبب عدم وجود أدوية أو أقطان طبية أو شاش للجروح وان إدارة المستشفى تطالبهم بشراء تلك الأدوات من الخارج والسبب أن الميزانية المخصصة للأدوية تم استخدامها فى دفع مرتبات العاملين فى الدولة دون وجه حق.. وهناك الكثير من الامثلة الصارخة على إهدار المال والطاقات بداية من الحصول على مؤهل عال داخل العمل وتغيير الدرجة الوظيفية وعلى سبيل المثال فنى التكييف الذى يحصل على مؤهل عال داخل السكك الحديدية ويترك مجاله الذى تخصص فيه ولديه خبرة كبيرة ويدخل مجالا آخر لا يعرف فيه شيئاً فيخسر الكثير ويأخذ حق آخر لديه الكفاءة والقدرة على القيام بهذا العمل على أكمل وجه.
وأضاف النحاس أن تلك الأزمة المتسبب فيها الفساد الإدارى المستشرى فى الدولة والذى أدى إلى طرح الكثير من الوظائف للجمهور الدولة ليست فى حاجة إليها بسبب الاستحقاقات الانتخابية والأسباب السياسية كذلك عدم وقوف المجتمع والأجهزة الإعلامية أمام المظاهرات التى تطالب بالتعيين دون وجه حق ونحن أمام مشكلة كبيرة فلدينا الكثير من الطاقات المعطلة والتى تطالب دائما بالزيادة فى رواتبها لمواجهة ارتفاع الأسعار ولا أحد يعرف ما هو العمل الحقيقى الذى تؤديه.
ومن أجل البحث عن حلول لمعالجة الأزمة اقترح النحاس تحويل الهيئات الاقتصادية التابعة للدولة إلى شركات مملوكة لها، بهدف تغيير أسلوب إدارتها بشكل مناسب للحد من خسائرها وتحقيق مكاسب كذلك مضاعفة المراقبة عليها فى قرارات التعيين والفصل من أجل تحسين أدائها.
وطالب النحاس بتحويل مبنى «ماسبيرو» على سبيل المثال إلى عدة شركات للاستفادة منها بالشكل الأمثل.. مشيرا إلى أن مجلة الإذاعة والتليفزيون تحقق خسائر من 15 إلى 16 مليون جنيه سنويًا فلا توجد معايير واضحة لممارسة أى مهنة فى مصر خاصة أن اتحاد الإذاعة والتليفزيون يمكن أن يسير العمل بداخله ب 15 ٪ فقط من حجم العاملين به.
وعلى جانب آخر أكد النحاس أن تحويلات المصريين من الخارج قاربت 02 مليار دولار وهو ما ساهم فى معالجة بعض الآثار الناجمة فى بعض البنود داخل الموازنة العامة للدولة.
وقال إنه من الممكن أن نصل لأكثر من 40 مليار دولار وذلك عبر اتخاذ بعض السياسات الداخلية، ولفت إلى أهمية تشجيع المواطنين على الخروج للمعاش المبكر والاتجاه لإقامة مشروعات صغيرة، موضحًا أن هذه المشروعات الصغيرة لا تتسم بالنجاح المطلوب فى مصر أسوة لما يحدث بالخارج، وذلك نظرا لعدم توفر الآلات الصغيرة اللازمة لتحسين جودة المنتجات الصادرة من المشروعات الصغيرة لاسيما أن هذه السياسة تتبعها الدول ذات الكثافة السكانية العالية مثل الصين والهند فى نجاح مشروعاتها الصغيرة والمتناهية الصغر.
∎ قادة غائبون
ومن جهته قال إسماعيل عثمان رئيس مجلس إدارة شركة المقاولون العرب السابق أن الأزمة التى تعيشها مصر حاليا سببها الرئيسى هو عدم وجود الكثير من المديرين الناجحين فى مصر لان المدير الناجح هو الشخص القادر على اكتشاف الكفاءات ووضعها فى المكان الصحيح وبالتالى يتحسن الأداء بشكل تدريجى مع ضرورة التخلص من العناصر التى تعوق العمل والتى تتسبب فى كثير من الخسائر للمنظمومة الإدارية والحل الأمثل هو إعادة تكييفها مع طرق العمل الجديدة والبحث عن دور تؤديه يتماشى مع سياسة العمل وهنا يمكن إعادة توزيعها من جديد.
أشار عثمان أن المؤسسات الإدارية الناجحة فى أوروبا تعمل على إعادة توزيع المهام داخل المؤسسات وفقا لطبيعتها وظروفها واختيار المدير الناجح القادر على قيادة أوركسترا العمل نحو تحقيق النجاح وزيادة الأرباح وهو ما يميزها عما يحدث فى مصر.. معتبرا أن لديه تجربة شخصية داخل شركة المقاولون العرب بوضع عدة مديرين فى مراكز مختلفة على درجة عالية من الكفاءة وهو ما ساهم فى تحسين اداء العمل بها.
∎ جراج حكومى
وعلى جانب آخر قال الدكتور عبد المطلب عبد الحميد رئيس قسم الاقتصاد بأكاديمية السادات للعلوم الإدارية أن مشكلة العمالة والأجور داخل الجهاز الإدارى للدولة متفاقمة منذ أيام النكسة وبعد نهاية الحرب حيث خرجت أعداد كبيرة من المواطنين المشاركين فى الحرب وكان لزاما على الدولة ان توفر لهم الوظائف كحد أدنى لما قاموا به للحفاظ على أسرهم بعد فترة الحرب الطويلة وأمام الأعداد الكبيرة من الموظفين أصبح الجهاز الإدارى للدولة مثل الجراج الحكومى ليضاف إليه أعداد الخريجين من الجامعات وكان وقتها الدولة ملزمة بتوفير وظائف لهم عن طريق القوى العاملة ومع مرور الوقت أصبح الجهاز الإدارى مترهلا وبالتالى ندفع فاتورة هذا الترهل الآن.
وأوضح عبد المطلب أن هناك أزمة كبيرة فى الأجور عن طريق ما يسمى بالأجر المتغير وما يطلق عليه الحوافز والبدلات وهى أزمة حقيقية لأنها منفصلة تماما عن الأجر الاساسى، ولا توجد معايير واضحة لتوزيع هذه الحوافز والبدلات على العاملين وتدخل فيها الواسطة والمحسوبية، وبالتالى تزداد الأزمات والمشاكل داخل الجهاز الإدارى للدولة.
وطالب عبد المطلب الحكومة القادمة بضرورة العمل على هيكلة الجهاز الإدارى للدولة وفقا لمعايير علمية حيث إن هناك دراسة أكدت أن كل موظف يعمل بكفاءة يوجد أمامه ثلاثة موظفين يتقاضون أجورا، ولا يعملون بشكل جيد والدولة مطالبة بأن تمنحهم الاجور المتفق عليها وفقا لقرار تعيينهم وإلا أخلت بواجباتها.
وأشار عبد المطلب إلى أن وجود بند بالمرتبات الخيالية للمستشارين داخل الحكومة يزيد من أزمة الاجور داخل الموازنة العامة للدولة فيجب الاستغناء عن كل المستشارين الذين يتقاضون مبالغ خيالية ووضع سقف للحد الأقصى للأجور قبل التفكير فى الحد الأدنى، وذلك لكى لا تزداد الأعباء على الموازنة خلال السنوات القادمة خاصة أن هناك نصف مليون موظف تم تعيينهم بعد الثورة.