ولد لأم لها من زيجة سابقة عشرة أولاد وبنات ولأب يعمل سباكاً له هو الآخر سبعة أولاد من زواج قائم فأصبح إسلام آخر عنقودهما الأخ الثامن عشر لأسرة تعانى فقراً ومرضا.. توفى والده وتزوج إخوته وأخواته وانشغلوا بتدابير الحياة الصعبة وتبقى هذا الشاب النحيف الصغير الذى لم يتعد العشرين من عمره وشقيقته الأكبر مع والدتهما المسنة بعد أن ترك عليها الزمن بصماته وتركة كبيرة من الأمراض بعد خلفتها المتكررة، والتحقت أخته بالعمل بأحد المكاتب التجارية وفى إحدى المرات سمعت حديثاً لصاحب العمل يتآمر على براءتها فهربت مسرعة إلى منزلها وقصت على أخيها ما حدث، وبرغم حداثة سنه فإنه أبى أن تعود ثانية للعمل مع ذلك المتصابى وقرر أن يجلسها بالمنزل على أن يتحمل هو عبء أسرته فلجأ إلى صاحب تاكسى متهالك بداخل إحدى المدن النائية وعمل عليه كسائق طوال الفترة المسائية والتحق بإحدى الكليات النظرية صباحاً وتلقفته الدنيا بحلوها تارة ومرها تارات فارتسم على وجهه الشقاء والخوف من المجهول وإن تمكن من انتزاع شهادة البكالوريوس وبرع بعد ذلك فى إصلاح الكمبيوتر وعندما بدأت الدنيا تظهر بعض إشفاقها على ذلك المسكين طلب فى التجنيد وسرعان ما لبى نداء الوطن رغم قسوة الحياة معه طوال سنوات عمره الصغيرة وصعب عليه فراق أمه المسنة وأخته التى تعتمد عليه فى تجهيزها.. والتحق إسلام بوحدته على آخر بقعة من تراب الوطن على الحدود واستمرت معه الأيام تكشر له عن أنيابها حتى أصابته طلقة الغدر من أحد التكفيريين فوقع صريعاً مدرجاً بدمائه.. قبضت يده على إحدى الآيات القرآنية وكأنه كان يتشبت بأمل أفضل فى الغد ولما طال انتظاره ولم يأت فى موعد أجازته المعتاد فطنت أمه لما أصاب آخر عنقودها فأدمى قلبها واغرورقت عيناها بالدمع الذى لم يجف إلى الآن بينما ظلت شقيقته متربصة بشرفة المنزل تعض على شفتيها لعل القدر يخطئ ويعود إسلام ولكنه.. وللأسف كان مسافراً بلا عودة؟!